في ذكرى هدم الخلافة الإسلامية
في ذكرى هدم الخلافة الإسلامية
بقلم: أنور أبو طير
في عام 1898م تمكن هرتزل (قاد الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر) والحاخام اليهودي (موشيه ليفي) بعد توسط السفارة الألمانية، من مقابلة الخليفة عبد الحميد في اسطنبول وتقدم هرتزل من الخليفة وقال له: «مولانا صاحب الشوكة، جلالة السلطان… عبيدكم اليهود يقبّلون التراب الذي تدوسونه، ويستعطفونكم للهجرة إلى فلسطين المقدسة… ولقاء أوامركم العالية الجليلة نرجو أن تتفضلوا بقبول هديتهم، …» ولما كان السلطان عبد الحميد قد أحيط علماً بقرار المؤتمر العالمي للصهيونية في سويسرا، وفهم ما يقصده الوفد اليهودي من هديته، لذلك أمر مرافقه أن يطردهم من القصر وأصدر على الفور أمراً بمنع هجرة اليهود إلى فلسطين.
ولكن ما ذكر في يوميات هرتزل ص 35:
بأن السلطان رفض استقباله وأرسل له الكلام المذكور فيما بعد عن طريق رفيقه نيولنسكي.
قال السلطان لي:
«إذا كان هرتزل صديقك بقدر ما أنت صديقي فأنصحه أن لا يسير أبداً في هذا الأمر. لا أقدر أن أبيع ولو قدماً واحداً من البلاد، لأنها ليست لي بل لشعبي. لقد حصل شعبي على هذه الإمبراطورية بإراقة دمائهم وقد غذوها فيما بعد بدمائهم وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منا. لقد حاربت كتيبتان من جيشنا في سوريا وفلسطين وقتل رجالنا الواجد بعد الآخر في «لفنة» لأن أحداً منهم لم يرضَ بالتسليم وفضلوا أن يموتوا في ساحة القتال…»
بعدما يئس اليهود من السلطان، استطاعوا بواسطة يهود الدونما القيام بانقلاب عليه، وحمل له كتاب التنازل يهودي منهم، ولم يكن عبد الحميد جاهلاً للأسباب الرئيسية التي أدت إلى خلعه.
وقد ظهر ذلك جلياً في رسالة وجهها بعد خلعه إلى الشيخ محمود أبي الشامات في دمشق يذكر له فيها ما عرض عليه زعماء جمعية الاتحاد مقابل السماح لليهود بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين وفيما يلي نص الرسالة:
[من كتاب: حكومة العالم الخفي، تأليف: شيريب سبير يدوفيتش].
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد رسول رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين.
بعد تقديم احترمي، أعرض أنني تلقيت كتابكم المؤرّخ في 22 مايس من السنة الحالية وحمدت المولى وشكرته أنكم بصحة وسلامة دائمين.
بعد هذه المقدمة أعرض لرشادتكم، وإلى أمثالكم أصحاب السماحة، والعقول السليمة المسألة المهمة الآتية كأمانة في ذمة التاريخ:
إنني لم أتخلّ عن الخلافة الإسلامية لسبب ما، سوى أنني ـ بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم (جون تورك) وتهديدهم ـ اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة. إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا وأصروا عليّ بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة (فلسطين) ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف. وأخيراً وعدوا بتقديم (150) مائة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهباً، فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية أيضاً. وأجبتهم بالجواب القطعي الآتي:
(إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهباً ـ فضلاً عن (150) مائة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهباً فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي. لقد خدمت الملة الإسلامية والأمة المحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة فلن أسوّد صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين. لهذا لن أقبل بتكليفكم بوجه قطعي أيضاً).
وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي، وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى سلانيك. فقبلت بهذا التكليف الأخير.
هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة. فلسطين.. وقد كان بعد ذلك ما كان. ولذا فإنني أكرر الحمد والثناء على الله المتعال. واعتقد أن ما عرضته كاف في هذا الموضوع المهم، وبه أختم رسالتي هذه.
ألثم يديكم المباركتين وأرجو واسترحم أن تتفضلوا بقبول احترامي. سلامي إلى جميع الأخوان والأصدقاء.
يا أستاذي المعظم.
لقد أطلت عليكم البحث. ولكن دفعني لهذه الإطالة أن نحيط سماحتكم علماً. ونحيط جماعتكم علماً أيضاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في 22 أيلول 1329.
خادم المسلمين
عبد الحميد بن عبد المجيد
أيها المسلمون:
إن أمتنا وُجِدتْ خير أمة أخرجت للناس، فحرام أن يلحقها الفناء. إنها الأمة التي نشرت الهدى في العالم، وتحرت الحق في حكم الرعايا. إنها الأمة التي عاشت من أجل إنقاذ الناس من الشرك والكفر، واستشهد الملايين منها في سبيل إعلاء كلمة الله، وكان عملها الأصلي في الحياة حمل الدعوة الإسلامية للعالم.
إن إنقاذ أمتكم لا يتأتى لكم إلا إذا رجعتم إلى الله، وهذا كله لا يتم إلا بجهاد صادق، وببيع الأنفس والأرواح في سبيل الله.
لقد طال التصاقكم بالأرض فارفعوا أبصاركم إلى السماء والتفتوا إلى نعيم الآخرة.
إن مصيبتكم الفادحة أن العقيدة الإسلامية قد انطفأ نورها في قلوبكم. فأنيروها بأحكام القرآن وبقول الحق أينما كان، وكفاح الباطل أينما وجد، وجهاد الكفار والمناقضين في كل وقت وفي كل حين.
نهيب بكم أن تعملوا بدأب متواصل ووعي كامل، وتضحية صادقة، لإعادة الخلافة الإسلامية ببث أفكار الإسلام والكفاح في سبيلها. لترفعوا راية الإسلام فوق جميع الرايات، ولتجعلوا كلمة الله هي العليا ولتستأنفوا حمل رسالة الإسلام إلى العالم نوراً وهدى ورحمة للعالمين.