لا يجوز التحاكم إلى الأمم المتحدة والقانون الدولي
لا يجوز التحاكم إلى الأمم المتحدة والقانون الدولي
بقلم الدكتور: توفيق الحاج
لقد أوجب الله تعالى على المسلمين التحاكم إلى شرع الله فقط. وحرم عليهم التحاكم إلى غيره. قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا).
إن التحاكم إلى الأمم المتحدة والقانون الدولي هو تحاكم إلى الطاغوت لأن الطاغوت هو كل شرع غير شرع الله. إن المصائب التي حصلت للمسلمين ولا تزال تحصل إنما هي من صنع الأمم المتحدة والشرعة الدولية على حد تعبيرهم. ذلك أن الأمم المتحدة هي أداة طيّعة بيد أميركا للسيطرة على العالم ولا سيما ما يسمى بالعالم الثالث. وعن طريقها وباسمها تتدخل أميركا في شؤون العام. وما حرب الخليج والتدخل في الصومال عند ببعيد، وما يحصل في البوسنة والهرسك من حرمان المسلمين امتلاك الأسلحة للدفاع عن أنفسهم إنما يحصل ذلك باسم الأمم المتحدة والشرعة الدولية. ولا يجرؤ أي حاكم من الذين يزعمون أنهم حكام للمسلمين أن يمد يد العون لهؤلاء المسلمين لأن الشرعة الدولية ترفض ذلك، مع أن شرع الله يوجب عليهم ذلك.
والأمم المتحدة هي وريثة عصبة الأمم التي ورثت بدورها الأسرة الأوروبية، والأسرة الأوروبية نشأت في القرن السادس عشر لضرب الإسلام والمسلمين وقامت على أساس ما سمى زوراً وبهتاناً بالقانون الدولي. ذلك أن الدول الأوروبية حين أحست بخطر الإسلام والمسلمين حين اندفعت الجيوش الإسلامية في أوروبا تفتح بلدانها بلداً بعد آخر ووصلت جيوشها إلى أسوار فيينا، أصابها الخوف والفزع فأوجدت تكتلاً فيما بينها لتتقي خطر الدولة الإسلامية. وأوجدت ما سمي بالأسرة الدولية ونشأ ما سمي بالمسألة الشرقية.
فالمسألة الشرقية كانت أولاً لاتقاء خطر الدولة الإسلامية، ثم تحولت في القرن التاسع عشر إلى كيفية القضاء على الدولة الإسلامية واقتسام تركة الرجل المريض، كما أطلق على الدولة الإسلامية.
وقد بقيت الأسرة الدولية مدة ثلاثة قرون أسرة نصرانية أوروبية يحرم على غير الدول النصرانية دخولها، ومع ذلك سموها زوراً وبهتاناً الأسرة الدولية والجماعة الدولية إمعاناً في الدجل والتضليل، وذلك ليضفي عليها الصفة الدولية ويوكل لها وحدها بحث الشؤون الدولية ولا يشمل غيرها.
وإعطاء هذا التجمع النصراني الأوروبي الصفة الدولية يجعل الشؤون الدولية هو ما يعني هذه الأسرة كذلك، ومن أجل تنظيم ذلك وتخليده وضعت فيه قواعد تقليدية سميت فيما بعد بالقانون الدولي.
فقد عمدوا إلى الاتفاقات الدولية التي عقدت بين الدول النصرانية، وإلى الأعراف التي كانت سائدة بين المجموعات النصرانية بوصفها مجموعات، وكونوا منها قواعد جعلوها قواعد دولية أو ما يسمى بالقانون الدولي.
مع أنها، أي الدول النصرانية، سمحت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدخول بعض الدول غير النصرانية فيها ولكنها لم تقبل غير القواعد التقليدية التي وضعتها على أساس أنها دول أوروبية نصرانية. ولذلك اشترطت على الدولة العثمانية أن تترك تحكيم الإسلام في شؤونها الدولية، ولم توافق على إدخالها إلا بعد أن قبلت بهذا الشرط وخضعت للقواعد التقليدية النصرانية الأوروبية.
وبعد القضاء على الدولة الإسلامية تحولت الأسرة الأوروبية إلى عصبة الأمم. ورغم أن عصبة الأمم أدخلت في عضويتها دولاً أخرى غير نصرانية، ولكنها لم تقبل غير القواعد التقليدية للدول النصرانية الأوروبية، ولم تعبأ بما عند باقي دول العالم من أعراف وأفكار. ثم تحولت عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الثانية إلى هيئة الأمم الحالية وكان يراد منها أن تقتصر عضويتها على الدول التي دخلت الحرب ضد ألمانيا. أي الدول النصرانية والدول التابعة لها، ولكن أميركا ومن أجل بسط نفوذها على العالم وإدخال دول العالم تحت ظلها، وسعت عضوية هيئة الأمم وسمحت لدول العالم بالدخول فيها. ولكنها أي أميركا وسائر الدول النصرانية لم تسمح بأي قواعد لأن تتسرب للقانون الدولي ولا لنظام هيئة الأمم هذه. بل ظلت قواعد الدول النصرانية هي الأساس في القانون الدولي بل هي القانون الدولي نفسه وهي نظام هيئة الأمم هذه. ولذلك ظلت القواعد التقليدية للدول النصرانية أو الدول الرأسمالية هي وحدها التي تتحكم في المجموعات البشرية الموجودة في العالم كله ضاربة عرض الحائط بما عقد باقي الدول من أعراف وأفكار، وظلت في نفس الوقت الأسرة الدولية تعني في واقعها أسرة الدول النصرانية أو بتعبير آخر الدول الرأسمالية. وإن قبل في الدخول فيها العديد من الدول.
أن وجود هذه المنظمات التي أطلق عليها زوراً وبهتاناً بأنها منظمات دولية كان ولا يزال وبالاً على العالم ودوله وشعوبه. فوجود هذا التكتل أدى إلى الحرب العالمية الأولى وكذلك الثانية، ولا يزال يشكل خطراً على الدول وخاصة الصغرى منها كما هو ملاحظ الآن، وأصبح بعد حرب الخليج واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار.
فباسم القانون الدولي والشرعة الدولية كما يطلق عليها زوراً وبهتاناً تستطيع أميركا أن تتدخل في شؤون الدول والشعوب وتستطيع جعل الباطل حقاً، والحق باطلاً، والاعتداء مشروعاً.
والأنكى من ذلك أن يذهب حكام المسلمين ويدعون إلى التحاكم إلى الأمم المتحدة والقانون الدولي، أو على حد تعبيرهم الشرعة الدولية، رغم أن كل مصائب المسلمين والويلات التي حصلت للمسلمين ولا تزال تحصل من هدم الخلافة، إلى تجزئة بلاد المسلمين، إلى إبعاد الإسلام عن الحياة، إلى قضية فلسطين، إلى حرب الخليج، والتدخل في الصومال، ومنع البوسنة من امتلاك السلاح، إلى غير ذلك من الكثير الكثير من المشاكل إنما هي من هذا الكافر النصراني الأوروبي.
فيذهبون إلى الخصم ليحكم لهم وينصفهم، ما أذل هؤلاء الحكام وأحقرهم فبعداً لهم كما بعدت ثمود.
وهؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ).
إن المصيبة كل المصيبة أن ينساق المسلمون وراء هؤلاء الخونة ليوردوهم موارد الهلاك ويجعلوا منهم طعماً سائغاً لأعدائهم.
أما آن للمسلمين أن يصحوا من غفوتهم ويميزوا عدوهم من صديقهم ويطيحوا بهذه الدول ويقيموا دولة الخلافة التي تجمع شملهم وتعيد إليهم عزهم ومجدهم وتعيدهم وغيرهم من الناس إلى التحاكم إلى شرع الله لتكون كلمة الله هي العليا.
(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).