فكر إسلامي
فكر إسلامي:
يجب تطبيق الإسلام كاملاً دفعة واحدة ويحرم التدرج في تطبيق أحكامه
هناك بعض المسلمين الذين يقولون بجواز أن تطبق الدولة الإسلامية أحكام الإسلام بالتدرج إذا كانت ترى ذلك أنسب لها.
وهناك بعض المسلمين الذين يقولون بجواز أن يشترك المسلم في أنظمة حكم الكفر.
وهناك بعض المسلمين الذين يقولون بجواز أخذ بعض الأنظمة من غير الإسلام.
كل هؤلاء ليسوا من أهل العلم، ولم يسبق لأهل العلم والاجتهاد في الأمة الإسلامية أن قالوا بذلك. ولم تكن هذه الآراء إلا نتيجة تأثر أصحابها بالتيارات الفكرية الغربية المناقضة لأحكام الإسلام وأفكاره.
نزل القران الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مُنَجَّماً حسب الوقائع والأحداث وكان كلما نزلت آية يبادر بتبليغها، فان اشتملت على أمر بادر هو والمسلمون بتنفيذه، وان اشتملت على نهي بادر هو والمسلمون باجتنابه والابتعاد عنه فكان تنفيذ الأحكام يتم بمجرد نزولها، دون أدنى مهلة، ودون أي تأخير.
فالحكم الذي ينزل يصبح واجب التطبيق والتنفيذ بمجرد نزوله أياً كان هذا الحكم، إلى أن أتم الله هذا الدين، وانزل قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا) فأصبح المسلمون بعد نزول هذه الآية الكريمة مطالبين مطالبة كلية بتنفيذ وتطبيق جميع أحكام الإسلام كاملة، سواء كانت تتعلق بالعقائد، أو العبادات، أو الأخلاق، أو المعاملات، وسواء أكانت هذه المعاملات بين المسلمين بعضهم مع بعض أم بينهم وبين الحاكم الذي يحكمهم، أم بينهم وبين الشعوب والأمم والدول الأخرى وسواء كانت هذه الأحكام تتعلق بناحية الحكم، أو الاقتصاد، أو الاجتماع، أو السياسة الخارجية في حالة السلم أو في حالة الحرب. قال تعالى : (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) أي خذوا واعملوا بجميع ما آتاكم الرسول، وانتهوا وابتعدوا عن كل ما نهاكم عنه، لان (ما) في الآية من صيغ العموم، فتشمل وجوب العمل بجميع الواجبات، ووجوب الانتهاء والابتعاد عن جميع المنهيات. والطلب بالأخذ والانتهاء الوارد في الآية هو طلب جازم، وهو للوجوب، بقرينة ما ورد في نهاية الآية من الأمر بالتقوى، والوعيد بالعذاب الشديد لمن لم يأخذ جميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينته عن جميع ما نهى عنه. وقال تعالى : ( وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ).
فهذا أمر جازم من الله لرسوله، وللحكام المسلمين من بعده بوجوب الحكم بجميع ما انزل الله من الأحكام، أمراً كانت أم نهياً، لان لفظ (ما) الوارد في الآية هو من صِيَغ العموم، فتشمل جميع الأحكام المنزلة.
وقد نهى الله رسوله، والحكام المسلمين من بعده عن اتباع أهواء الناس، والانصياع لرغباتهم، حيث قال تعالى : ( وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ).
كما حذر الله رسوله والحكام المسلمين من بعده ان يفتنه الناس، وان يصرفوه عن تطبيق بعض ما انزل الله إليه من الأحكام، بل يجب عليه ان يطبق جميع الأحكام التي أنزلها الله عليه، أوامر كانت أو نواه. دون ان يلتفت إلى ما يريده الناس. حيث قال تعالى : ( وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ )، وقال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ) وفي آية ثانية قال تعالى : (فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) وفي آية ثالثة قال تعالى : (فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) فجعل الله في هذه الآيات الثلاث من لم يحكم بجميع ما انزل الله من أحكام، أوامر كانت أو نواه، كافراً، ظالماً، وفاسقاً. لان (ما) الواردة في الآيات الثلاث من صيغ العموم، فتشمل جميع الأحكام الشرعية التي أنزلها الله، أوامر كانت أو نواهي.
وكل ما تقدم يوضح بشكل قطعي، لا لبس فيه، انه يجب على المسلمين جميعا، أفراداً، وجماعات، ودولة ان يطبقوا أحكام الإسلام كاملة، كما طلب الله سبحانه وتعالى تطبيقها، دون تأخير، أو تسويف، أو تدريج، وانه لا عذر لفرد، أو جماعة، أو دولة في عدم التطبيق.
والتطبيق يجب ان يكون كاملاً وشاملاً، ودفعة واحدة، وليس بالتدريج. والتطبيق بالتدريج يتناقض مع أحكام الإسلام كل المناقضة، ويجعل المطبق لبعض الأحكام، والتارك لبعضها آثماً عند الله، فرداً كان، أو جماعة، أو دولة.
فالواجب واجب، ويبقى واجبا، ويجب أن يُقام به، والحرام حرام، ويبقى حراماً، ويجب الابتعاد عنه. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبل من وفد ثقيف عندما وفد عليه ان يدع لهم صنمهم اللات ثلاث سنين، وان يعفيهم من الصلاة على ان يدخلوا الإسلام. فلم يقبل منهم ذلك، وأبى عليهم كل الإباء، وأصرَّ على هدم الصنم دون تأخير، وعلى الالتزام بالصلاة دون تأخير.
وقد جعل الله الحاكم الذي لا يطبق جميع أحكام الإسلام، أو يطبق بعضها، ويترك بعضها الآخر كافراً ان كان لا يعتقد بصلاحية الإسلام، أو لا يعتقد بصلاحية بعض الأحكام التي ترك تطبيقها، وجعله ظالماً وفاسقاً ان كان لا يطبق جميع أحكام الإسلام، أو لا يطبق بعضها، لكنه يعتقد بصلاحية الإسلام للتطبيق.
والرسول صلى الله عليه وسلم أوجب قتال الحاكم،وإشهار السيف في وجهه إذا اظهر الكفر البواح، الذي عندنا فيه من الله برهان. أي إذا حكم بأحكام الكفر، التي لا شبهة أنها أحكام كفر.
كثيرة كانت هذه الأحكام أم قليلة. كما ورد في حديث عبادة بن الصامت، حيث جاء فيه «… وان لا ننازع الأمر أهله، إلا ان تروا كفرا بواحاً، عندكم من الله فيه برهان».
فلا تساهل في تطبيق أحكام الشرع، ولا تدريج في تطبيق أحكام الإسلام. إذ لا فرق بين واجب وواجب، ولا بين حرام وحرام، ولا بين حكم وحكم آخر، فأحكام الله جميعا سواء، يجب ان تطبق وان تنفذ دون تأخير أو تسويف، أو تدريج، وإلا انطبق علينا قول الله تعالى : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ).
لذلك لا عذر لآية دولة قائمة في العالم الإسلامي في عدم تطبيق الإسلام بحجة عدم القدرة على تطبيقه، أو بعدم ملاءمة الظروف لتطبيقه، أو لان الرأي العام العالمي لا يقبل بتطبيقه، أو ان الدول الكبرى في العالم لا تترك لنا مجالا لتطبيقه، أو غير ذلك من الذرائع والحجج الواهية التي لا قيمة لها. ومن يحتج بها فلن يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.