متى تكون الدولة إسلامية
متى تكون الدولة إسلامية
بقلم: إياد هلال
من الأمور المسلّمة أن الإسلام طراز خاص في العيش وطريقة معينة في الحياة لا يمكن تطبيقه كاملاً شاملاً نواحي الحياة كلّها إلا من قبل الدولة. فإذا كان الفرد يستطيع الالتزام ببعض أحكام الإسلام المتعلقة بالفرد فإن الأحكام الأخرى المتعلقة بالعلاقات بين الأفراد وبالعلاقة بين الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم والشعوب لا يمكن إيجادها في واقع الحياة إلا بالدولة تطبق الإسلام وتحمله إلى العالم.
ومنذ هدم الخلافة وزوال كيان الدولة الإسلامية في أوائل هذا القرن ظهرت عدّة دول تزعم أنها إسلامية فالسعودية تزعم أنها دولة إسلامية وتضع كلمة التوحيد على علمها، وإيران تزعم أنها جمهورية إسلامية تضع لفظ الجلالة على علمها، والباكستان تزعم أنها دولة اسلامية، ومؤخراً أخذت الأصوات ترتفع بأن السودان أصبح دولة إسلامية وفي كل حالة يظهر فيها كيان جديد يُطْلبُ من المسلمين دعم هذا الكيان وينطلق فريق وينجرف آخر في التيار ظانين أن هذه الدولة أو تلك دولة إسلامية.
ومن الطبيعي والحالة هذه من أجل إدراك هل هذه المزاعم صحيحة أم لا، أن ندرك واقع الدولة كدولة ثم إدراك واقع الدولة الإسلامية ثم دراسة واقع هذه الدول التي ترفع هذا الشعار ثم تنزيل تعريف الدولة الإسلامية على الواقع المطلوب الحكم عليه لإدراك هل هذه الدولة فعلاً إسلامية.
واقع الدولة:
مهما عرفت الدولة فإنها كيان تنفيذي وسلطة تنفيذية تمارس سلطتها على مجموعة من الناس حيث تقوم هذه السلطة أو الكيان بتنفيذ وتطبيق مفاهيم وقناعات وأحكام آمن بها الناس، وتكون منظومة هذه المفاهيم والمقاييس والقناعات والأحكام منظومة متكاملة تنطلق من نظرة أساسية شاملة تفسر الوجود كله، وبالتالي تكون هذه الدولة مبدئية أي تحمل وتطبق مبدأ معيناً أو قد تكون الأحكام التي تطبقها الدولة متناثرة غير متجانسة من كل واد عصا وبالتالي لا تكون هذه الدولة مبدئية وإن جاز إطلاق لقظ الدولة عليها.
فالدولة الإسلامية دولة لأنها كيان تنفيذي لمجموعة معينة من المفاهيم والمقاييس والقناعات والأحكام، وهي أيضاً دولة مبدئية لأن هذه المنظومة التي تطبقها الدولة منظومة متكاملة مستمدة من عقيدة واحدة هي عقيدة التوحيد الذي قام البرهان القاطع على صحته.
أما الاتحاد السوفياتي مثلاً فإنه كان دولة أيضاً حين كان كيانه موجوداً ولكنه لم يكن دولة مبدئية، أو تحوّل عن المبدئية بعد التراجعات الأخيرة والإعلان عن وفاة الشيوعية. وأما الكونغو مثلاً أو جنوب أفريقيا أو مدغشقر أو الفلبين فإنها كلّها دول ولكن تفتقر إلى المبدئية لأن كلاًّ منها لا يبطق منظومة فكرية متكاملة.
واقع الدولة الإسلامية:
إن مصطلح «الدولة الإسلامية» عبارة عن موصوف «الدولة» وصفة «الإسلامية» وقد ترد العبارة مضافاً ومضافاً إليه كقولنا «دولة الإسلام». وبغض النظر عن الناحية النحوية فإن الدولة حتى تكون إسلامية لا بد من توفر أمور معينة فيها. ولكن ما هي هذه الأمور؟
هل يكفي أن يكون أفراد الرعية مسلمين بغض النظر عن الأنظمة والقوانين؟
هل يكفي أن تستمد الدولة بعض تشريعاتها من الإسلام حتى تكون إسلامية؟
هل يكفي أن يكون علم الدولة يحمل كلمة التوحيد حتى تكون إسلامية؟
هل يكفي أن يكون شخص الحاكم مسلماً حتى تكون الدولة الإسلامية؟
هل يكفي أن تكون السلطة بيد حركة إسلامية حتى تكون دولة إسلامية؟
في الواقع أن كل هذا لا يكفي للحكم على الدولة بأنها إسلامية. ذلك لأن الدولة توصف بالاسلام أو تضاف إليه ولا تضاف أو توصف بالمسليمن فالبحث ليس عن دولة المسلمين بل عن دولة الإسلام.
وبما أن الإسلام عقيدة يستمد منها منهاج أو نظام متكامل للحياة كلّها فلا بد أن تكون الدولة الإسلامية دولة تطبق الإسلام كاملاً وأكرر كاملاً لأن الترقيع هنا يعني الازدواجية في الحكم.
وهذا يعني أن الدولة الإسلامية يجب أن تتخذ العقيدة الإسلامية الأساس لكل شيء وهذا يعني توفر:
1- يجب أن تكون العقيدة الإسلامية أساس الدستور بحيث لا يجوز أن يُسَنّ في الدستور أية مادة تناقض أو تخالف العقيدة وما استمد منها من أحكام.
2- يجب أن تكون العقيدة الإسلامية أساس القوانين والأنظمة إذ لا يكفي أن يكون الدستور إسلامياً ثم يجري سن قوانين غير إسلامية بل يجب بالاضافة للدستور أن تكون القوانين والأنظمة إسلامية.
3- يجب أن تكون العقيدة الإسلامية أساس العلاقة بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدولة فالدولة الإسلامية دولة تطبق الإسلام في الداخل وتحمله إلى العالم.
4- يجب أن تكون العقيدة الإسلامية أساس المحاسبة بحيث يجب أن تقوم الأمة بعملية المحاسبة على اساس الإسلام فلا يكفي أن يكون الإسلام أساس الدولة وأما الأمة فتتخذ أساساً آخر، ذلك لأن تطبيق الإسلام يكون من قبل الدولة بتنفيذ أحكامه ومن قبل الأمة بمحاسبة الحاكم على تنفيذ أحكامه.
5- يجب أن تكون سلطة الدولة كاملة غير منقوصة مستمدة من المسلمين وهذا يعني عدّة أمور:
- يجب أن تكون سلطة الدولة ضمن ثغورها كاملة فإذ فقدت السيادة أو كانت السيادة منقوصة فلا تعتبر الدولة إسلامية اللهم إلا إذا انسلخ عنها أقليم ما مع بقاء سلطة الدولة كاملة على الأجزاء الباقية. وطبعاً في هذه الحالة ينبغي أن تسعى الدولة لإعادة ذلك الأقليم إلى سلطتها وسيادتها.
- يجب أن تكون حماية الدولة ذاتية مستمدة من المسلمين لا من الكفار، لأن حماية الدولة جزء من مسؤولية الدولة والحماية المستندة الكفار تخالف الإسلام.
6- في كل ما تقدم لا يكفي أن يكون الإسلام أساساً من عدّة أسس واعتبار من عدّة اعتبارات واصلاً من عدّة أصول، فلا يكفي أن يكون الإسلام المصدر الرئيسي للتشريع بل يجب أن يكون الإسلام المصدر الوحيد والأساس الوحيد للتشريع والقوانين والدستور والأنظمة والمحاسبة والعلاقة الخارجية والحماية.
وإذا نظرنا إلى الدول القائمة في العالم الإسلامي نجد أنه لا توجد دولة واحدة تتخذ الإسلام المصدر للدستور والقوانين والأنظمة والحماية. فبعض الكيانات تتبع النظام الجمهوري وهو طراز من الحكم يخالف طراز الإسلام، وبعض الكيانات يتبع النظام الملكي وهو أيضاً طراز من الحكم يخالف طراز الإسلام، ولا يقال هنا بأن المهم تطبيق أحكام الإسلام بغض النظر عن شكل الحكم ولا يقال بأن الإسلام ترك شكل الحكم للأمة، لا يقال هذا ولا ذاك لأن شكل الحكم جزء من أحكام الاسلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم يحكم بما أنزل الله (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ). فهناك ما أنزل الله وهناك الحكم بما أنزل الله وهذان لا ينفصلان عن بعضهما.
وأما العلاقة الخارجية فإن كل هذه الدول أعضاء في هيئة الأمم المتحدة وهي منظمة كفر لا يجوز الاشتراك فيها وهي أداة من أدوات الدول الكبرى لبسط السيطرة والنفوذ كما ظهر في حرب الخليج، وأما تطبيق بعض أحكام الإسلام كالحدود فإن تطبيق الإسلام لا يقتصر على الحدود بل إن الحدود ما هي إلا سياج لحماية نظام ما. ولكن جرت المغالطة وصرُفت الأنظار إلى السياج وجُعلت الأمة تنسى النظام نفسه، بالاضافة إلى أن تطبيق الحدود لا يصح دون تطبيق أحكام الإسلام من اقتصاد واجتماع وتربية. فكيف نقطع يد سارق دون ضمان حاجات الأفراد، وكيف تضمن حاجات الأفراد دون تطبيق النظام الاقتصادي، وكيف يجري حفظ العرض دون تطبيق النظام الاجتماعي، وكيف يجري تطبيق النظامية دون نظام الحكم؟ فالاسلام مجموعة متكاملة لا تنتقص ولا تبتر.
ولا يقال هنا بأن تطبيق الإسلام كاملاً دفعة واحدة أمر مستحيل، لا يقال هذا للأمور التالية:
- أن الجماعة التي تسعى لاقامة دولة الإسلام تحتاج للمرحلية قبل الوصول إلى إقامة سلطة الإسلام لا بد إقامة سلطة الإسلام.
- إذا احتاج الحكام مرحلة انتقالية لتهيئة المجتمع فقد تكون هذه المرحلة شهراً أو شهرين أو بضعة شهور ولكن الواقع أن الحاكم يأتي ويمكث في الحكم سنين بل عقوداً من السنين ويُقذف به خارج الحكم دون انتهاء الفترة الانتقالية التمهيدية المزعومة.
- أثناء المرحلة الانتقالية، على فرض جوازها، لا تكون الدولة إسلامية.
- إن الواقع يدل على أن الحاكم يستطيع الحكم بما يشاء مرّة واحدة فلماذا يظهر العجز حين يصل الأمر إلى تطبيق الاسلام؟
- لماذا يستطيع الحاكم سوق الأمة إلى حروب تمتد سنوات ومنع التجول أسابيع ثم يزعم أنه عاجز عن تطبيق الاسلام؟
من هذا العرض نرى أن هذه الدول كلّها ليست دولاً إسلامية. صحيح أن الناس مسلمون ولكن هذا ليس كافياً لجعل الدولة إسلامية. وصحيح أيضاً أن بعض هذه الدول يطبق بعض أحكام الإسلام ولكن هذا لا يكفي لجعل الدولة إسلامية. وصحيح أن بعض هذه الدول يظهر فيها أن حركة إسلامية في مقوع الحكم كالسودان ولكن هذا لا يجعل الدولة إسلامية. وما الذي يمنع والحالة هذه أن يكون الحاكم متظاهراً بالقرب من هذه الحركة ليستمد تأييداً جماهيرياً، وقد سبق للنميري أن لعب الورقة نفسها مع الحركة ذاتها وكانت الأصوات في ذلك الوقت ترتفع بالشعارات نفسها التي ترتفع الآن ثم حدث ما حدث.
لذلك على الأمة الإسلامية بشكل عام وحملة الدعوة الإسلامية بشكل خاص أن تعضّ بالنواجذ على الكتاب والسنة تقيس بهما كل الأوضاع دون تأثر بالأهواء أو الرغبات أو ضغط الواقع، وعد ئذ فإننا بإذن الله نأمن الزلل والانزلالق وراء هذه الكيانات أما إذا تساهلنا في القياس وفق الكتاب والسنة فإن هذا يعني الهلاك كما أخبر الحديث. وهل من هلاك أكبر من أن نلهث وراء هذه الأنظمة نظن أنها إسلامية فنصرف جهدنا ومالنا بل ودماءنا ثم ندرك بعد حين بأنها ليست إسلامية، ثم تتكرر العملية أكثر من مرّة، قد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرّتين»
مما يشكو الملك فهد؟!
صرّح الملك فهد للعلماء والمشايخ الذين التقاهم قائلاً: «إن المملكة تعيش في أحسن مستوياتها المالية والاقتصادية كما أنها تنعم بالأمن والاستقرار فأوضاعنا الداخلية سليمة وقوية.. إنني أتابع الأمور بحكمة ورؤية وأعمل على معالجتها بالطرق المحببة إلى النفوس وصولاً إلى نتائجها المرضية وأجد ولله الحمد تجاوباً وتفهماً من كل من أتحدث معهم ما دمنا قادرين على سلوك الطريق الهادئة والمتزنة في معالجة بعض التصرفات فلماذا نلجأ إلى غيرها. أما إذا تجاوز الأمر حدّه فلكل حادث حديث».
وذكرت الأنباء أن أئمة المساجد تخوفوا من ضياع القدس من خلال المفاوضات الجارية، وكذلك هاجم خطباء بعض المساجد الزعماء العرب، وتم إيقاف خطيب آخر عن عمله بسبب انتقاده لإحدى الجمعيات النسائية السعودية والمشرفات عليها.