سياسة بناء الدولة صناعيا من وجهة نظر إسلامية

سياسة بناء الدولة صناعيا من وجهة نظر إسلامية

إن موضوع “سياسة بناء الدولة صناعيا”، قد يبدو للبعض منا أنه موضوع إقتصادي بحت لا علاقة له بميادين ومجالات الحياة الأخرى، ولكنه في حقيقة الأمر موضوع سياسي ذو مضمون إقتصادي، لأنه لا يتعلق بالدوافع والنتائج الإقتصادية للتصنيع فقط، وإنما أيضا-إضافة إلى ذلك وقبل ذلك- متعلق بالدوافع والنتائج الفكرية والسياسية له… كما أن هذا الموضوع قد يتصور للبعض منا أننا بتراثنا الفقهي وحده نستطيع أن نعالج مشكلته ، ولكن هذا التصور خاطئ، لأن موضوع الصناعة وسياستها يتطلب اجتهادا جديدا، فلا يكفي الوقوف عند التراث الفكري، بل يجب تنميته بفهم الوقائع والأحداث الجديدة من جهة، وفهم أصول الإسلام لبناء فكر سياسي وإقتصادي تشريعي حي مبني على الإسلام من جهة أخرى؛ فلابدّ من التفكير الأصيل الراقي الذي يمكن من الإجتهاد لحل المشكلات الإقتصادية الحديثة على أساس إسلامي صاف يعود إلى الكتاب والسنة .

منذ الإنقلاب الصناعي في أوروبا، والعالم الإسلامي يتعرض لهجمات ضارية من الغرب، وبسقوط الدولة العثمانية وإلغاء الخلافة سنة 1924م، تمكن الغرب من إخضاع العالم الإسلامي كله لنفوذه، وأبعد الإسلام عن جميع مجالات حياته، وبقي منه العبادات وأحكام أخرى قليلة، لكن المسلمين رغم هزيمتهم، هبت عليهم موجة من التحرر بلغت ذروتها في الخمسينات وأوائل الستينات من القرن 20م الماضي…، إلا أن الغرب نجح في القضاء على هذه الموجة و إجهاضها عن طريق الثورات المزيفة، فتهيأ للمسلمين أنهم تحرروا، وها نحن في أوائل العقد الأول من القرن 21م، نشهد أن العالم الإسلامي يرزح تحت وطأة النفوذ الغربي، بل و أكثر من ذلك فإننا نشهد رجوع الإستعمار العسكري المباشر في أهم معاقل المسلمين: العراق وأفغانستان.

لقد أخضع الغرب العالم الإسلامي كله لنفوذه، وأبعد الإسلام عن حياته، خاصة الإقتصادية منها، بتطبيق النظام الرأسمالي عليه، وبذل قصارى جهده لتحطيم القواعد الإقتصادية له، بما يجعله سوقا لاستقبال منتجاته الصناعية، وبما يجعله ممدا له بالمواد الأولية الزراعية والإستخراجية، أي بما يجعله اقتصادا مرتبطا تماما بإقتصاد الدول الغربية الرأسمالية، فقد شوه الغرب القطاعات الزراعية والتجارية والصناعية وحتى الحرفية للعالم الإسلامي، بشكل جعل هذا الأخير ينتج ما لا يستهلك، ويستهلك ما لا ينتج، ليعزز، أي الغرب، تبعية إقتصاديات العالم الإسلامي له.

ولذلك واجه العالم الإسلامي مشكلة ما سمي آنذاك “الإستقلال الإقتصادي” و”حق تقرير المصير الإقتصادي للشعوب”، مما دل أن خروج الإستعمار العسكري لم يعن على الإطلاق زوال الإستعمار كإستعمار، ذلك أن الإحتلال العسكري شكل من أشكاله، وأن الكثير من أشكاله الأخرى بقيت موجودة، خاصة الأشكال المتعددة للتبعية الإقتصادية، فأسلوب الإستعمار الذي طبقه ليجهض الثورات في العالم الإسلامي هو منح الاستقلال السياسي الشكلي مع الإحتفاظ بالمواقع الإقتصادية في أيديه، يشرف بها على إخضاع خطط التنمية الإقتصادية للعالم الإسلامي لمصالحه ويوجهها في اتجاه تحقيق اهدافه الإستعمارية.

ورغم أن العالم الإسلامي منذ النصف الثاني من القرن الماضي، قد أخذ، في إطار ما سمي بالعالم الثالث وحركة عدم الإنحياز وهيئة الأمم المتحدة، محاولا تحويل معركة الإستقلال السياسي إلى معركة الإستقلال الإقتصادي- فإنه لم ينجح لحد الساعة- بل أننا رأيناه ونراه رغم تركيزه على القطاع الصناعي منذ بدايات الإستقلال السياسي، فإن بلدانه لم تتحول إلى بلدان صناعية متقدمة ولا حتى استطاعت صيانة وتطوير ما كَوَّنَتهُ من صناعات، بل أنها زادت من تبعيتها للغرب باعتمادها على إستيراد المصانع وقطع الغيار، بحيث أصبحت مصانعها رهن العلاقات السياسية معه.

والآن وأمام ما وصل إليه العالم الإسلامي، وما ينتظره من إنهيار ليس في الجانب الإقتصادي لشعوبه، بل بتهديد مقومات وجوده، نجد أنفسنا خاصة أمام عجز السياسيين والإقتصاديين الذين يملكون زمام الأمور السياسية والإقتصادية للعالم الإسلامي على تحقيق التحرر من التبعية والخروج من التخلف، حتى أصبح مجرد تصور الفكاك من التبعية أمر مستحيل، وبات أمر تصنيع العالم الإسلامي خرافة أوأضغاث أحلام ما دام يسير على المنهج الذي رسمته له الدول الغربية الرأسمالية ،…، قلت نجد أنفسنا مدفوعين إلى طرح بعض التساؤلات الأساسية التالية:

– كيف تتقدم الدولة صناعيا ؟ وكيف تتجنب الأساليب الخبيثة التي تحيكها الدول الغربية الرأسمالية لتحول دون أن تتمكن الدول الأخرى من بناء نفسها صناعيا ؟ وهل يمكن الإعتماد والاستناد على مثل هذه الدول (دول العالم الإسلامي) في تحقيق التحرر عن طريق التصنيع بعد كل ما حاولته لتحقيق ذلك، أم أن الأمر يحتاج إلى تغيير جذري ؟ … إلخ.

إن الجواب على هذه التساؤلات وغيرها مما يتعلق بها هو أن تقوم “السياسة الصناعية على جعل البلاد من البلدان الصناعية ويسلك إلى ذلك طريق واحد هو إيجاد صناعة الآلات أولا، ومنها توجد باقي الصناعات”، أي أن يباشر أولا وقبل كل شيء بإيجاد المصانع التي تصنع الآلات من محركات(موتورات) وخلافها، ثم بعد توفر الآلات من صناعة البلاد تؤخذ هذه الآلات وتصنع باقي المصانع.

ولا توجد طريقة أخرى لجعل البلاد بلادا صناعية إلا بالبدء بصناعة الآلات أولاً وقبل كل شيء، ثم عدم القيام بإيجاد أي مصنع إلا من الآلات المصنوعة في البلاد. فالحقيقة أنه لا علاج للدولة المتخلفة صناعيا إلا بالثورة الصناعية، والثورة الصناعية هي تسلم زمام رأس الصناعة ومنبعها وهي صناعة الآلات بعملية انقلابية في الصناعة وعدم التلهي بأي صناعة قبل تسلم زمام رأس الصناعة، وجعل الجهود الإقتصادية كلها موجهة لإيجاد صناعة الآلات ولا يقام بأي شيء سوى الضروريات وسوى ما لابد منه لإيجاد صناعة الآلات.

على أن الواقع يثبت ذلك:

1/ فإن أوروبا حين حصلت فيها الثورة الصناعية إنما حصلت حين وجدت فيها صناعة الآلات.

2/ أن الولايات المتحدة الأمريكية كذلك كانت مستعمرة لعدة دول لكنها تقدمت ماديا حين حصلت فيها الثورة الصناعية بصناعة الآلات.

3/ وأن روسيا كذلك لم تصبح دولة ذات قيمة إلا بعد أن حصلت فيها الثورة الصناعية بصناعة الآلات.

4/ أن الدولة التي لا تكون فيها صناعة الآلات فإن مصانعها الأخرى تكون مربوطة تبعيا للدولة التي تملك الآلة وقطع الغيار؛ فإن توقف آلة لعطل يصيبها يؤدي إلى تعطيل المصنع إن لم تتوفر الآلة أو قطع الغيار اللازمة، كذلك فإن معدات الدولة العسكرية تفقد قيمتها إن لم تتمكن الدولة من استيراد قطع الغيار اللازمة لصناعتها، وهذا ما يجعل سيادة الدولة وأمنها وأمن رعيتها مقيدة، ويبرز أكثر ما يبرز هذا الأمر فيما إذا حصلت حالة عداء بين الدولة صاحبة السلاح أو صاحبة الآلات وبين الدولة المستوردة لهذا السلاح وهذه الآلات، وقد تحدث حالة حصار لهذه الدولة فتصبح صناعتها بمجملها الحربية والمدنية شبه متوقفة، إذا لم تكن هذه الدولة قادرة على صناعة الآلات فتعالج ذاتيا الآلة المعطلة أو قطعة الغيار اللازمة.

وعليه فمن كان يريد أن يبني صناعة ويتقدم صناعيا فلن يتأتى له ذلك إن لم يبدأ بثورة صناعية بالمبادرة إلى إقامة صناعة الآلات رأسا وبدون تدرج بل بشكل انقلابي حتى يكون العمل ثورة صناعية صحيحة.

هذا بالنسبة لأية دولة وأية أمة، أما بالنسبة للأمة الإسلامية وللدولة التي تحكم بما أنزل الله، فإن الأمر أوجب والشأن أعظم، لأن إيجاد مصانع الآلات واجب شرعي أي فرض على المسلمين، فرض على الدولة وعلى الأمة، والفرض ينفذ حتما وبلا خيار وإلا كانت عليه عقوبة، أما لماذا هو فرض فلما يلي:

1/- إن عدم وجود مصانع الآلات يجعل جميع المصانع في بلادنا عالة على الدول الأخرى الغربية في صناعة الآلات الثقيلة، فإذا تعطلت آلة أو لزمت قطعة غيار تعطل المصنع وتوقف عمله على تزويدنا بذلك من الدول الغربية المستعمرة الكافرة، وفي هذا ضرر بالمسلمين.

ثم أن عدم وجود مصانع الآلات لدى المسلمين يجعل البلاد الإسلامية معتمدة في صناعتها الحربية كذلك على الدول الأخرى الكافرة، وفي هذا ضرر أفظع من الأول، وكلاهما يجعل سبيلا للكافرين على المسلمين، والله يحرم هذا “ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا”.

2/- إن الجهاد ذروة سنام الإسلام وهو طريقة رئيسية لنشر الإسلام في الخارج،والجهاد قائم على الصناعة الحربية، فإن كانت تعتمد على الدول الكافرة يكون قد تعطل المعنى المقصود من الجهاد، فحتى يتم الجهاد على وجهه لابد من أن تتوفر الصناعة الثقيلة لإنتاج الآلات اللازمة للجهاد. هذه واحدة، أما الثانية فإن الإعداد للقتال فرض على المسلمين، والإعداد المطلوب هو ما كان فيه إرهاب للعدو، وهذا يحتاج صناعة أسلحة لم يعهدها العدو في القوة والعظمة، وإن لم يكن هناك صناعة ثقيلة وصناعة آلات فلا يمكن تحقيق الإرهاب “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ” وحيث أن القاعدة الشرعية تنص على أن “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب” تكون الصناعة الثقيلة وإيجاد صناعة الآلات واجبة.

ولذلك فإن إيجاد المصانع الثقيلة ومصانع الآلات فرض على المسلمين وليس على بيت المال
(خزينة الدولة) فقـط، لهـذا إن لم يكف ما في بيت المال لإيجاد المصانع الثقيلة فإن الدولة تفرض على أغنياء المسلمين ضرائب تقدرها لإقامة المصانع الثقيلة في البلاد.
هذا فضلا على أنه من الناحية التجارية يعتبر التعجيل بإيجاد مصانع الآلات أمرا ضروريا، لأن البلاد الإسلامية كلها تكاد تكون خالية من مصانع الآلات، وهي تستورد ما تحتاجه من الآلات والمصانع من أوروبا وروسيا و و.م.أ، فإيجاد صناعة الآلات في بلادنا يكسب أسواق هذه البلدان التي لن يكون لنا مزاحم فيها إذا ما وجدت عندنا صناعة الآلات.

وأيضا فإن شراء المصانع والآلات من الخارج يكلفنا ثمنا غاليا، وهي تباع لنا بأسعار عالية، ولكن إذا أوجدنا نحن مصانع الآلات خاصة والبترول متوفر في بلادنا فنحصل على المصانع والآلات بأرخص مما نشتريها من أوربا وأمريكا.

ولكننا ننادي بضرورة صناعة الآلات لا لهذه الأسباب، وإنما لتحقيق سياسة معينة إقتصادية هي جعل بلادنا بلادا صناعية سواءا أنتج هذا ربحا أم خسارة، وسواء وجدت لها أسواق في الخارج أم لم توجد، لأن هذا فرض ومن أجله فحسب لابد من البدء في إيجاد صناعة الآلات، وأن يكون هذا البدء ثورة صناعية وبشكل انقلابي.

إن بلادنا مليئة بكل ما يلزم للثورة الصناعية، فالمواد الخام متوفرة بشكل يكفي لإيجاد هذه الصناعة الثقيلة وقيادة العالم لإسعاد شعوبه لا لامتصاص ثرواتهم ودمائهم كما تفعل الدول الغربية الرأسمالية حاليا.

إن الغرب يدرك أن تقدم الدولة الصناعي لا يتم بدون البدء بصناعة الآلات، وطبقا لوجهة نظره الرأسمالية الاستعمارية، فإنه يرسم الخطط لتبقى الدول الأخرى تابعة صناعيا له وسوقا لتصريف صناعاته ومنطقة نفوذ وهيمنة له. ومن الأساليب الخبيثة التي يصنعها لبلادنا كي تبقى متخلفة صناعيا ولا تتمكن من أن تبني نفسها صناعيا، ما يلي:

1/- دراسات وأبحاث لإيجاد قناعات لأصحاب القرار في بلادنا ومثقفيهم بأن الصناعة تحتاج إلى مراحل حتى تكتمل، فقد نشر البروفيسور الأمريكي “روستو” في كتابه “مراحل التنمية الاقتصادية” سنة 1960م، ما يوحي بأن المجتمع لابد أن يمر بمرحلة المجتمع التقليدي، ثم مرحلة الإنطلاق، ثم مرحلة النضج ثم مرحلة الإستهلاك الشعبي العالي، قبل أن يصل إلى مرحلة التصنيع الثقيل، وكل مرحلة من هذه المراحل وضع لها شروطا تحتاج إلى زمن طويل لتكتمل مما يجعل أية دولة تريد أن تبدأ التصنيع الثقيل، يجعلها تسير عقودا قبل أن تصل إلى مرحلة التصنيع الثقيل، والهدف من هذا الكتاب وأمثاله، الحيلولة دون الثورة الصناعية، فإن من يقتنع به يعتقد أنه لابد من المرور بمراحل طويلة، وهذا يعني صرف الناس عن الثورة الصناعية. وهذه الدراسات وأمثالها تريد أن تبقي العالم أسواقا للغرب تستهلك ما ينتجه وتحقق مصالحه.

2/- عدم السماح بنقل التكنولوجيا إلا فيما يمكن البلاد من توريد منتجاتهم واستعمالها، فمثلا البلاد التي لا توجد فيه الكهرباء لا يمكن أن تباع فيه الثلاجات الكهربائية أو الكمبيوترات، حتى ولو كان فيها من يستطيع شراء الثلاجة والكمبيوتر، لذلك لابد من تعميم الكهرباء في هذه البلاد ولو بقروض من الدول الغربية، ولابد والحالة هذه من إيجاد المهندسين والفنيين القادرين على تشغيل واستخدام الأجهزة الصناعية التي تنتجها الدول الغربية، ولذلك فهم لا يمانعون في مثل هذا التعاون العلمي ونقل الخبرة التكنولوجية في مثل هذه المجالات، ولكن ليس لجعل البلدان المتخلفة تستوعب التكنولوجيا إلى حد يمكنها من إقامة الصناعات الثقيلة.

ولذلك يجب ملاحظة الفرق بين إستخدام التكنولوجيا وامتلاك التكنولوجيا أو تصنيعها، أما إستخدام التكنولوجيا فهو أمر يحاول الغرب تعليم البلاد المتخلفة كيفيته، حتى يتمكن من بيع منتجاته لها لفرض سيطرته على تلك البلاد، أما إمتلاك التكنولوجيا وتصنيعها، لا مجرد استخدامها، فهو المطلوب لأن جيشا مثلا يستطيع قيادة الطائرات والدبابات ولا يقدر على صناعتها سيظل ضعيفا مهزوما، فتعليم البلاد إستخدامات التكنولوجيا بمعزل عن محاولة امتلاكها، أي تصنيعها، إنما هو خطة إستعمارية لتجهيل الناس ولصرفهم عن صناعة التكنولوجيا ولإستغلال خيراتهم وثرواتهم.

3/- إشغال البلاد في أنواع من الصناعات تستنفذ طاقاتهم وتهدر وقتهم وتوجد عندهم نوعا من الترف يبعدهم عن الجد والإجتهاد في إيجاد الصناعات الثقيلة أو حتى الوسيطة، وهذا واضح من هيكل الصناعات في بلادنا الذي يتصف بغلبة الصناعات الإستهلاكية بنسبة كبيرة جدا (أكثر من 60%) تتمثل في صناعة المواد الغذائية والملابس والمنتجات الجلدية وملحقاتها… إلخ. أما الصناعات الوسيطة (كتكرير البترول…إلخ) والصناعات الإستثمارية (تتمثل أساسا في صناعة الحديد والصلب والألمنيوم…) فإنها في معظمها صناعات تحويلية.

4/- إيجاد نمط جديد للتصنيع في البلاد وهو ما يسمى بالصناعة العابرة التي تتخذ من بلادنا محطة إنتاج فحسب، تستفيد إن صح التعبير من المزايا النسبية للبلد المعني و خاصة من خاماته أو طاقاته أو موقعه، لإنتاج منتجات معدة للتصدير للأسواق العالمية، وفي هذه الصناعة العابرة تستورد أغلب عناصرها لتعيد تصديرها، وإن يكن ذلك بعد إدخال قدر من التصنيع عليها، ويكون المقصود منها حصول الدول الأوروبية وأمريكا على المنتوج الذي تريده بسعر رخيص.

هذه بعض الخطط والدراسات والمشاريع التي يرسمها الغرب لبلادنا حتى لا تصبح دولا متقدمة صناعيا، بعد أن تصرفها عن الصناعة الثقيلة، والتي تشمل صناعة الآلات من الحديد والصلب، والمحركات وهياكل الطائرات، والصناعات الإلكترونية والصناعات النووية بـما في ذلك صناعة الأسلحة وصناعة الفضاء وأمثالها.

ومن الجدير ذكره، أن هناك أمرين يجب أن يلازما الثورة الصناعية في بلادنا:
الأول: أن التصنيع الحقيقي معناه الثورة على النفوذ الأجنبي، فهو لذلك أمر سياسي لا يمكن أن يقام به إلا على أساس فكري عقائدي تتبناه قيادة سياسية واعية، وهو هنا الإسلام الذي يجب أن تقوم القيادة السياسية بالتكتل حوله وإنهاض الأمة على أساسه فتوحد بلاد المسلمين في دولة واحدة حتى يتوفر في هذه الدولة الواحدة القوى البشرية اللازمة والمواد الأولية وكذلك مصادر الطاقة. وعليه فإن الوحدة بين بلاد المسلمين فوق كونها فرضا محتما، فهي كذلك من ضرورات التصنيع.

الثاني: أن الصناعة يجب أن تقوم على أساس عسكري حربي، فتكون الصناعة العسكرية الحربية هي الهدف الأساس من التصنيع الثقيل فضلا عن القطاعات الصناعية الأخرى، وبدون الصناعة العسكرية الحربية تكون الدولة حتى وإن تقدمت في القطاعات الصناعية الأخرى غير مؤثرة في المجال الدولي والسياسة العالمية، كما هو الحال مع ألمانيا واليابان بعد تقييد صناعتها الحربية بعد ح.عII.أما في الإسلام فإن التصنيع الثقيل لاينفك عن الصناعة العسكرية الحربية فهي أساس، لأن هذا من متطلبات الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، ولذلك فإن دائرة الصناعة في نظام الحكم في الإسلام تكون تابعة لأمير الجهاد.

إن إقامة الصناعات الثقيلة أمر أساسي لتحويل أي بلد من حالة الإعتماد على الدول الصناعية الأخرى إلى حالة التصنيع الذي يمكنه من تأمين حاجاته ويجعله بلدا مصدرا للمنتوجات الصناعية لا سوقا لغيره، وهذا الأمر شاق وطريقه محفوف بالمخاطر والمشاكل. فهذه الصناعات حلقات مترابطة ولا يمكن فصلها عن بعضها البعض، فهي تحتاج إلى جهود جبارة وقوى بشرية مدربة على نطاق واسع كما تحتاج إلى المواد الأولية، غير أن أهم ما في الأمر أن هذا التصنيع هو بحد ذاته ثورة على النفوذ الأجنبي وتحد له، وهو يخالف كل نظريات التنمية التي يعدها الغرب للدول المتخلفة.

وحيث أن التصنيع الحقيقي معناه الثورة على النفوذ الأجنبي فهو لذلك أمر سياسي لا يمكن القيام به إلا على أساس العقيدة الإسلامية تتبناه قيادة سياسية واعية قادرة على كسب ثقة جمهور الناس بالفكر الذي تريد حتى تستطيع أن توجه طاقاتهم لتحقيق الأهداف الصعبة كالتصنيع.

والقاعدة الذهبية التي يجب العض عليها بالنواجذ هي “الإعتماد على النفس مهما كانت الصعاب”، ورغم أنه لا يمكن أن نستغني عن المعرفة والإنجازات العلمية الأجنبية، إلا أنه يجب إقامة أسوار عالية لمنع النفوذ الأجنبي من إيجاد طريقه إلى هذه العملية، وذلك يستلزم فيما يستلزم إبعاد الشركات الأجنبية والأجانب، والمتأثرين بالفكر الغربي عموما والفكر التنموي الغربي خصوصا، لأن ذلك من وسائل تسريب النفوذ الأجنبي إلى البلاد، فإقامة الصناعات يتم عن طريق أبناء البلاد المخلصين للأمة وللإسلام فقط.

وقد يتهيأ للبعض استحالة القيام بهذه المهمة إذا ما اعتمدنا قاعدة “الإعتماد على النفس”، وهذا ما يروج له الغرب والمضبوعون بثقافته، لكننا نقول أن ذلك ممكن، فقد قامت روسيا في مطلع القرن 20 م من تحويل بلادها من بلاد زراعية متخلفة إلى بلاد صناعية تقف في مقدمة الدول الصناعية الراقية إعتمادا على نفسها، وقد إشتهر عن “لينين” قوله حين طلب منه شراء جرارات:”لن نستعمل التراكتورات حتى ننتجها نحن وحينئذ نستعملها”.

أيها الإخوة الحضور:
لقد كان المسلمون يخططون وينفذون لتكون صناعتهم في المقدمة،تتبعها الدول الأخرى لا أن تتبع هي وتقيد بصناعات الدول الأخرى، وبقي هذا حال المسلمين حتى ضعف الإسلام في النفوس، وتجاهل وجهل قادتهم أهمية الإنقلاب الصناعي في أوروبا في وقته، وتآمر عليهم الغرب وقضى على خلافتهم بعد ح.ع.I .

وبعدها أصبحت الدول الغربية ترسم لنا أساليب خبيثة تحول بيننا وبين أن نصبح بلدا صناعيا لتبقى لهم في بلادنا الهيمنة والنفوذ، وقد تمكنوا من ذلك خاصة مع وجود حكام للبلاد الإسلامية قانعين بالتبعية لدول الغرب في السياسة والتشريع والإقتصاد والتصنيع وسائر الأمور، ولكن ليس معنى ذلك أننا ننتظر حتى إقامة دولة تطبق الإسلام حتى نقوم بالثورة الصناعية، بل لابد من العمل من الآن ودون تأخير من أجل إدخال التصنيع الثقيل خاصة صناعة الآلات إلى البلاد الإسلامية.

ولهذا فهذه دعوة موجهة لكل مخلص غيور على أمته قادر على المساهمة في تصنيع هذه الأمة لتلحق بالدول المتقدمة عليها صناعيا، دعوة لكل هؤلاء وغيرهم ممن لهم علاقة، حكاما ومحكومين، دعوة لكل من أعطاه الله قدرة علمية، أو قدرة مالية، أو قدرة تكنولوجية، أو قدرة توجيهية يمكن أن تفيد في أي حقل من حقول الصناعة التي تحتاج إليها البلاد الإسلامية، دعوة لكل هؤلاء للعمل لا أقول بسرعة بل بأقصى سرعة لوضع البلاد على طريق التصنيع.

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة