المرأة والتعليم في ظل الخلافة العثمانية
(مترجم)
كان تطبيق سياسات التحديث، بعد هدم الخلافة العثمانية، بشكل خاص يعتمد على أساس تحرير المرأة من براثن (التخلّف والرّجعية). وكان التعليم العلماني ونظامه التعليمي، الذي كان يُنظر إليه بأنه حديث ومعاصر، هو العامل الأساسي في بناء الأمم الحديثة ويتطلب إلغاء وتشويه الصورة الإيجابية لنمط الحياة الإسلامي السابق. وادّعت الدّول الديمقراطية العلمانية الجديدة في العالم الإسلامي مكافحة تجهيل المرأة من خلال تشويه سمعة مستوى المرأة التعليمي في الإسلام وخصوصًا تحت ظل الخلافة ووصفها، في ظل هذا النظام الإسلامي بالتالي: “أمهات جاهلات، شريك سطحي ومخدوع، اتّحاد زواج غير مستقر، عضو كسول وغير فعّال وغير منتج في المجتمع”، وبالرّغم من أنه خلال القرون الأولى من الخلافة العثمانية لم تكن النساء يتعلمن ضمن نظام مدرسي مُمنهج ومبني من قبل الدولة – الذي لم يكن أيضًا موجوداً للرجال – إلاّ أنّهن لم يُسلبن أو يُحرمن من الحصول على العلوم والمعارف أو متابعة التعليم أو من الحصول على المهارات الطبية أو من التفوق في مجالات تعليمية أخرى، على النقيض من ذلك، فإن البحث والسّعي وراء المعارف والثقافة والعلوم الإسلامية والعلمية – من الرجال والنساء على حد سواء – أمر يُثابون عليه بشكل كبير.
في ظلّ الخلافة العثمانية كان التعليم والتدريب للأطفال، بشكل أساسي، مُلقى على عاتق كبار السّن أو الآباء في العائلة. كان هيكل العائلة في ظل الخلافة العثمانية مبنيًا على القيم الإسلامية وغالبًا ما كان يعيش ثلاثة أجيال من العائلة مع بعضهم بعضاً. وفي مثل هذه الهيكلية كانت المعرفة والتعليم تنتقل في هذه الوحدة العائلية من الكبار إلى الصغار. ومن هنا، كان تعليم المرأة القراءة والكتابة والقرآن الكريم والمعارف الإسلامية الأساسية بالإضافة إلى الحِرَف وإدارة المنزل والآداب والسلوك تُوفر لها في البيت، وأيضًا فإن أية مهارات أخرى أو تدريبية احترافية تُعطى لهُنّ في المنزل.
لطالما نظر الإسلام إلى تعليم الإناث نظرة أهمية كُبرى. فقد كانت أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وصحابيات الرسول ﷺ على سبيل المثال يُمثلن قدوة يُحتذى بها في جميع نواحي الحياة، السياسية والفقهية والطبية والأدب والشعر. بالإضافة لهذا فإن الإسلام قد أعطى المرأة الحق في العمل في مختلف المجالات بما فيها الطب. دعوى مرفوعة للخلافة العثمانية. المثال القادم يُوضّح وجود الطبيبات الإناث في ظل الخلافة العثمانية.
“في القرن الخامس عشر وصفت مخطوطة تركية خاصة بالجراحة تسمى تيشراهيتول هانية من سابونستش أوغلو، وصفت طبيبات إناث أجرين عمليات جراحية نسائية معقدة. كنّ يُسمين بالطبيبات.
وأشارت ملفات الأجور من سنة 1798 – 1799 لمستشفى الحريم في قصر توبكابي يسمى “كاريلير هاستانيسي، أشارت إلى توظيف طاقم صحي من الإناث مشابه لمستشفيات اليوم. وعالجت فيه طبيبة تدعى مريم كادين عائلة عبد الحميد في بداية القرن التاسع عشر. وكانت تتقاضى معاشًا شهريًا وتصريحاً مفتوحاً للدخول إلى الحريم.
الصيدلية الملكية في قصر يلديز وظّفت طبيبة أنثى تسمى الطبيبة جولبيياز هاتون وكان معاشها يبلغ 200 akces عام 1872م. كما وكانت هناك أيضا الطبيبة مورتي في مكتب الحجر الصحي. وقامت السيدة مونتاغو، زوجة السفير البريطاني عند الخلافة العثمانية، بذكر وجود طبيبات داخل الدولة يقمن بالتطعيم ضد الجدري وذلك في رسائلها عام 1717م. وكانت مجهزات الأدوية، ويسمين “حكيم كادين” يُدعون إلى القصر ويُعطين المعاشات وهدايا عيد الفطر وعيد الأضحى. وكانت تسمى الطبيبة التي تعالج الانتفاخ والإسهال عند الأطفال بـ “كرباشي كادينلار”، وعالجت الأزبتشي كادينلار، مرضاً يسمى “الأز” (التهاب جلدي).
وأثبتت وثائق قانونية تعود لعام 1622م أن طبيبتين كانتا تُجريان عمليات جراحية للرجال إحداهن كانت تُدعى – صالحة هاتون – والتي أجرت عمليات استئصال الأورام والفتاق على 21 رجلاً.
بالإضافة لهذا، من المعروف جيدًا أن العثمانيات لم يكنّ أميّات أو غير متعلمات كما يُدّعى دائمًا. العديد من النساء كُنّ يمتلكن في بيوتهن مكتبات خاصة. والكتاب الذي حاز على المكان الأول في بيوتهن كان القرآن الكريم. كما واحتوت مكتباتهن على كتب في السير للشخصيات الإسلامية البارزة والأدعية المأثورة والقصائد التي تتحدث عن النبي ﷺ، وكُتب التاريخ والأدب.
وكانت النساء اللواتي يعشن ويعملن في قصور الخلفاء يستطعن الحصول على مستوى عالٍ من التعليم. حريم قصر توبكوبي على سبيل المثال احتوت على مدرسة النُخبة للبنات والتي عُرفت داخل وخارج الدولة بالمستوى التعليمي العالي الذي قدمته للطالبات. بالإضافة لذلك كان بالمحيط القريب من القصر، حيث سكنت النساء اللواتي غادرن الحريم بعد الزواج، كان الناس يستطيعون الانتفاع من المعرفة والأخلاق وطريقة حياة النساء اللواتي اكتسبن الدرجة العالية من التعليم داخل القصر. وأيضًا فإن النّاس خارج القصور قدّموا لبناتهم التعليم في الأدب والرياضيات والتاريخ وحتى اللّغات الأجنبية مثل الإنجليزية والفرنسية والفارسية من خلال توظيف مدرسين خاصّين داخل بيوتهم بحسب قدراتهم المادّية.
وحقيقة أن التعليم لم يكن حكرًا على نساء القصور، يُثبت من خلال مذكّرات آخر معلمة في القصر صفيّة أونيوفر عن الوقت الذي أمضته في الحريم. صفية أونيوفر لم تتلق تعليمها داخل القصر، وكان السلطان رشاد قد عيّنها عام 1915م كمعلمة للبنات والنساء في الحريم. وقد علمتهن القرآن الكريم والعلوم الإسلامية والقراءة والكتابة والحساب والهندسة واللياقة البدنية. كما وكتبت أونيوفر في مذكراتها أن جميع نساء الحريم كان لديهن مكتباتهن الخاصة في بيوتهن وكن يناقشن مع بعضهن الكتب التي كنّ يقرأنها، وكن مهتمات بالتاريخ بشكل كبير. إن مستوى التعليم الذي تلقته النساء في الحريم يمكن أن نفهمه بمثال ابنة السلطان محمود الثاني، عديلة سلطان (1826- 1899) حيث كانت مشهورة بشاعرة الديوان وبالإحسان. كما اشتهرت بقصائدها الرائعة ورسائلها الملحمية التي كتبتها باللّغة التركية العثمانية البليغة، وهي لغة تعلمتها فقط بعد دخولها إلى القصر.
وبالرغم من الهبوط الفكري المتزايد والاضطرابات السياسية في آخر 101 – 150 سنة من عمر الخلافة العثمانية، إلاّ أنه لم يتوقف بناء المؤسسات التعليمية من قبل الحكومة. وعلى وجه الخصوص قام السلطان محمود الثاني وعبد الحميد الأول بكل ما يستطيعونه من أجل إقامة نظام تعليمي مرموق للأمّة الإسلامية.
قام السلطان محمود الثاني عام 1830م بتأسيس نظام تعليمي إلزامي للبنات والبنين ابتداءً من جيل الخامسة إلى عمر البلوغ. وقام أيضًا بمنع توظيف الأطفال أو انضمامهم إلى المهن قبل إنهائهم للمدرسة. كان المدرسون لهذه الصفوف عادةً ما يكونون أئمة المساجد في الأحياء السكنية أو نساء متعلمات.
ولكن لم يكن ممكنًا المحافظة على هذه القوانين بسبب التطورات السياسية، لذا حاول الخليفة عبد الحميد عام 1845م مرةً أخرى تنظيم التعليم في المدارس الابتدائية والثانوية في كافة أنحاء الدولة، وكان يتم مراقبة المدرسين جيدًا، ثمّ توسيع المنهاج الدراسي ومراقبة الحضور.
القرآن الكريم كان يُدرّس في المرحلة الابتدائية بالإضافة إلى الكتابة واللّغة التركية والعقيدة الإسلامية الأساسية والأخلاق والهندسة والحساب والتاريخ وحفظ القرآن الكريم غيبًا، بالإضافة إلى المواضيع الأخرى. وخلال هذه الدروس جلس البنات والبنين في طابور منفصل داخل الصفّ الدراسي. وكان شاهزاد محمد ابن السلطان عبد الحميد الأول قد افتتح مدرسةً في منطقة إيمرجان في اسطنبول عام 1778م.
هذه المدرسة قدّمت التعليم بعد المدرسة الابتدائية للبنات والبنين وسُمّيت على اسم والدته هوماشاه هاتون.
وفي عام 1783م قدّمت مدرسة للبنات فقط التعليم الثانوي في كومبكابي حيث قامت ثلاث معلمات، عائشة ونفيسة وهاديسي بالإشراف على تعليم البنات. وبعدها في عام 1807م أُسّست مدرسة طاهر هاتون الثانوية للبنات في منطقة سيركشي في اسطنبول.
بالإضافة إلى مدرستين أخريين ثانويتين في أوسكودار / اسطنبول عام 1807 و1811، ومدرسة ثانوية في سيفيك نيهال أوسطا عام 1842. وهذه المدرسة الأخيرة أسّسها رئيس صندوق فاليدا سلطان (والدة الخليفة). وهذه أمثلة قليلة توضّح وجود المدارس في الخلافة العثمانية حين تلقّت البنات فقط، والبنات والبنين مع بعضهم بعضاً التعليم.
هذه المدارس الثانوية للبنات حوت مناهج دراسية واسعة شملت دراسة القرآن الكريم وترتيله والدراسات الإسلامية والأدب وقواعد العثمانية والعربية والفارسية والصحة والهندسة والحساب وفن الخطوط والتاريخ والحرف ومعلومات عامّة حول الحياة. وكانت الإدارة المنزلية موضعًا مهمًا يتم تدريسه في هذه المدارس. وقدّمت المدرسة معلومات تفصيلية وشاملة حول مواضيع واسعة ومتعددة من أجل تجهيز البنات لحمل مسؤولياتهن الإسلامية بعد الزواج. ويشمل هذا كل شيء من الطبخ إلى العلاج في البيت إلى الخياطة والحسابات المنزلية، وفنّ الضيافة ومعالجة الأمراض البسيطة. وأيضًا التغذية الصحية المناسبة للعناية بالأطفال وكبار السّن.
وسواء أكان التعليم في المدارس أو في البيت، كانت العثمانيات جاهزات جيدًا لتحمّل المسؤولية في البيت. وكنّ يمتلكن المعارف والخبرة اللازمة للعب أدوارهن كزوجات.
وفي عام 1842م تمّ افتتاح أول دورة حكومية لتخريج القابلات في تيبهاني – أ. أميري وأول خرّيجاته كنّ 10 مسلمات و26 من غير المسلمات. وبعدها بأعوام، عام 1858م تم افتتاح أول مدرسة رشدية ثانوية للبنات وخصوصًا كالفا إناس روشيديسي ووفّرت التعليم الديني الأساسي، وفي هذه المدارس عملت النساء، مسلمات وغير مسلمات، كمعلمات، وخصوصًا دروس الخياطة. ومنذ عام 1871 أشرفت النساء في بعض المدارس على الإدارة. ومع مرور الوقت تطلب وجود المدارس الثانوية للبنات إنشاء مدارس تدريب معلمات للإناث حيث تستطيع خرّيجاتها العمل كمعلمات في الرشديّات. وبناءً على ذلك تمّ افتتاح دار المعلمات عام 1870. وفي نفس العام تمّ إنشاء مدرسة أخرى للبنات. مدرسة الفنون والحرف (سانايي مكتبليري). ومن خلال توفير الدورات الحرفية مثل الخياطة والطبخ والتطريز ونسج السجّاد، جهزت هذه المدرسة الإناث الدخول إلى سوق العمل إذا ما رغبن في ذلك.
وتمّ توظيف الخرّيجات في مجالات حكومية مختلفة من أجل خدمة الناس بالمهارات التي اكتسبنها، مثل العمل كمترجمات للغات أجنبية متعددة. وأظهرت السجلات أن النساء كنّ يتلقين منحًا خلال تعليمهن.
إن دولة الخلافة وقادتها الذين حكموا بالإسلام رأوا أنه من واجبهم توفير احتياجات الأمة بالإضافة لهذا، لا يوجد أي دليل على معاملة النساء كرعايا من الدرجة الثانية، أو سلبهنّ حقّهن في التعليم أو العمل أو في توظيف مهاراتهن لخدمة الناس. على العكس من ذلك، كان التشجيع والمساعدة من قبل الدولة يُعطى لهنّ للسير في طريق العلم واكتساب مهارات متعددة في ظلّ الدولة التي تطبّق أحكام الله عزّ وجل.
قال رسول الله ﷺ: «من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار»
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
زهرة مالك