التميز التعليمي وحقوق المرأة في ظل الخلافة على منهاج النبوة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

التميز التعليمي وحقوق المرأة في ظل الخلافة على منهاج النبوة

 

(مترجم)

 

على مدى عقود، نسج العلمانيون شبكة من الأكاذيب حول موضوع حقوق التعليم ووضع الفتيات والنساء تحت الحكم الإسلامي. واستخدم الباحثون مخادعة النسبة العالية للأمية وقلة فرص الحصول على التعليم في ظل الأنظمة العلمانية أو شبه الإسلامية في العالم الإسلامي على مدى العقود القليلة الماضية لاتهام الإسلام بحرمان النساء من التعليم الجيد. وكان هدفهم هو نشر الخوف من عودة الحكم الإسلامي تحت ظل دولة الخلافة على منهاج النبوة. ومع ذلك، فإن الحقيقة عن الوضع التعليمي للمرأة تحت حكم هذا النظام الإسلامي المجيد بعيدة كل البعد عن الاتهامات والأكاذيب العلمانية الزائفة.

 

في الواقع، جلب ظهور الإسلام وجهة نظر متميزة للعالم نحو السعي للمعرفة والتعليم. فالتعلم والتعليم يتشابكان بشكل وثيق مع الدين وينظر إليهما على أنهما تقرب إلى الله، وبالتالي وسيلة للحصول على أجر كبير في الآخرة. قال النبي ﷺ: «وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ» (رواه مسلم)

 

لذا جعل الإسلام اكتساب المعرفة في منزلة عالية، تصنف على أنها عمل من أعمال العبادة، وجعلها مقياسا لتحديد رتبة الأفراد، وبالتالي رفع مكانة العلماء. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَرْفَعُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلعِلمَ دَرَجَـٰتٍ﴾ [المجادلة: 11]، ويقول النبي ﷺ: «وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» (رواه قيس بن كثير)

 

دين الإسلام أوجب السعي لطلب العلم الشرعي على الرجال والنساء على حد سواء كما يقول النبي ﷺ: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» (رواه ابن ماجه)

 

بالإضافة إلى ذلك، شجع الإسلام الرجال والنساء على دراسة العالم من حولهم لكسب المزيد من التقدير لخالقهم، وكذلك للاستغلال الفعال لجميع ما خلق الله سبحانه وتعالى وسخر لخدمة الإنسان في هذه الدنيا، من أجل تحقيق المنفعة للبشرية في كافة المجالات – بما في ذلك العلوم والطب والصناعة والتكنولوجيا. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 146]، ويقول سبحانه: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 13]

 

كل هذا أوجد لدى المسلمين تعطشا لجميع أشكال المعرفة وتحفيز الرجال والنساء على حد سواء لمواصلة التعليم والبحث العلمي في مختلف المجالات، وليصبحوا معلمين للآخرين. كما شكل أساس الخلافة إعطاءها منزلة عالية للتعليم للرجال والنساء، ويعكس ذلك في الاستثمار المكثف في بناء المدارس والكليات والمدارس الدينية والجامعات والمكتبات والمراصد، وكذلك في مجال تدريب المعلمين خلال عصور الحكم الإسلامي – كل ذلك لضمان وصول واسع النطاق في التعليم لرعاياها. تم تأسيس العديد من دور العلم في القرن التاسع والقرن العاشر الميلادي في المنطقتين الشرقية والغربية من الدولة. الخليفة هارون الرشيد، أحد حكام العصر العباسي المبكر أمر بإرفاق مدرسة بكل مسجد. وأنشأ الوزير نظام الملك في القرن الحادي عشر الميلادي نظام مدارس التعليم العالي في جميع أنحاء العالم الإسلامي، بما في ذلك مدنا مثل بغداد والموصل والبصرة، وهيرات. والخليفة نور الدين في القرن الثاني عشر الميلادي اتبع خطاه من خلال تأسيس العديد من هذه المعاهد في دمشق وغيرها من المدن الكبيرة. وكان في قرطبة وحدها 70 مكتبة. ارتفع عدد الكتاب (المعلمين) في العالم الإسلامي بسرعة حتى أصبح لكل قرية تقريبا كتاب خاص بها. وعند نقطة معينة خلال الحكم الإسلامي، كان هناك 73 كلية في دمشق، و41 كلية في القدس، و40 كلية في بغداد و14 كلية في حلب، و13 كلية في طرابلس و74 كلية في القاهرة بالإضافة إلى العديد من المؤسسات في المدن الأخرى، وكلها توفر التعليم المجاني لعشرات الآلاف من التلاميذ.

 

إلى جانب ذلك، تم تأسيس مجموعة من الجامعات المرموقة المعروفة عالميا بالتميز الأكاديمي في جميع أنحاء الدولة وأصبحت مركزا لتعليم النخبة الفكرية في العالم ومؤسسات يتوافد إليها الطلاب من مختلف أنحاء العالم. وشملت جامعة القرويين في المغرب التي بنيت في عام 859م، وجامعة الأزهر في مصر التي أنشئت عام 970م، وجامعة المستنصرية في بغداد التي تأسست عام 1227م، وجامعة سانكور في تمبكتو مالي التي شيدت في القرن الـ14 الميلادي، وجامعة اسطنبول في تركيا التي أنشئت في القرن الـ15 الميلادي.

 

فإنه ليس من المستغرب إذن أنه في هذا الجو من التعلم والدراسة المفروض من قبل النظام الإسلامي في دولة الخلافة، ازدهار تعليم المرأة أيضا. وكان النبي ﷺ نفسه يعين الأسبقية لأهمية تعليم الفتيات والنساء من خلال أقواله وأفعاله. يقول ﷺ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها “نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ” (رواه مسلم)

 

 وكان ﷺ يعلم كلاًّ من الرجال والنساء عن الإسلام في المسجد والتجمعات العامة الأخرى، ولكنه أيضا كان يقوم بتخصيص أوقات خاصة لتعليم النساء على وجه الخصوص، والإجابة عن أسئلتهن. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،‏ قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ ﷺ غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ‏.‏ «فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ» (رواه البخاري)

 

وتنعكس نظرة النبي ﷺ لأهمية تعليم الإناث في علم العديد من زوجاته، والصحابيات وغيرهن من النساء خلال فترة حكمه في المدينة المنورة. زوجته عائشة رضي الله عنها على سبيل المثال، حصلت على لقب “فقيهة الأمة” وذلك بسبب معرفتها بالحديث ومهارتها في الفقه الإسلامي. حيث روت أكثر من 2200 حديث عن النبي ﷺ. ويقال إن أبا هريرة وابن عمر وأنس (رضي الله عنهم) فقط من رووا أكثر منها. العلامة ابن حجر يكتب: “ربع أوامر النبي ﷺ رويت من قبلها”. أبرز الصحابة كانوا يلجؤون إليها للإجابة على أسئلتهم الدينية. وقال الفقيه الإسلامي الكبير والصحابي أبو موسى الأشعري رضي الله عنه “ما أشكل علينا – أصحابَ مُحَمَّدٍ ﷺ – حديثٌ قطُّ فسألنا عائشةَ إلا وجدنا عندها منه علمًا”. عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان (رضي الله عنهما) كخلفاء كانا أيضا يرجعان إلى عائشة (رضي الله عنها) للرد على أسئلة معينة حول الحديث والفقه. ولكن كان لديها أيضا علم كبير في مجالات أخرى من مجالات المعرفة، بما في ذلك الطب والشعر والأدب وتاريخ العرب. قال الصحابي عروة بن الزبير (رضي الله عنه) عنها: “ما رأيت أحداً أعلم بالقرآن ولا بفرائضه ولا بحلال ولا بحرام ولا بشعر ولا بحديث عرب ولا بنسب من عائشة”.

 

برعت زوجات أخريات للنبي ﷺ مثل أم سلمة، وحفصة، وأم حبيبة وميمونة أيضا في التعلم، فكن على علم واسع بالحديث وإصدار الفتاوى، ومثلهن العديد من الصحابيات مثل أسماء بنت أبي بكر، وأم عطية، وأم شريك، وفاطمة بنت قيس رضي الله عنهن. وبرعت أخريات في الشعر، مثل الخنساء بنت عمرو، وهند بنت عتبة، وعاتكة، وأم أيمن وصفية بنت عبد المطلب بن هاشم. وضع النبي ﷺ أيضا أهمية على محو الأمية بين الإناث، ينعكس ذلك في تعليماته إلى الشفاء بنت عبد الله بتعليم الكتابة لزوجته حفصة.

 

تلت الخلافة تعاليم ومثال النبي ﷺ من خلال تبني هذا الرأي الإسلامي بأهمية تعليم المرأة. وكانت الفتيات والنساء قادرات على الحصول على التعليم في المنزل أو في المدارس والمساجد والكليات وغيرها من المؤسسات من المعلمين والمعلمات على حد سواء. محمد أكرم الندوي، وهو باحث هندي في العصر الحديث الذي أجرى دراسة موسعة على العلماء الإناث في الإسلام في التاريخ الإسلامي، حيث يروي أنه في كل مدينة استقر فيها المسلمون تحصل النساء على المعرفة من العلماء في مناطقهم. حيث حضرت النساء بانتظام للمدارس والمساجد الشهيرة كما ثبت من سجلات حضور تضمنت مساجد مرموقة كالمسجد الأموي والجامع المظفري في دمشق، والمدرسة العمرية، ودار الحديث النورية أيضا في سوريا. كما قدمت جامعة الأزهر المرموقة في القاهرة وصولا خاصا للمرأة كطالبات ومحاضرات – وهو حق حصلت عليه النساء في الغرب في الجامعات بعدهم بقرون عديدة. تم إنشاء بعض المدارس خصيصا لتعليم الفتيات. كان أولها مدرسة جامع القرويين الإسلامية التي بنيت في 245 هجرية (859م) في المغرب الأقصى. واستطاعت المرأة أيضا السفر على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم الإسلامي لطلب العلم، دون عوائق من قبل الحدود الوطنية التي لم تكن موجودة في ظل دولة الخلافة التي وحدت جميع أراضيها في دولة واحدة.

 

ونتيجة لذلك، ظهر الآلاف من العلماء الإناث في تاريخ هذه الدولة المجيدة التي طبقت قوانين الشريعة الإسلامية.

 

“محمد أكرم (الداعية الإسلامي الهندي المعاصر) بدأ قبل ثماني سنوات بالعمل على مجلد واحد كقاموس للسير الذاتية لعالمات الحديث الإناث، وهو المشروع الذي تطلب منه الغوص في معاجم السير، والنصوص الكلاسيكية، وسجلات المدرسة ورسائل لاستشهادات ذات صلة. “اعتقدت أن أجد ربما 20 أو 30 امرأة”، كما يقول. إلا أنه عثر حتى الآن على 8000 منهم، يعود تاريخهم إلى 1400 سنة، ومعجمه يملأ الآن 40 مجلدا…” مقتطف من “التاريخ السري” الذي نشرته كارلا باور في مجلة نيويورك تايمز، بتاريخ 25 شباط/فبراير 2007.

 

وصلت تلك العالمات إلى مستوى عال في جميع مجالات المعرفة في الدين وأصبحن فقيهات شهيرات، يصدرن الأحكام الإسلامية، ويفسرن القرآن، وينقلن وينقدن الحديث، وحتى يطعنَّ في أحكام القضاة. العديد منهن كتبن الكتب في مختلف مجالات العلوم الإسلامية، التي تتكون أحيانا من 10 مجلدات أو أكثر. كما أنهن درسن بشكل روتيني في المنازل والمدارس وفي المساجد والكليات الرئيسية في مدنهم – لكل من الطلاب والطالبات. تم تمويل بعض الكليات مثل المدرسة السكلاتونية في القاهرة وتزويدها بالموظفات بالكامل من قبل النساء. روث روديد، أستاذة محاضرة في تاريخ الإسلام والشرق الأوسط في الجامعة العبرية في القدس توثق بأن نسبة المحاضرين الإناث في العديد من الكليات الإسلامية التقليدية كان أعلى مما هو عليه في الجامعات الغربية في العصر الحديث.

من بين العالمات الشهيرات في ظل الخلافة، أم الدرداء التي كانت في القرن السابع الميلادي والتي حاضرت في الحديث والفقه في المسجد الأموي الكبير في دمشق، عاصمة الخلافة في ذلك الوقت. وكان أحد طلابها خليفة الدولة عبد الملك بن مروان، الذي كان يجلس في حلقاتها للدراسة مع الطلاب الآخرين. وعالمة أخرى هي نفيسة بنت الحسن، وهي كانت باحثة في القرن الـ9 الميلادي في مصر والتي كان ضمن طلابها الإمام المجتهد الشافعي. وأيضا من تلك العالمات كانت ست الوزارة بنت عمر التي كانت مشهورة في دمشق في القرن الـ 12 الميلادي بتدريس صحيح البخاري. والتي دعيت إلى القاهرة حيث درّست في المسجد الكبير وأماكن أخرى. وحضر دروسها العلماء وغيرهم من وجهاء المدينة من الذكور والإناث. تم تنفيذ كل هذا في حدود النظام الاجتماعي الإسلامي، بالزي الإسلامي والفصل بين مقاعد الرجال والنساء باحترام.

 

وامرأة عالمة أخرى شكلت علامة وهي عمرة بنت عبد الرحمن، التي أصدرت آراء شرعية في المدينة المنورة بشأن مسائل مثل المعاملات التجارية والعقوبات. الإمام مالك رضي الله عنه استند إلى فتواها بخصوص فريضة الحج في كتابه الشهير الموطأ. كانت عائشة بنت عبد الهادي عالمة في القرن الـ9 الميلادي والتي عينت في منصب المعلم الرئيسي لصحيح البخاري في جامع بني أمية الكبير. عالمة أخرى هي الشيخة أم الخير، فاطمة بنت إبراهيم، التي علمت الحديث في القرن الـ14 الميلادي في المسجد النبوي في المدينة المنورة، وهو موقع تبجيل من قبل المجتمع كله، يعكس عن احترام كبير تنعمت به بين مجتمعها. وكانت زينب بنت كمال عالمة في القرن الـ14 الميلادي التي درست أكثر من 400 كتاب للحديث. شواهدها “حمل بعير” جذب الطلاب ومع سمعتها الفكرية الهائلة حاضرت في بعض المعاهد الأكاديمية المرموقة في دمشق.

 

وشمل طلاب تلك العالمات الإناث العديد من فقهاء الإسلام الذكور الكبار والمجتهدين في زمنهم مثل الإمام مالك وابن حجر، وابن تيمية رحمهم الله. وذكر عدد لا يحصى من هؤلاء العلماء البارزين أيضا معلماتهم الإناث في كتبهم، فكتبوا سيرهن الذاتية وأثنوا عليهن لعلمهن، وذكائهن، وصبرهن، وسلوكهن الفاضل ونزاهتهن وتقواهن. على سبيل المثال شمل المؤرخ الإسلامي ابن النجار أبرز معلمي القرن الـ 13 الميلادي 400 امرأة. ربع معلمي عظيم القرن الـ 14 الفقيه السيوطي كن من النساء؛ في حين إن المشهور بالقرن الـ 12الميلادي العلامة ابن عساكر روى الحديث عن أكثر من 80 امرأة وخصص كتابا كاملا لتقارير عن سيرهن الذاتية. بالإضافة إلى ذلك، من خلال السير الذاتية لكثير من علماء الإسلام الذكور العظماء، فمن الواضح أن عاملا مهما في نجاحهم بالجمع بين الصلاح والعلم الشرعي كان الأساس في التعليم الذي تلقوه من قبل أمهاتهم.

 

تحت الحكم الإسلامي لعبت النساء دورا أساسيا في تطوير ونقل والحفاظ على مختلف مجالات العلوم الإسلامية، الفقه والحديث، وبالتالي المساهمة في إثراء الثقافة والعلوم الإسلامية. وهن أيضا تمتعن باحترام كبير بين مجتمعهن، وكان يسعى إليهن من أجل التفاسير والأحكام الفقهية، حصلن ومارسن نفس صلاحيات العلماء الذكور، بما في ذلك الحق في إعطاء الإجازات (رخصة التدريس) لطلابهن. حتى إن هناك سجلات عن عالمات تدخلن في بعض الأحيان باستخدام المعارف الإسلامية في الأحكام الصادرة عن المحكمة لمنع إساءة تطبيق أحكام العدالة. عمرة بنت عبد الرحمن، المحدثة الكبيرة والفقيهة على سبيل المثال تدخلت مرة واحدة في قضية محكمة برئاسة القاضي (والي) المدينة المنورة الذي كان ينوي تنفيذ العقوبة الحدية على لص سرق بعض حلقات حديدية. وذكرت عمرة القاضي بأن مثل هذه العقوبة يمكن أن تطبق فقط على من سرق شيئا يساوي ربع دينار أو أكثر. وبالتالي عكس القاضي قراره وأفرج عن المتهم لأنه ليس لديه حجة ضد حكم الدليل الإسلامي الذي استشهدت به.

 

تلك العالمات بالإسلام عشن حياة إسلامية كاملة، بإدارة أسرهن، ورعاية أطفالهن، وطلب العلم، والمشاركة في شؤون المجتمع، وكمدافعات عن العدالة، آمرات بالمعروف وناهيات عن المنكر، ومحاسبات للحاكم. المفكر الهندي، محمد الندوي أكرم يكتب: “لقد عملت من خلال الكثير من المواد على مدى عشر سنوات لتجميع قصص سير ذاتية لـ 8000 محدثة. لم يذكر بأن أي واحدة منهن اعتبرت مجال الحياة الأسرية أقل شأنا، أو أهملت واجباتها فيه، أو اعتبرت امرأة غير مرغوب فيها أو أدنى منزلة من الرجل، أو اعتبر أنه نظرا للقدرات والفرص، فإنه ليس لديها واجبات أوسع تجاه المجتمع خارج نطاق الحياة الأسرية”.

 

في ظل الخلافة، برعت النساء أيضا في مجالات أخرى من مجالات الدراسة مثل الطب والفلك والرياضيات والخط والشعر والعلوم والهندسة. على سبيل المثال، كانت لبنة من قرطبة خبيرة في الرياضيات والأدب في القرن الـ10 الميلادي. فقد كانت قادرة على حل المشاكل الهندسية والجبرية الأكثر تعقيدا وكانت لها معرفة واسعة في الأدب العام حصلت عليها من خلال خدمتها كسكرتيرة للخليفة الحاكم الثاني. وكانت مريم الأسطرلابية الجلية عالمة ومخترعة في القرن الـ10 الميلادي. فقد صممت الأسطرلابات التي كانت تستخدم في علم الفلك لتحديد موقع الشمس والكواكب وللملاحة. كانت تصاميمها مبتكرة جدا، حتى إنها وظفت من قبل حاكم مدينتها. وكانت لبنى الأندلسية شاعرة عاشت أيضا في القرن الـ10 الميلادي، حيث برعت في النحو والبلاغة والرياضيات والخط العربي. وكانت واحدة من رؤساء كتبة الدولة، وكان يعهد إليها بالمراسلات الرسمية. وكانت فخر النساء أم محمد شوهدا متخصصة في الخط العربي في القرن الـ12 الميلادي. حيث كتبت للخليفة المقتفي. وقيل إنه في وقتها لم يكن هناك أحد في بغداد بإمكانه مطابقة التميز في كتاباتها. وكانت النساء من عائلة بني الظهر طبيبات خدمن في القرن الـ12 الميلادي في عهد الخليفة أبو يوسف يعقوب المنصور، في حين يصف جراح القرن الـ15 التركي سيريفيدن سابنكواجلو الجراحات الإناث في الأناضول وهن يجرين العمليات الجراحية على المرضى من الإناث. تحت الحكم الإسلامي، كان هناك أيضا نساء خطاطات من إسبانيا إلى الشام ومن العراق إلى الهند مارسن فن نسخ القرآن الكريم. ويذكر أنه في قرطبة الشرقية وحدها كان هناك 170 خطاطة كتبن القرآن بالخط الكوفي.

 

إلى جانب كل هذا، حب طلب العلم، والإخلاص لله سبحانه وتعالى غُرس في النساء تحت الحكم الإسلامي، مما قاد الكثيرات إلى إنفاق أموالهن في بناء المدارس والجامعات والمعاهد الأخرى لتوفير التعليم للآخرين وكسب الثواب في الآخرة للقيام بذلك. على سبيل المثال، كانت أم البنين فاطمة التي بنت المدرسة الأولى للبنات في عام 245ه (859م). وأنها بقيت صائمة من اليوم الذي وضع فيه الأساس حتى تم الانتهاء من المبنى. وفاطمة الفهري أسست في عام 859 في فاس، المغرب، ما ينظر إليه الآن كأول جامعة تمنح درجة علمية في العالم، مسجد ومدرسة القرويين، حيث أنفقت ميراثها بالكامل في هذه العملية، وأيضا بقيت صائمة حتى تم إنجاز المبنى. فأصبح واحدا من أكثر المراكز المرموقة والمهمة للتعليم في العالم. فلم تكن هناك رسوم وأعطي الطلاب بدائل نقدية عن الغذاء والسكن.

 

ويعزى كل ذلك إلى تطبيق الأحكام والأنظمة الإسلامية تحت حكم الخلافة التي شجعت الرعية – ذكورا وإناثا – على دراسة الإسلام والعالم من حولهم، وكذلك على التفوق في كل مجال من مجالات الحياة لصالح المجتمع والإنسانية. وعلاوة على ذلك، فإن المبادئ الإسلامية التي تقوم عليها دولة الخلافة توجب على الدولة أن تعطي أهمية كبيرة وقيمة لتعليم الإناث التعليم الذي تستحقه، وتسخير إمكانيات المرأة، وضمان تلبية تطلعاتها التعليمية. هذا التراث المجيد ينتظر النساء أيضا في الخلافة المستقبلية بناء على منهاج النبوة إن شاء الله، والتي سوف يتم أيضا إعطاء الأولوية فيها لتوفير نظام تعليمي من الدرجة الأولى لجميع مواطنيها؛ ذكورا وإناثا. وعلاوة على ذلك، تلتزم دولة الخلافة بتوفير التعليم المجاني في المرحلتين الابتدائية

 

والثانوية للبنين والبنات. وهذا يشمل موضوعات مثل التخصصات الإسلامية والعربية، والرياضيات، والعلوم التجريبية مثل علم الأحياء والكيمياء والفيزياء. والدولة ستسعى أيضا لتمويل التعليم العالي مجانا للرجال والنساء على قدر استطاعتها.

 

“تعليم ما يلزم للإنسان في معترك الحياة فرض على الدولة أن توفره لكل فرد ذكرا كان أو أنثى في المرحلتين الابتدائية والثانوية، فعليها أن توفر ذلك للجميع مجانا، وتفسح مجال التعليم العالي مجانا للجميع بأقصى ما يتيسر من إمكانيات”. المادة 178، مشروع دستور دولة الخلافة لحزب التحرير

 

وبالتالي فإن هذه الدولة المجيدة ستسعى للقضاء على الأمية بين الإناث وتأمين الأحلام التعليمية للفتيات والنساء. وسوف تشجعهن أيضا على دخول الدراسات العليا وتسهل لهن التخصص في مختلف المجالات، بما في ذلك التخصصات الإسلامية والطب والعلوم واللغات والهندسة، وتسخير تفكيرهن ومهاراتهن لتعود بالنفع على المجتمع بأسره. وسوف يشمل هذا إيجاد كم وافر من النساء العالمات والطبيبات والممرضات والمدرسات على سبيل المثال لتقديم أفضل خدمات التعليم والرعاية الصحية لرعايا الدولة. كل هذا سوف يكون متوفرا في إطار النظام الاجتماعي الإسلامي، الذي سوف يفصل تدريس الطلاب الذكور والإناث في كل من المدارس الحكومية والخاصة. وهذا سيمكن الفتيات والنساء المسلمات من متابعة تطلعاتهن التعليمية مع الالتزام أيضا بجميع أحكام الإسلام التي تكفل حماية كرامتهن وسلامتهن. وعلاوة على ذلك، سوف تسعى دولة الخلافة جاهدة لإزالة المواقف التقليدية أو الحواجز الثقافية التي تقلل من قيمة تعليم الإناث أو تمنع الفتيات من مواصلة حقوقهن التعليمية. وهذا ليس سوى تطبيق لنظام الله تعالى تحت ظل دولة الخلافة التي يمكن أن تحقق هذه الرؤية المتميزة لتعليم الإناث.

 

 

﴿الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [إبراهيم: 1]

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الدكتورة نسرين نواز

مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة