مع الحديث الشريف – الخلافة ليست نظاماً ديمقراطياً
نحييكم جميعا أيها الأحبة المستمعون في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
“أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب”
روى الترمذي في سننه قال: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ غُطَيْفِ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَة {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ
جاء في تحفة الأحوذي:
قَوْلُهُ: (وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ): هُوَ كُلُّ مَا كَانَ عَلَى شَكْلِ خَطَّيْنِ مُتَقَاطِعَيْنِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ: هُوَ الْمُرَبَّعُ مِنْ الْخَشَبِ لِلنَّصَارَى يَدَّعُونَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ صُلِبَ عَلَى خَشَبَةٍ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ
(اِطْرَحْ عَنْك) أَيْ أَلْقِ عَنْ عُنُقِك (هَذَا الْوَثَنَ): هُوَ كُلُّ مَا لَهُ جُثَّةٌ مَعْمُولَةٌ مِنْ جَوَاهِرِ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ الْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ، كَصُورَةِ الْآدَمِيِّ، وَالصَّنَمُ: الصُّورَةُ بِلَا جُثَّةٍ، وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ، وَقَدْ يُطْلَقُ الْوَثَنُ عَلَى غَيْرِ الصُّورَةِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ عَدِيٍّ قَدِمْت عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: “أَلْقِ هَذَا الْوَثَنَ عَنْك”، قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ
{اِتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ} أَيْ عُلَمَاءَ الْيَهُودِ, {وَرُهْبَانَهُمْ} أَيْ عُبَّادَ النَّصَارَى
{أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} حَيْثُ اِتَّبَعُوهُمْ فِي تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَتَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ
(قَالَ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ حَرْفُ التَّنْبِيهِ
(إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا): أَيْ جَعَلُوا لَهُمْ حَلَالًا وَهُوَ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
(اِسْتَحَلُّوهُ) أَيْ اِعْتَقَدُوهُ حَلَالًا, (وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا) أَيْ وَهُوَ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ:
(حَرَّمُوهُ) أَيْ اِعْتَقَدُوهُ حَرَامًا.
قَالَ فِي فَتْحِ الْبَيَانِ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يَزْجُرُ مَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ، عَنْ التَّقْلِيدِ فِي دِينِ اللَّهِ، وَتَأْثِيرِ مَا يَقُولُهُ الْأَسْلَافُ عَلَى مَا فِي الْكِتَاب الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، فَإِنَّ طَاعَةَ الْمُتَمَذْهِبِ لِمَنْ يَقْتَدِي بِقَوْلِهِ وَيَسْتَنُّ بِسُنَّتِهِ مِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، مَعَ مُخَالَفَته لِمَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ وَقَامَتْ بِهِ حِجَجُ اللَّهِ وَبَرَاهِينُهُ هُوَ كَاِتِّخَاذِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِلْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ بَلْ أَطَاعُوهُمْ وَحَرَّمُوا مَا حَرَّمُوا وَحَلَّلُوا مَا حَلَّلُوا، وَهَذَا هُوَ صَنِيعُ الْمُقَلِّدِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِهِ مِنْ شَبَهِ الْبَيْضَةِ بِالْبَيْضَةِ، وَالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَةِ، وَالْمَاءِ بِالْمَاءِ. فَيَا عِبَادَ اللَّهِ مَا بَالُكُمْ تَرَكْتُمْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ جَانِبًا وَعَمَدْتُمْ إِلَى رِجَالٍ هُمْ مِثْلُكُمْ فِي تَعَبُّدِ اللَّهِ لَهُمْ بِهِمَا، وَطَلَبِهِ لِلْعَمَلِ مِنْهُمْ بِمَا دَلَّا عَلَيْهِ وَأَفَادَاهُ فَعَمِلْتُمْ بِمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ الْآرَاءِ الَّتِي لَمْ تُعْمَدْ بِعِمَادِ الْحَقِّ، وَلَمْ تُعْضَدْ بِعَضُدِ الدِّينِ وَنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، تُنَادِي بِأَبْلَغِ نِدَاءٍ، وَتُصَوِّتُ بِأَعْلَى صَوْتٍ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَيُبَايِنُهُ، فَأَعَرْتُمُوهَا آذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا، وَأَذْهَانًا كَلِيلَةً، وَخَوَاطِرَ عَلِيلَةً، وَأَنْشَدْتُمْ بِلِسَانِ الْحَالِ: وَمَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ غَوَيْت وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدُ اِنْتَهَى. وَقَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: قَالَ شَيْخُنَا وَمَوْلَانَا خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ وَالْمُجْتَهِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدْ شَاهَدْت جَمَاعَةً مِنْ مُقَلِّدَةِ الْفُقَهَاءِ قُرِئَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ فَكَانَتْ مَذَاهِبُهُمْ بِخِلَافِ تِلْكَ الْآيَاتِ، فَلَمْ يَقْبَلُوا تِلْكَ الْآيَاتِ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهَا وَبَقَوْا يَنْظُرُونَ إِلَيَّ كَالْمُتَعَجِّبِ، يَعْنِي كَيْفَ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِظَوَاهِرِ هَذِهِ الْآيَاتِ مَعَ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ سَلَفِنَا وَرَدَتْ إِلَى خِلَافِهَا، وَلَوْ تَأَمَّلْت حَقَّ التَّأَمُّلِ وَجَدْت هَذَا الدَّاءَ سَارِيًا فِي عُرُوقِ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا. اِنْتَهَى.
قَوْلُهُ: (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ)
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ سَعْدٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ.
مستمعينا الكرام:
إن الإسلام يعني الاستسلام لله الواحد القهار خالقاً ومدبراً لشؤون العباد …. له وحده حق تعيين الحلال والحرام والحسن والقبيح … أمر أن نحتكم لشرعه الحنيف في أمورنا كلها يقول تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ)
ونهى عن الاحتكام لغير شرعه: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)
وبين لنا رسوله الكريم كيف يكون هذا الاحتكام للشرع حين أقام للإسلام دولة ترعى شؤون الرعية بأحكام الشرع الحنيف وخلفه في الحكم خلفاء ساروا على هديه واستنوا بسنته فطبقوا نظام الإسلام داخليا برعاية شؤون الرعية به وخارجياً بحمله رسالة هدى ونور للعالمين ……
ونظام الإسلام يقوم على قواعد أربعة هي:
1- السيادة للشرع: فالتشريع في الإسلام لله وحده لا شريك له
2- السلطان للأمة: فالأمة هي التي تختار الخليفة الذي يطبق عليها أحكام الشرع الإسلامي
3- انتخاب خليفة واحد فرض على المسلمين: فلا يحل أن يكون على المسلمين أكثر من خليفة ولا أن يكون لهم أكثر من دولة.
4- للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية: المستنبطة من الأدلة الشرعية التفصيلية … الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس الشرعي
فهل يحل لمسلم بعدُ أن يعمل لإقامة دولة ديمقراطية مدنية بدل العمل لإقامة خلافة على منهاج النبوة؟
إن هناك من يدعي أن إقامة دولة ديمقراطية لا يخالف الإسلام لأن الديمقراطية من الإسلام أو أنها لا تتعارض مع الإسلام …. وهؤلاء إما أنهم يجهلون التناقض التام بين نظام الإسلام وبين النظام الديمقراطي أو أنهم خبثاء يقصدون تضليل الأمة عن الطريق الصحيح لإعادة حكم الإسلام والذي لا يكون إلا بإقامة دولة الخلافة دولة الإسلام.
ذلك أن النظام الديمقراطي يعني حكم الشعب للشعب وبالشعب … فالسيادة فيه للشعب هو الذي يضع دستوره بواسطة نواب عنه يشكلون لجنة تأسيسية تضع دستوراً للدولة … وهو الذي يسن القوانين بواسطة نواب عنه في المجلس التشريعي وهو الذي يحكم نفسه بنفسه عن طريق انتخاب حاكم يطبق عليه النظام الذي اختاره لتُرعى شؤونه به.
ولا يقتصر التناقض بين الإسلام والديمقراطية على السيادة أي حق التشريع بل يتعداه إلى الحريات الأربع التي تقوم عليها الديمقراطية والتي تفتح الباب على مصراعيه لنشر الفساد والإفساد في الأرض
1- فحرية التدين: التي تعني حرية الردة وتبديل الدين دونما قيد وهو ما يحرمه الإسلام إذ يقول صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه.
2- وحرية الرأي: التي تعني حق التعبير عن الرأي دون قيد أو مراعاة لأحد فرد كان أو قوم أو أمة … وها نحن نرى التطاول على الإسلام ومقدساته من قبل الملحدين والحاقدين والسفهاء وكيف يحمى أولئك من قبل الأنظمة الديمقراطية بحجة حرية التعبير … فهل يبيح الإسلام الاعتداء على الأعراض أو التطاول على المقدسات تحت أي شعار كان؟
3- وحرية التملك التي تجعل القوي يستغل الضعيف بشتى الوسائل ما يزيد الغني غنى والفقير فقرا.
4- وأخيرا الحرية الشخصية: التي تبيح للرجل والمرأة أن يفعلوا ما يشاؤون دونما رادع من حلال أو حرام.
نعم مستمعينا الكرام إن النظام الديمقراطي نظام غير إنساني يتناقض تناقضاً تاما مع نظام الإسلام الرحيم الذي هو من عند الله الرحمن الرحيم … فشتان بين من يبارز الله في التشريع فيعمل لإقامة دولة ديمقراطية بنظام وضعي وضيع ومن يطيع الله ويتقيه فيعمل لإقامة دولة خلافة على منهاج النبوة تقوم على نظام الإسلام الرباني العظيم …
مستمعينا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.