الثورة الصناعية في دولة الخلافة – الحلقة الأولى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
إن من أعظم الابتلاءات التي منيت بها الأمة الإسلامية اليوم بعد هدم الخلافة الإسلامية وغياب الحكم بما انزل الله وتطبيق شرعه هو الضعف الشديد الذي طرأ على الأذهان في فهم الإسلام وغزو الكافر المستعمر بعقيدته الرأسمالية للبلاد الإسلامية غزوا فكريا وعسكريا واقتصاديا. فعلى الرغم مما تمتلكه الأمة من عقيدة وقيادة فكرية لا تدانيها أية عقيدة فهي تفجر الطاقات البشريه عند الأمة بل وتدفعهم لتقديم فوق ما يملكون للتضحية في سبيل الله تعالى ولبذل كل الجهود من أجل إعزاز الأمة ورفعتها، وعلى الرغم من وجود الثروات الضخمة: الأراضي الزراعية الهائلة، والمسطحات المائية كالبحار والأنهار والمياه الجوفية، والمعادن الدفينة والظاهرة كالنفط والذهب والفوسفات وغيره، وما يتصل بعمقها الجغرافي كالمضائق والممرات وتوسطها العالم، وكذلك ما يتصل بالبعد البشري فهي أمة المليار والنصف. على الرغم من كل ذلك إلا أنها أصبحت مسلوبة الإرادة، وقد دب الفقر والاحتياج والذل والهيمنة الغربية في شعوبها حتى باتت تصنف في عداد الشعوب الفقيرة والنامية.
ومع ما تشهده الأمة اليوم من ثوراتها لإسقاط حكامها وأنظمتهم ومحاولاتها الواضحة في تونس ومصر وسوريا وغيرها للانعتاق من سيطرة وربقة الكافر المستعمر، كان لا بد من إلقاء بعض الضوء على المعالجات والسياسات التي شرعها الإسلام لحل المشكلة الاقتصادية وأعراضها كالبطالة والفقر وما يتصل بها.
إن السياسة الاقتصادية في الإسلام إنما أساسها ضمان إشباع الحاجات الأساسية لجميع أفراد الرعية فرداً فرداً إشباعاً كلياً، وتمكين كل فرد منهم من إشباع حاجاته الكمالية على أكبر قدر مستطاع. ولهذا رأى الإسلام أن إباحة التملك بطرقه المشروعة وأيضا إباحة العمل بطرقه المشروعة لا يكفي ولا يضمن إشباع جميع حاجات الأفراد الأساسية إشباعا كليا، وكل ما تحققه هو تمكين كل فرد من الأفراد من إشباع حاجاته الكمالية على أكبر قدر مستطاع.
فالأقوياء الذين لا يجدون عملا، والضعفاء والعاجزون كالأرملة واليتيم وكبير السن، لا يتمكنون بالإباحة وحدها من إشباع حاجاتهم الأساسية إشباعا كليا. بل ما نراه اليوم من انتشار للفقر المدقع بين الناس وبلوغ البطالة نسبا مهولة لهو أكبر دليل على أن الإباحة وحدها لا تكفي، في القاهرة وحدها ما يربو على المليون ونصف المليون من سكان المقابر. هذا فضلا على أن ذلك يؤدي إلى أمراض مجتمعية مدمرة، كالسرقة والنهب والاحتكار والرشوة والدعارة وغيرها، تنخر في المجتمع فتهلك الحرث والنسل.
ولذلك شرع الإسلام أحكاماً شرعية أخرى إضافة إلى أحكام إباحة الملكية وإباحة العمل، تضمن إشباع جميع الحاجات الأساسية لكل فرد من أفراد الرعية إشباعاً كلياً.
وبذلك قد ضمن توزيع الثروة على جميع أفراد الرعية فرداً فرداً بحيث يضمن في هذا التوزيع إشباع جميع الحاجات الأساسية إشباعاً كلياً إلى جانب تمكين كل فرد من أفراد الرعية من إشباع حاجاته الكمالية على أكبر قدر مستطاع. فقد شرع الإسلام أحكام إباحة العمل والملكية وأحكام النفقة وأحكام رعاية الشؤون.
و الحاجات الأساسية التي قد بينها الشرع، وردت في أدلة كثيرة وصريحة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما زويت له الدنيا بحذافيرها) وقال (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل…). فدلت هذه الأدلة وغيرها على أن الحاجات الأساسية هي: المأكل والملبس والمسكن للأفراد والأمن والتطبيب والتعليم للرعية ككل.
وقد ضمن الإسلام إشباع هذه الحاجات الأساسية إشباعا كليا كالتالي:
1. جعل الإسلام العمل فرضا على القادر من الرجال إن كان محتاجا للنفقة. فقد قال رسول الله لرجل من الأنصار يسأله وقد علمه أهمية العمل والكسب (إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة : لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أ و لذي دم موجع)
أوجب نفقة المحتاج كالفقير والزوجة والأبوين والأبناء على الأقارب الذين يكونون رَحِماً محرّماً لهم قال تعالى: (وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ).
2. فإن لم يوجد للمحتاج رحم محرم أو عجزوا عن الإنفاق فقد جعل الإسلام النفقة في هاتين الحالتين على بيت المال أو الدولة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ترك كلاً فإلينا، ومن ترك مالاً فلورثته).
3. إن لم يوجد في بيت المال ما يسد حاجة الفقير، وجب على الدولة أن تفرض ضرائب على أغنياء المسلمين وتقوم بصرفها له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعاً فقد برئت منه ذمة الله تبارك وتعالى).
4. أوجب الإسلام على الدولة توفير التعليم والتطبيب للجميع للفقير والغني على حد سواء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته).
أما ما هي السياسة التي لا بد من اتخاذها للنهوض ماديا بالبلاد؟ فتابعونا في الحلقات القادمة إن شاء الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدكتور أبو أسامة