هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟ – المبدأ الخالي من أحكام تبين طريقة تطبيقه فلسفة خيالية
هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
(الحلقة الثالثة – المبدأ الخالي من أحكام تبين طريقة تطبيقه فلسفة خيالية )
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا
المبدأُ[1] الخالي مِنْ أَحْكَامٍ تُبيّنُ طَريقَةَ تَطْبيقِهِ فَلْسَفَةٌ خَيَاليّةٌ:
لقد جعل الإسلامُ الدولةَ الإسلاميةَ طريقةً لتنفيذِ أحكامِ الإسلامِ، فقد نزلت آيات تفصيلية في التشريع الحربي والجنائي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والمعاملات والقضاء والعقوبات وغيرها[2] ، وكلها أُنزلت للحكم بها ولتطبيقها وتنفيذها من خلال الدولة، وبالتالي فإن القول بعدم وجود طريقة لإقامة الدولة التي تقيم هذه الأحكام الشرعية، ما هو إلا كالقول بأن الإسلام فلسفةٌ وخيالٌ حالمٌ، أو جمهوريات فاضلة، يخاطب الناس بأفكار ثم يترك لهم أن يتخيروا كيفية إقامتها وتطبيقها، أو يخاطب الناس بأفكارٍ ولا يهمُّه أن تكون أحكامُ تطبيقِ تلك الأفكارِ من جنسِ تلك الأفكار، ومن المعلوم أن الشرع إنما ينذر بالوحي، فالشرع الذي لا يرتضي للمسلم اعتقادا إلا ما جاء به الوحي، ولا يقبل سلوكا إلا وفق ما نزل به الوحي من تشريعات، وتوعد بالمحاسبة على مثقال الذر من العمل بناء على ما تقدم من نذارة وتشريعات أقيمت بها الحجة، فإنه لن يقبل أن تكون كيفية تنفيذ تلك الأحكام إلا من خلال ما نزل به الوحي أيضاً! لقول الله تعالى: ﴿قل إنما أنذركم بالوحي﴾، فخصَّ النذارةَ بأن يكون مصدرها الوحي، فهي صيغة حصر، ﴿قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي﴾، ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾، فالأفكار التي تدخل في حضارة الأمة[3] وتُسَيِّرُ أعمال المسلم، يجب أن يكون مصدرها الوحي لتعتبر إسلاما أي من الإسلام!
وعليه فإن القول بأن الوحي لم يحدد طريقة لإقامة الدولة التي تضع الإسلام موضع التطبيق، يعني أن الإنسان خوطب بأفعال وله أن يتبع فيها، أو في تنفيذها ما ليس من الوحي[4] ، وهو مخالف للآيات أعلاه، فتأمل، خصوصا وأن الموضوع: ما به يوضع الإسلام موضع التطبيق (أي إقامة النظام الذي يطبق أحكام الإسلام في الدولة والمجتمع)!.
فالأساسُ في الإسلام هوَ عقيدته، أي الفكرةُ الكُلِّيَةُ عنِ الكونِ والإنسانِ والحياةِ، انبثق عنها أو بني عليها نظامٌ ينظم حياة الإنسان، وكانتْ الطريقَةُ الَّتي تجعلُ المبدأَ موجوداً مُنفَّذاً في مُعْتَرَكِ الحياةِ أمْراً لازِماً لهذهِ الفكرةِ حتَّى يوجدَ المبدأُ!.
وأمَّا كونُ الطريقةِ أمْراً لازِماً، فإنَّ النظامَ الَّذي ينبثقُ عنِ العقيدةِ إذا لمْ يتضمَّنْ بَيَانَ كيفِيَّةِ التنفيذِ للمعالجاتِ، وبيانَ كيفيَّةِ المحافظةِ على العقيدةِ، وبيانَ كيفيَّةِ حملِ الدعوةِ للمبدأِ، كانتْ الفكرةُ فلسفةً خَيَالِيَّةً فَرْضِيَّةً تَبْقَى في بُطونِ الكتبِ مُسَجَّلَة دونَ أنْ يكونَ لها أثرٌ في الحياةِ الدنيا. ولذلكَ كانَ لا بُدَّ منَ العقيدةِ، ولا بُدَّ منْ معالجاتِ المشاكلِ، ولا بُدَّ منَ الطريقةِ، حتَّى يكونَ المبدأُ”.[5]
فإذا ما كانت المسألة إقامة الدولة بعد هدمها، فإنَّ الوضعَ المتصَوَّرَ الغالبَ حينها هو أن يكونَ المسلمونَ مستضعفينَ، ومن كان هذا حاله وترك له الخيار في تخير طريقةِ التغييرِ وإقامةِ الدولةِ، فإنه قد يلجأُ لأساليبَ “ميكيافيليةً” أو “براغماتيةً[6] ” لتحقيق غاياته، وما تفرضه الأوضاع مما قد يكون فيه تقديم التنازلات، والخضوع للظروف والإملاءات، فيضيع الإسلام وتضيع أعظم غاياته: إقامة النظام الذي يقيم أحكام الإسلام ويضعها موضع التطبيق! مما يضيع الغاية التي من أجلها وجد النظام برمته: تنظيم شئون الناس بشرع الله! فلا الشرع أقيم، ولا انضبطت طريقة إقامته، فضاعت الفكرة وضاعت الطريقة بتركها بلا تنظيم!
——————————————-
[1] المبدأ: مصدر ميمي من بدأ يبدأ بدءاً ومبدأ. وفي اصطلاح الناس جميعاً هو الفكر الأساسي (أي العقيدة) الذي تبنى عليه أو تنبثق منه الأفكار (أي أنظمة الحياة، من نظم اقتصادية واجتماعية وتعليمية وعقوبات وحكم وقضاء…) فالإسلام مبدأ وقد يطلق عليه اسم أيديولوجية.
[2] أنظر: نظام الحكم في الإسلام، الطبعة السادسة 2002، عبد القديم زلوم موسعا ومنقحا ومبنيا على نظام الحكم في الإسلام لتقي الدين النبهاني 1953.
[3] يختص التشريع بالأمور المتعلقة بالحضارة، أي طريقة العيش مما يتعلق بوجهة النظر في الحياة، ومجموع المفاهيم عن الحياة، سواء تلك المتعلقة بالنظرة إلى الحياة، أو كانت متعلقة بمعالجة مشاكل الحياة، وكذلك المعارف الثقافية، فهذه كلها تدخل في التشريع، ويضاف إلى ذلك أن التشريع يختص بالأشكال المدنية التي تكون نتاج التأثر بوجهة النظر عن الحياة أي الأشكال المدنية الناتجة عن الحضارة كالتماثيل، وأشكال معينة من الفن والرسم، وبعض الصناعات مثل صناعة الصلبان مثلا، والعلوم التجريبية وما يلحق بها إذا كانت بعض هذه العلوم تُؤدي إلى زيغ في العقائد، أو ضعف في المعتقدات، فإن هذه العلوم فقط يحرم تعليمها.
ولا يختص التشريع بالمدنية، (أنتم أدرى بشئون دنياكم)، التي تنتج عن العلم والتكنولوجيا وتقدمها، والصناعة ورقيها، كأدوات المختبرات والآلات الطبية والصناعية، والأثاث والطنافس والعمران وما شاكلها والعلوم المختلفة (النظرية والتجريبية) كالطب والهندسة والرياضيات وعلم الإقتصاد الذي يَبحث في الإنتاج وتحسينه وإيجاد وسائله وتحسينها، وهذا عالمي عند جميع الأمم لا يختص به مبدأ دون آخر، كسائر العلوم، فالإسلام عند معالجته للاقتصاد، فصل بين النظام الإقتصادي وبين علم الإقتصاد، وبالتالي فلم يحجر على تفكير البشر في إبداعاتهم في علم الإقتصاد وطريقة تحسين الانتاج مثلا.
[4] بحثت الموضوع بتفاصيل كثيرة في كتابي: “لا يصلح الإنسان في أي زمان أو مكان إلا بالإسلام”، فليراجع للتفاصيل الكثيرة التي يصعب حصرها هنا.
[5] تقي الدين النبهاني: نظام الإسلام، ط6، 1422هـ – 2001م، ص 24
[6] البراغماتية: أي الذرائعية، مذهب فلسفي سياسي يعتبر نجاح العمل المعيار الوحيد للحقيقة؛ فكل عقيدة تؤدي إلى نتيجة مرضية أو حسنة إنما هي عقيدة حقيقية فليست الفكرة مشروعاً للعمل فقط، وإنما العمل والنتائج هي الدليل على صحة الفكرة، وبذا أخرجنا من معنى الفكرة أو مدلولها إلى عالم الحقائق، فأصبح العمل أو النتائج التي ستترتب على الفكرة برهاناً على صحة الفكرة بعد أن كان معنى لها. أنظر: البراجماتيزم تحليل وتعليق للأستاذ نور الدين التميمي.