هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟ – سببان يحتمان على ضرورة بحث الفكرة والطريقة
هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
(الحلقة السابعة: سببان يحتمان على ضرورة بحث الفكرة والطريقة)
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا
سببان يحتمان على ضرورة بحث الفكرة والطريقة:
من المعلوم أن حزب التحرير إنما قام بغية إنهاض الأمة الإسلامية بعد كبوتها وانحطاطها، لذلك كان لا بد من دراسة أسباب الانحطاط الفكري والهبوط عن المكانة اللائقة بالأمة الإسلامية، ولا بد من دراسة أسباب النهوض بالأمة الإسلامية، (والنهضة هي الإرتفاع الفكري، وأثره في السلوك كما بين الحزب في كتاب نظام الإسلام) وكلا المنحيان يستوجب بحث الإسلام فكرة وطريقة!
حين نظر حزب التحرير إبان نشوئه في الحركات التي قامت بغية التغيير، حدد في كتاب التكتل الحزبي وفي كتاب مفاهيم حزب التحرير أسبابا لفشل تلك الحركات في إنهاض الأمة أو بلوغ غاياتها، إذ حصل لها تغشية في فهم العلاقة بين الفكرة والطريقة، فطرحت حلولاً لمشاكل المسلمين لا ترتبط الطريقة فيها بالفكرة، فقال في كتاب “مفاهيم حزب التحرير” وأما سبب إخفاق المحاولات التي قامت لإنهاض المسلمين بالإسلام فيرجع إلى ثلاثة أمور:
أحدها: عدم فهم الفكرة الإسلامية من قبل القائمين بالنهضة فهماً دقيقاً.
وثانيها: عدم وضوح طريقة الإسلام لديهم في تنفيذ فكرته وضوحاً تاماً.
وثالثها: عدم ربطهم الفكرة الإسلامية بالطريقة الإسلامية ربطاً محكماً غير قابل للانفصال”.[1]
ومن باب الجدية في العمل، ودراسة الواقع دراسة مستفيضة بغية إحداث التغيير حدد الحزب:
أهم العوامل التي أدت إلى الغشاوة في وضوح الفكرة الإسلامية في الأذهان،
نشطت ترجمة الفلسفات الهندية والفارسية واليونانية في القرن الثاني الهجري، مما أثر على بعض المسلمين وحملهم على ارتكاب محاولات التوفيق بين الإسلام وبين هذه الفلسفات، مع التناقض التام بينها وبين الإسلام. فأدت محاولات التوفيق هذه إلى التأويل والتفسير الذي أبعد بعض الحقائق الإسلامية عن الأذهان، كما أضعف إدراكها إياها، بل وأوجد نهجاً مبتدعاً لدى بعض المسلمين بدراسة الإسلام وفق قوالب غير إسلامية، فترى من آثار ذلك اليوم أن البعض يحاول دراسة الإسلام وفق قالب “المرونة”، وهو قالب الرأسمالية الذي تسميه “حلاً وسطاً”، فحشر الإسلام في قوالب غريبة عنه، لا هي من شروط اللغة لفهمه، ولا من فهم واقع التنزيل لتحقيق مناط أحكامه، فهذا الحشر يؤدي إلى نتائج كارثية في فهم الإسلام، لأنه يبنى على افتراضات من صمم القالب ووضعه كالرأسمالية للمرونة والحل الوسط، والفلسفة اليونانية لقوالب الجبر والاختيار واستعمال المنطق في التفكير، وغيرها.
أضف إلى ذلك مسألة إهمال اللغة العربية في القرن السابع الهجري أي فصل الطاقة العربية عن الطاقة الإسلامية، – واللغة أساس الاجتهاد لفهم النصوص-، فأحدث إهمالها وقفل باب الإجتهاد فجوة بين الواقع وبين الأحكام الشرعية التي تسوس هذا الواقع، وزاد عليه منذ أواخر القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي ) حتى الآن الغزو الثقافي والتبشيري، ثمّ الغزو السياسي والفكري من الغرب في هذا القرن والذي سبقه، فكان ضغثاً على أبالة، وعقدة جديدة في المجتمع الإسلامي تضاف إلى العقد السابقة وكان من أخطر الأفكار التي نتجت وراجت على يد الكافر المستعمر فكرة خلو الإسلام من نظام حكم، والترويج لفكرة فصل الدين عن الدولة، وعدم صلاحية الإسلام للتطبيق، والترويج لفكرة أن الخلافة صورة تطبيقية تاريخية وليست مطلبا أمر الشرع به، أو اعتبارها من صنع الصحابة، مع أنها وحي، وتبع ذلك حملات ترويج هائلة للأفكار الديمقراطية والعلمانية، والحرية وسيادة الشعب، مما أفضى إلى وجود تصور عام عند كثير من المسلمين أن الإسلام يستحيل أن يعود نظام حياة، ويستحيل أن تعود الخلافة، فكان نتاج ذلك كله تغشية على فهم الفكرة الإسلامية برمتها، عقيدة، ونظام حياة، لذلك كان من الضروري توصيف القضية بهذه الصورة الشاملة (الفكرة) ليوضع الحل شاملا متناسبا مع حجم الصورة.
فكان من الضرورة بمكان أن يتم تحديد الفكرة الإسلامية، وما يلزم لإعادة الصفاء (ربط كل فكر أو حكم أو رأي بالدليل عليه من الكتاب والسنة أي ربطه بما جاء به الوحي) والنقاء (أي إبعاد كل فكر أو حكم أو رأي ليس من الفكرة الإسلامية (ليس مما له دليل شرعي) عن الفكرة الإسلامية، فتزيل من الفكرة الإسلامية من قواعدها، وعقائدها، وأصولها، وأحكامها وآرائها ما علق بها من الشوائب وما ألحق بها من أفكار في العصر الهابط أو جراء الغزو الفكري والتبشيري، أو جراء قيام المدارس التوفيقية والعقلانية التي تلوي أعناق النصوص وتفسر الإسلام تفسيرا يتناسب مع الواقع بدلا من تغيير الواقع بأفكار الإسلام)، والبلورة لمفاهيمها، (أي حسن تصور الفكرة الإسلامية في الأذهان، فيكون الفكر ناتجا عن إحساس وأن يتبلور هذا الفكر بحيث يرسم المخطط الهندسي للفكرة والطريقة في الذهن، فيدرك الإنسان المبدأ إدراكا صحيحا يؤدي إلى العمل، فيحدث الفكر فيه انقلابا كاملا، فيسير الفكر حينئذ متجسدا في تهيئة الأشخاص والمجتمعات، ويُسَيِّر الأجواء بهذا الفكر فيحدث الانقلاب المطلوب في الرأي العام)[2].
ومن ثم فإنه يلزم للحزب وهو يدرس إنهاض المسلمين على أساس الإسلام أن يحدد ويقيس مقومات وجود المبدأ في الفرد والمجتمع والدولة، وتطبيق المبدأ على صعيد الفرد والمجتمع والدولة، وحمل المبدأ للآخرين على الصُّعُدِ ذاتها.
فبمقدار ما يتجلى وجود المبدأ (اي العقيدة والنظام المنبثق عنها، أو المبني عليها) في حياة الفرد والمجتمع والدولة بقدر ما ترتقي وتنهض، فتضبط كل سلوك، وكل معاملة، وتأخذ كل عقيدة من المبدأ، وبمقدار ما تطبق المبدأ في الحياة، بقدر ما تنهض، فلا تكون أفكار الإسلام في النفوس أفكارا فلسفية لا أثر لها في الواقع، ولا تخلطه بغيره، وبمقدار ما تحمل المبدأ للآخرين يتجلى أن يكون المبدأ مدار حياة المسلم والدولة ومركز تنبهه وثقلها، فهذه عوامل ثلاثة تبين مقياس أو مقدار الرقي والنهوض، ويقابلها مقياس مدى التخلف والانحطاط.
فالانحطاط نوعان قد ينتج أحدهما عن الآخر: انحطاط فكري بأن يخلو المرء من المبدأ المسير لأعماله في الحياة، أو أن يصدر في تصرفاته عن غير ما يعتقد، أو أن ينحط وينحدر عن المكانة اللائقة به، مكانة الإنسان المكرم، والأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس، أمة قائدة للأمم حاملة لرسالتها، فهذان هما نوعا الانحطاط، ولا شك أن حجر الزاوية في البحث هو الفكرة والطريقة!
ثم إن نهضة الإنسان، ونهضة المجتمعات تبدأ بتغيير منظومة الأفكار لديها، فالإنسان ينهض بالفكر، وتحديدا بالفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة، أي بالعقيدة، لتنبثق منها أو تبنى عليها المعالجات التي تصقل سلوك الإنسان، (طريقة تطبيق الفكرة في الواقع) فيكون ناهضا في سلوكه المبني على فكره، لذلك كانت الفكرة والطريقة حجر الزاوية في بحث النهضة، ذلك البحث الذي يلزم المسلمين اليوم لزوم الماء للحياة! لكثرة ما علق في أذهانهم من تلويثٍ عبر العصور وبالتالي اتساع الفجوة بين بعض المسلمين وبين فهم الإسلام بشكل صافٍ ونقي!.
كما أن الحزب نظر في طريقة تطبيق الفكرة الإسلامية لدى حركات التغيير التي سبقته، فحدد أيضا:
[1] مفاهيم حزب التحرير: منشورات حزب التحرير، القدس، ط5، 1372هـ – 1953م، ص 2ـ4
[2] فالإسلام شجرة أنبتت العقيدةُ الإسلاميةُ بذرتها وأنبتتها، وجعلت أحكام الإسلام التي تعالج مشاكل الحياة، وأفكاره عن الحياة جذور هذه الشجرة، وجعلت الجذع الباسق من هذه الجذور: الحكم والسلطان، وكانت فروعها القوية وأغصانها النضرة هي خوض الأمة معارك الحياة الإسلامية وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، فكان لا بد من أربعة أعمال لإعادة شجرة الإسلام باسقة قوية نضرة:
أولها: كسر الجذور اليابسة، بتحطيم المفاهيم المغلوطة، مثل قاعدة “حيثما تكون المصلحة فثم شرع الله” وتسفيه أفكار الديمقراطية والعلمانية وأشباهها، فكل فكر يراد إحلاله محل الفكر الإسلامي أو يراد تشويه الإسلام به ينقض ويكسر.
وثانيها: إزالة الأتربة الفاسدة والغبار عن الجذور الضامرة، لإنعاشها بالضوء والغذاء الذي يعيد لها الحياة، وذلك بربط الأفكار والأحكام بالعقيدة الإسلامية وبيان انبثاقها من القرآن والسنة. فربطها يكون ببيان علاقتها بالإيمان وعلاقة طاعة الله ومعصيته بالعقيدة وأن الحلال ما أحل الله والحرام ما حرمه. وأما بيان انبثاقها عن الكتاب والسنة فإنما يكون بالإتيان بالدليل الشرعي لكل فكر ولكل حكم.
وثالثها: بسقي الشجرة وتغذيتها: وذلك بتنزيل الأفكار على الوقائع الجارية والمشاكل اليومية فإن هذا هو الذي يحيي الأفكار والأحكام وبغيره تبقى أفكارا ميتة لا حياة فيها فسقيها هو جعل الوقائع الحية تعالج بأفكار الإسلام وأحكامه فيكون هذا هو الماء الذي يحييها!
ورابعا: بعزق وحرث ما حولها، وذلك يكون بالإتصال الجماهيري بالأفكار والأحكام، فالكفاح السياسي والصراع الفكري، والحديث في الأمكنة العامة بجرأة وبدون تحفظ يقلب البلد، فيخفي الأفكار والأعراف الموجودة ويضع مكانها أفكارا وأعرافا أخرى وهذا هو عزق الشجرة وحرثها، وينشئ الرأي العام فيها ويجعلها تنقاد للحزب نحو التغيير.