هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟ – السلطان
هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
(الحلقة العاشرة- السلطان)
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا
السلطان:
ومعنى السلطان: من له ولاية التحكم والسيطرة في الدولة، فإن الحكم والملك والسلطان بمعنى واحد، وهو السلطة التي تنفذ الأحكام، قال في القاموس المحيط: “أقر بالملوكة بالضم بالملك والملك بالضم ويؤنث والعظمة والسلطان”، وقال في موضع آخر: “والسلطان الحجة وقدرة الملك”، وقال في موضع ثالث: “الحكم بالضم: القضاء، جَمعُه أحكام وقد حكم عليه بالأمر حكماً وحكومة وبينهم كذلك والحاكم منفذ الحكم”. وهذا يعني أن الحكم لغة القضاء، والحاكم لغة منفذ الحكم، والمراد من الحكم في هذه المادة هو الحكم اصطلاحاً بمعنى تنفيذ الأحكام أي الملك والسلطان وقدرة الملك. أو بتعبير آخر الحكم هو عمل الإمارة التي أوجبها الشرع على المسلمين.[1] والحكم هو ما يقوم به الخليفة وأمراؤه من ولاة وعمال من رعاية شؤون الناس بتنفيذ أحكام الشرع وتنفيذ أحكام القضاة[2]، والسلطان لا يتحقق إلا بأمرين:[3]
أحدهما: رعاية المصالح، أي مصالح الناس عامة، (نظام الحكم، وأنظمة الدولة) بأحكام معينة،
وثانيهما: القوة التي تحمي الرعية، وتنفذ الأحكام، أي الأمان.
ومن هنا جاء اشتراط الشرطين المذكورين في تعريف دار الإسلام.
أما رعاية مصالح الناس عامة (نظام الحكم، وأنظمة الدولة) بأحكام معينة. فقد ثبت بما لا يدعُ مجالاً للشك أن السلطة هي التصرف في مصالح الناس، ومصالح الناس تتحدد قطعاً حسب وجهة نظرهم في الحياة، فما يرونه من أعمال وأشياء مصلحة لهم يعتبرونه مصلحة، وما لا يرونه مصلحة يرفضون أن يعتبرونه مصلحة، فالمصلحة إنما تكون من حيث النظرة إليها لا من حيث واقعها فقط، فالموت في سبيل الله (الاستشهاد) يراه المسلم أنه مصلحة مع أنه موت [أي الموت ليس مصلحة في ذاته]، والربا عند المسلم لا يراه مصلحة مع أنه كسب مال [كسب المال هو مصلحة في ذاته]، فوجهة النظر في الحياة حددت طبيعة الشيء بأنه مصلحة أو مفسدة، فالكذب مفسدة ولكنه في الحرب مصلحة، مع أن واقعه أنه كذب لم يختلف في الحالتين، وإنما اختلفت النظرة إليه بحسب وجهة النظر في الحياة، فالمصالح هي قطعاً حسب وجهة النظر في الحياة، فمن يريد أن يأخذ السلطة إنما يعني أنه يريد التصرف في مصالح الناس، فلا بد أن يأخذ هو وجهة نظر الناس وحينئذ يتصرف في مصالحهم حسب وجهة نظرهم، وإما أن يعطيهم وجهة نظره في الحياة فيقنعهم بها ثم يتصرف في مصالحهم، أو أن يجبرهم على رؤيته كما في أنظمة الإستبداد، وفي الحالتين الأولى والثانية إنما جعل النظرة إلى الحياة أساساً في أخذ التصرف في مصالح الناس، أي أساساً في أخذ السلطة، بناء على رضا الطرفين، وفي الحالة الثالثة اختلفت فقط بفرض وجهة النظر لدى الحاكم على الناس فرضا، وبقيت هي الزاوية التي من خلالها تؤخذ السلطة، وعليه فإن النظرة إلى الحياة هي الأساس في أخذ السلطة، لذلك كان لزاما العمل على تغيير النظرة إلى الحياة إن خالفت تلك النظرةُ الإسلامَ، وإقناع الناس باتخاذ العقيدة الإسلامية أساسا في نظرتهم إلى الحياة وإلى مصالحهم، فحيثما كان الشرع فثم المصلحة، وأن يتحول الرأي العام في المجتمع لاتخاذ هذه النظرة أساسا للحكم فيؤخذ الحكم ممن لا يقيمونه على أساس هذه النظرة، من هنا فاستئناف الحياة الإسلامية يقتضي أن تتحول النظرة إلى المصالح والأفعال والشؤون إلى زاوية الإسلام فتتخذ هي الزاوية التي يحكم بها على المصالح وترعى الشؤون على أساسها، لذلك كان عمل الحزب المركزي تغيير المفاهيم والقناعات والمقاييس التي لدى المجتمع لإقامة الدولة على أساس مفاهيم ومقاييس وقناعات إسلامية، يقيم السلطان على أساسها وتحل محل ما يخالف الإسلام في الواقع.[4]
ثم إنه بالنسبة لتطبيق أحكام الإسلام وعدم تطبيق أحكام الكفر فإن دليله ما ورد في حديث عوف بن مالك في شرار الأئمة حيث جاء «قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة» وما ورد في حديث عبادة بن الصامت في البيعة «وأن لا ننازع الأمر أهله إلاّ أن تروا كفراً بواحاً» ووقع عند الطبراني «كفراً صراحاً» ووقع في رواية «إلاّ أن تكون معصية الله بواحاً» وفي رواية أحمد «ما لم يأمرك بإثم بواحاً» فإنها تدل على أن الحكم بغير الإسلام مثل عدم إقامة أركان الدين في البلاد ومثل عدم اتباع أوامر الله من الحاكم ومثل أمر الحاكم بغير ما أمر به الله يعتبر مما يوجِب حمل السيف في وجه الحاكم، وهذا دليل على أن تطبيق أحكام الإسلام شرط من شروط دار الإسلام وإلاّ وجب القتال وحمل السيف[5].
وأما ثانيهما: أي ثاني الأمرين الذي لا يتحقق السلطان إلا بهما: القوة التي تحمي الرعية، وتنفذ الأحكام، أي وجود الأمان،
[1] مقدمة الدستور أو الأسباب الموجبة له، شرح المادة 15.
[2] مقدمة الدستور أو الأسباب الموجبة له، شرح المادة 15.
[3] مقدمة الدستور، أو الأسباب الموجبة له، أحكام عامة.
[4] أنظر مجموعة النشرات التكتلية، ص 137 بتصرف.
[5] مقدمة الدستور، أو الأسباب الموجبة له، أحكام عامة. أنظر تفاصيل أكثر للمسألة في فصل مسألة الخروج على الحاكم هل تنسخ أحكام الطريقة؟