هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟ – أدلة وجوب طلب النصرة
هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
(الحلقة الثامنة والعشرون – القسم الأول – أدلة وجوب طلب النصرة)
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا
أدلة وجوب طلب النصرة:
أما الأدلة على حكم “طلب النصرة” وأنه من أعمال مرحلة التفاعل وحكمه الوجوب فمنها:
- قال الشيخ النبهاني بأن دليله على سلوك مبدأ “طلب النصرة” هو من السيرة النبوية واتصال الرسول ﷺ بالقبائل والزعماء لأخذ حمايتهم في الدعوة وتمكينه من إقامة الدولة الإسلامية. (أي أن الدليل من فعل الرسول ﷺ)، “وفعل الرسول ﷺ أصوليا ينظر إليه على أنه قسم من السنة، (كقوله وتقريره ﷺ) ومن الأدلة الشرعية الدالة على الحكم الشرعي، (أدلة الأحكام[1]) والمفيدة له، (أي التي يستنبط منها الحكم الشرعي) فكان موقع مباحث الأفعال ضمن مباحث الأدلة، وتذكر الأفعال أيضا أصوليا ضمن مباحث الإجمال والبيان والمبين، ونحوها من مباحث الدلالة، لبيان كيفية البيان بها، (وتذكر الأفعال أيضا في مباحث التعارض والترجيح، وفي أبحاث القياس[2])” فالفعل محل للتأسي كما أسلفنا، وهو هنا بيان يأخذ حكم المبين، وهو الفرض لعدم وجود قرينة تصرفه عن الفرض.
- أمرنا الله تعالى بالتأسي بالرسول ﷺ في قوله تعالى: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ *يوسف 108″ فهذه الآية تفيد بدلالة الإشارة عدم جواز مخالفة طريقته ﷺ في الدعوة، وبالتالي فإننا إن لم نتبع طريقته ﷺ في دعوته وإيجاد دولته نكون قد خالفناها وتعديناها إلى غيرها.
- وفي السيرة النبوية لابن كثير، وأخرجه الحاكم وفي دلائل النبوة للبيهقي بإسناد حسن: ” أغرب من ذلك وأطول ما رواه أبو نعيم والحاكم والبيهقي، والسياق لأبي نعيم رحمهم الله، من حديث أبان بن عبد الله البجلي، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، حدثني علي بن أبي طالب، قال: «لما أمر اللهُ رسولَهُ أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه وأبو بكر إلى منى، حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب.».
فالنص يقول: لما أمر الله رسوله أن يعرض نفسه على قبائل العرب، فهو أمر من الله إذن، أي حكم شرعي.
- لقد كرر ﷺ عرض نفسه على القبائل بقصد طلب النصرة والحماية منها، فعرض الرسول ﷺ طلب النُّصْرَة[3] والحماية والـمَنَعَة[4] من كل من: ثقيف في الطائف، بني عامر بن صعصعة، وغسان، وبني فزارة، وبني مرة، وبني حنيفة، وبني سليم، وبني عبس، وبني نصر من هوازن، وثعلبة بن العكاية، وكندة، وكلب، وبني الحارث بن كعب، وبني عذرة، وقيس بن الخطيم، وأبي اليسر أنس بن أبي رافع، وبني محارب، والحضارمة، وبني البكاء.[5] ثم الأوس والخزرج.
- وأيضا للتدليل على أن الحكم هو الفرض، فقد قال العالم عطاء بن أبي الرشتة[6]: ” القرائن المبينة لنوع الطلب: القرينة لغة هي من قرن الشيء أي جمعه وصاحبه. وهي هنا كل ما يبين نوع الطلب ويحدد معناه إذا ما جمع إليه وصاحبه. والقرينة ثلاثة أصناف: أولا التي تفيد الجزم. ج. ما كان فيها بيان من قول أو فعل بضرورة الالتزام بها مع المشقة دون استبدال بغيرها. ﴿كتب عليكم القتال وهو كره لكم﴾ البقرة 216 [ومثله: قال ﷺ «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كلّ صلاة»[7]، ووجه الاستدلال أن الرسول ﷺ لو أمر المسلمين بالسواك عند كلّ صلاة مع ما فيه من مشقة لفهموه فرضاً والتزموه، فلم يأمرهم الرسول ﷺ به عند كلّ صلاة خشية المشقة عليهم، أي أن الفعل الذي مشقة تنفيذه ظاهرة إذا أمر الرسول ﷺ به يكون هذا الأمر فرضاً[8]]. وبعد أن يذكر أبو الرشتة بعضا من أحاديث النصرة، يقول:
وكذلك طلب رسول الله ﷺ نصرة بني شيبان فأجابوه واستثنوا أن يقاتلوا معه الفرس لاعتبارات ذكروها، فلما أعلمهم الرسول ﷺ أن المطلوب نصرة الإسلام وتبليغه للناس كافة أبوا ذلك.
واستمر الرسول ﷺ يطلب نصرة القبائل دون أن يغيرها بطريقة أخرى رغم الردود الصعبة التي حدثت، ورغم الأذى الشديد في بعضها[9] الذي أصاب الرسول ﷺ في جسمه الشريف[10]، وبقي على ذلك إلى أن نصره الله باستجابة الأنصار له، وكانت بيعة العقبة الأولى والثانية والهجرة إلى المدينة وإقامة الدولة.” انتهى كلام أبي الرشتة.
فالتزام الرسول ﷺ طريقة معينة لإقامة الدولة وهي طلب النصرة، وتكبد الرسول ﷺ في سبيل ذلك المشاق [مع وجود الأذى] دون أن يغير هذه الطريقة يدل على أن طلب النصرة لإقامة الدولة فرض وأي فرض!
يقول الأستاذ محمد حسين عبد الله بأن القرينة على كون طلب النصرة فرض هو استمرار الرسول ﷺ في طلبها رغم ما تحمله من مشقة وأذى، فقد بدأ يطلبها في السنة الثامنة للبعثة، واستمر في طلبها حتى حصل عليها في السنة الثانية عشرة للبعثة، غير مكترث بالأذى الذي لقيه في الطائف، ولا بالصد الذي واجهته به بعض القبائل.[11]
قال الدكتور الأشقر: علامات معرفة الواجب من الأفعال النبوية: 2) أن يكون الفعل ورد بيانا لأمر واجب، مثل فعله ﷺ لأعداد الركعات في الصلاة بيانا للآية الكريمة: ﴿وأقيموا الصلاة﴾ ، 3) المداومة على الفعل من غير نقل تركه له (ذكر الأشقر أن هذه العلامة مختلف فيها) [12] انتهى أقول: فإذا جمعنا إلى المداومة على الفعل (عشرين مرة، على مدار ثلاث سنوات داوم عليه حتى حصلت له النصرة) حصول الأذى والمشقة، والبدائل(مثل البدائل التي عرضتها عليه قريش، وهي سهلة ظاهرا، لكنها تتطلب تنازلا، مثل أن يكون ملكا، وكما هو معلوم، فإن العرب تطيع ملوكها، وكان بإمكانه بعد أن ينصبوه عليهم أن يأمرهم بالإسلام، ولكنه لم يسلك هذه السبيل، وعرضوا عليه أن يعبدوا الله سنة ويعبد آلهتهم سنة، وكان بالإمكان أن يراهن على حلاوة الإيمان إذ تلمس قلوبهم، فلا يعودوا للشرك، وغير ذلك،ومثل أن يقبل من بني شيبان أن ينصروه من قبل العرب أولا دون الفرس، ثم بعد أن يتغلغل الدين في قلوبهم فإنه من السهل أن يحولهم عن رأيهم في حرب الفرس، ولكنه أبى إلا أن يتم الأمر على نحو معين) وكونه لم ينصرف عن الفعل لغيره من البدائل، وداوم عليه وتحمل المشقة في القيام به فهذه لا شك قرينة ترفع الحكم ليصل إلى الوجوب.
[1] روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه… فجاء رسول الله ﷺ فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني». فعد الرسول ﷺ جملة من الأفعال ونص على أنها سنة وأنها واجبة الاتباع.
[2] أفعال الرسول ﷺ ودلالتها على الأحكام الشرعية للدكتور الأشقر الجزء الأول ص 57-58. بتصرف يسير.
[3] جاء في لسان العرب: النَّصر: إِعانة المظلوم؛ نصَره على عدوّه ينصُره ونصَره ينصُره نصْراً، والاسم النُّصْرة؛ والنَّصِير: النَّاصِر؛ والنُّصْرة حُسْن المَعُونة. قال الله عز وجل: ﴿من كان يَظُنّ أَن لَنْ ينصُره الله في الدنيا والآخرة﴾ الحج 15؛ المعنى من ظن من الكفار أَن الله لا يُظْهِر محمداً ﷺ، على مَنْ خالفَه فليَخْتَنِق غَيظاً حتى يموت كَمَداً، فإِن الله عز وجل يُظهره، ولا يَنفعه غيظه وموته حَنَقاً، فالهاء في قوله أَن لن يَنْصُرَه للنبيّ محمد ﷺ، انتهى (ملاحظة: هذه الآية 15 من سورة الحج مكية، فهي بشارة من الله تعالى لنبيه ﷺ بالنصر والتمكين، حيث أن سورة الحج مكية إلا أربع آيات منها من الآية 19- 22 فهي مدنية).
[4] جاء في لسان العرب: مَنِيعٌ: لا يُخْلَصُ إِليه في قوم مُنَعاءَ، والاسم المَنَعةُ والمَنْعةُ والمِنْعةُ. ابن الأَعرابي: رجل مَنُوعٌ يَمْنَع غيره، ورجل مَنِعٌ يمنع نفسه، قال: والمَنِيعُ أَيضاً الممتنِعُ، والمَنُوع الذي منع غيره؛ … مَنْعةٌ أَي قوَّة تمنع من يريدهم بسوء
[5] انظر:محمد رضا: محمد رسول الله ﷺ، ص134ومحمد بن عبد الله المسعري: طلب النصرة وإقامة الدولة، وهي تأصيل شرعي مفصل لماهية المَنَعَة والنُّصرة واللازمة شرعاً لإقامة الدولةـ ص18 والكتاب منشور على الإنترنت. أحمد المحمود: الدعوة إلى الإسلام، ج1، ص 92 نقلاً عن طبقات ابن سعد.
[6] تيسير الوصول إلى الأصول، عطاء أبو الرشتة، الجزء الأول ص 19-20
[7] البخاري: الجمعة 838، التمني 6699، مسلم: الطهارة 370، أبو داود: الطهارة 43، النسائي: الطهارة 7، ابن ماجة: الطاهرة 283، مسند أحمد: 573، 921، 7037، موطأ مالك: الطهارة 132، الدارمي: الصلاة 1447.
[8] شيْءٌ مِنَ الفِقهِ في اللُّغَةِ والأَحْكَامِ، القرائن المبينة لنوع الطلب، مجلة الوعي – العدد (192) – السنة السابعة عشرة – محرّم 1424هـ – آذار 2003م
[9] مثال ذلك: طلبها من ثقيف فردوه رداً سيئاً وأدموا قدميه الشريفتين ﷺ. وكره رسول الله ﷺ أن يبلغ قومه عنه، فيذئرهم ذلك عليه. (يذئرهم: يثيرهم ويجرؤهم). فلم يفعلوا، وأغروا به سفهاءهم، وعبيدهم، يسبونه، ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، … إلخ القصة]. » قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أصحابنا عن عبد الله بن مالك أن رسول الله ﷺ أتى بني حنيفة في منازلهم، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فلم يكن أحد من العرب أقبح عليه رداً منهم.
[10] أخرج البخاري: حدثني عروة أن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي ﷺ ، حدثته أنها قالت للنبي ﷺ: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟! قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب»
[11] محمد حسين عبد الله: الطريقة الشرعية لاستئناف الحياة الشرعية، دار النهضة الإسلامية، ط1، 1421هـ = 2000م، ص89
[12] أفعال الرسول ﷺ ودلالتها على الأحكام الشرعية للدكتور الأشقر.