الخلافة والمهدي!!
الخلافة والمهدي!!
يقول البعض ممن غابت عنه حقيقة الإسلام وطبيعة أحكامه بأن “الخلافة لن تأتي إلا على يد الإمام المهدي ولا تحتاج عملا”، وفي الحقيقة فإن هذا المفهوم هو مفهوم هدام ومضللٌ أقعد الكثيرين عن العمل لإقامة فرض الخلافة، فأوقعهم في الإثم، وحقق هدف الكافرين في تأخير إقامة الخلافة وتمكين العلمانية في بلاد المسلمين، وللرد على ذلك أقول وبالله التوفيق:
1- إن العمل لإقامة الدولة الإسلامية؛ دولة الخلافة التي هي الكيان التنفيذي لأحكام الإسلام، وهي رئاسة عامة لجميع المسلمين للحكم بالإسلام داخلياً وحمله للعالم بالدعوة والجهاد، إنما هو عمل لفرض عظيم ثبتت فرضيته في الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ولم يقل أحد خلاف ذلك كما يقول الإمام القرطبي رحمه الله إلاَّ الأصم فإنه كان عن الشريعة أصم، والفرض لا بد له من طريقة عمل وإلا كان الإنسان آثما، فالفرض في الشرع لا يُنتظر حصوله بل يُعمل له كما أمر الشرع والنتائج بيد الله سبحانه.
2- طريقة الفرض تكون من الشرع بالكيفية الثابتة لكيفية أدائه، فأداء الزكاة مثلا يعني إخراج 2.5% من المال بعد بلوغ النصاب ومرور الحول عليه، وإقامة الصلاة هي الكيفية التي نقيم فيها الصلاة، وفرض إقامة الخلافة طريقته مبينة في الشرع وهي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامته لدولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة.
3- هذا الفرض لا يقوم بطريقة غير طريقته الشرعية؛ فمن صلى وصام وحج وأدى الزكاة فقد أسقط هذه الفروض من عنقه، أما هذا الفرض فلا، فكما لا يغني إخراج الزكاة عن الصلاة، فأيضا لا يغني أداء جميع الفروض عن إقامة الخلافة إلا بطريقتها الشرعية، وأيضا فكما أن الجهاد لا يغني عن الصلاة فالجهاد أيضا لا يغني عن إقامة الخلافة.
4- الطريقة الشرعية للخلافة هي طريقة الرسول في إقامة دار الإسلام في المدينة المنورة، ومن ملك دليلا على غير هذه الطريقة للعمل فليأتِ به، على شرط أن تكون الطريقة من الكتاب والسنة وليست بحسب الأهواء، ومن قال الخلافة فرض فقد لزمته الحجة بالعمل لها.
5- الخلافة عندما تقوم ستقوم في قطر واحد ثم تبدأ بالتوسع ولن تقوم مرة واحدة في جميع الأقطار، وهي دولة تطبق الشرع وتحمله للعالم، مهما كان اسمها أو لقب حاكمها، فالمشكلة ليست في تسميتها أو تسمية حاكمها، فليكن خليفةً أو رئيساً أو إماماً أو أميراً للمؤمنين، فالعبرة بمنهج الحكم وأنظمة الحياة وتحقق الشروط الشرعية في القطر الذي تقام فيه الدولة الإسلامية.
6- الخلافة لن تنزل على أجنحة الملائكة، بل سيوجد أناس يقومون بإقامتها وهي قضية أمة وليست حقاً إلهياً لشخصٍ معين، وهذا يعني أن العمل للخلافة واجب وضروري.
7- الإمام المهدي إن كان هو من يقيم الخلافة، فهو شخص ولن يطبع على جبينه أنه الخليفة ولن يعلم الناس أنه هو المعني بالأمر إلا حين حكمه بالإسلام وإحسانه في تطبيقه بما يحقق العدل الذي يرفع الجور، والناس لن تنقاد له هكذا، فالناس كذبت من هو خير منه رسولنا الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم ، وهو ليس بأكرم على الله من الرسول، بل لا بد من أن يكون هناك وعي عند الأمة وتلاحم أهل القوة والمنعة لنصرته.
8- لم يعلق الشرع أحكام الإسلام بوجود شخص معين فهذا تعطيل للدين والشريعة، كأن نقول إن إقامة فرض الخلافة وتطبيق الدين متعلق بظهور المهدي أما قبل ذلك فهي ليست فروضاً!! لذلك نحن نعمل للفرض حتى نبرئ أنفسنا من الإثم، حتى لو كان الإمام المهدي هو من سيقيمها، فنحن معنيون بالعمل لها وليس بالبحث عن المهدي، فقضيتنا ليست بحثاً عن شخص يصلح للخلافة وهي لم تقم بعد، القضية بناء دولة ونهضة أمة فهل هذه الأفكار الاتكالية تنهض أمة بالله عليكم؟!!!.
9- إن التواكل على الغيب وترك العمل المطلوب شرعاً لا يجوز في الإسلام، وما أهلك المسلمين إلا القدرية الغيبية التي جعلتهم يتقاعسون عن القيام بما يجب عليهم، فهل أصبح تفكيرنا كحال السطحيين والدراويش؟! ألم تكن هذه الأفكار غير المسئولة هي التي ساهمت في القضاء على الخلافة العثمانية؟!!
10- كما أن المقرر في الأصول أن أحاديث الإخبار إن لم تتضمن قرينة تفيد الطلب فإنها تبقى لمجرد الإخبار ولا يلزم منها القيام بعمل، وما صح من أحاديث المهدي لم تتضمن أية قرينة تفيد الطلب اللهم إلا اتباع المهدي وطاعته وهذا أمر مرهون بظهوره.
11- هناك أحاديث عن الرسول الكريم تبين أن المهدي سيأتي بعد موت خليفة وهذا يعني أن الخلافة تكون قائمة قبل المهدي وأنه ليس هو من يقيمها بادئ الأمر، فقد روت أم سَلَمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «يَكُونُ اخْتِلَافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَيَأْتِي مَكَّةَ، فَيَسْتَخْرِجُهُ النَّاسُ مِنْ بَيْتِهِ وَهُوَ كَارِهٌ فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، فَيُجَهَّزُ إِلَيْهِ جَيْشٌ مِنَ الشَّامِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ، فَيَأْتِيهِ عَصَائِبُ الْعِرَاقِ وَأَبْدَالُ الشَّامِ، وَيَنْشَأُ رَجُلٌ بِالشَّامِ، وَأَخْوَالُهُ كَلْبٌ فَيُجَهَّزُ إِلَيْهِ جَيْشٌ، فَيَهْزِمُهُمُ اللَّهُ، فَتَكُونُ الدَّبْرَةُ عَلَيْهِمْ، فَذَلِكَ يَوْمُ كَلْبٍ، الْخَائِبُ: مَنْ خَابَ مِنْ غَنِيمَةِ كَلْبٍ، فَيَسْتَفْتِحُ الْكُنُوزَ، وَيُقِسِّمُ الْأَمْوَالَ، وَيُلْقِي الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ إِلَى الْأَرْضِ، فَيَعِيشُ بِذَلِكَ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ قَالَ: تِسْعَ سِنِينَ». رواه الطبراني في الأوسط، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، وقال (رجاله رجال الصحيح) وهذا الحديث يتفق رواةُ الحديث وشُرَّاحُه على أن الخليفة المذكور في هذا الحديث هو المهدي. ففي أول الحديث يقول «اخْتِلَافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ»، وهذا يعني أن الخلافة قائمة قبل ظهور الإمام المهدي.
إن كلمة “خليفة” في الحديث السابق… لها مصطلح شرعي لا تنصرف عنه إلا بقرينة، وهذا المصطلح الشرعي يجعل معنى الخليفة بأنه هو الحاكم الذي يتولى الرئاسة العامة على جميع المسلمين ببيعة شرعية منهم على الحكم بالإسلام وحمله للعالم بالدعوة والجهاد. وليس صحيحا ما يروج له البعض من أن موت الخليفة معناه موت حاكم من حكام اليوم الذين لا يحكمون بالإسلام وليس لهم بيعة شرعية ولا رئاسة عامة على المسلمين.
12- الانتظار يؤخر ظهور الخلافة ويعطي آلاف الفرص للظالمين والكافرين للنيل من الإسلام وأهله، ولذلك يدعم الكفار والمنافقون والظالمون فكرة أن الخلافة لن تكون إلا في عهد المهدي، وهذا مفهوم مخدر ومضلل خدر الكثير من المسلمين شيعة وسنة!!
فالشيعة ينتظرون خروجه من السرداب وبعض السنة ينتظرون ظهوره بين الركن والمقام!!!، لذلك من جلس عن العمل لهذا الفرض فهو يحقق للكفار – من حيث علم أم لم يعلم – خدمة طالما عملوا على تكريسها بين المسلمين، وهو يساهم في القول بصحة مقولتهم أن العلمانية هي الحل، بل يساير أقوالهم في أن الخلافة دولة دينية ومنصبها إلهي!!
ولقد وردت أحاديث نبوية مفادها أن الخلافة ستكون على منهاج النبوة وأنها ستقوم بإذن الله وهي توجب التصديق. ومن هذه الأحاديث:
1- عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا…» رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه. قول الحديث: «وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا» لم يتحقق حتى الآن، إذ لم يملك المسلمون مشارق الأرض ومغاربها بعد، وسيكون هذا في المستقبل، وهو يشير إلى قيام دولة للمسلمين لفتح الأرض مشارقها ومغاربها.
2- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ البَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» رواه أبو داود. قوله: «حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» معناه حتى تعودوا إلى العمل به وتحكيمه في شؤون حياتكم، فهو بشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المسلمين سيعودون إلى دينهم بعد أن يكونوا قد تركوا تحكيمه.
3- عن أبي قبيل قال: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي، وَسُئِلَ: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا: الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بِصُنْدُوقٍ لَهُ حَلَقٌ، قَالَ: فَأَخْرَجَ مِنْهُ كِتَابًا، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَكْتُبُ، إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا: قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ» رواه أحمد. فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن فتح المدينتين القسطنطينية ورومية – وهي روما عاصمة إيطاليا – لم ينف فتح رومية بل قال إن القسطنطينية تفتح أولاً، وهذا يدل على أن رومية ستفتح بعدها، وحيث إن رومية – روما – لم يفتحها المسلمون حتى اليوم، فإن هذا الحديث بشارة على أن المسلمين سيفتحون عاصمة إيطاليا، ولا يتصور أن يفتحها المسلمون دون عودة الخلافة التي تستأنف الجهاد في سبيل الله وفتح البلدان.
4- عن النعمان بن بشير عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ». فهذا الحديث يبين أن الخلافة ستقوم بعد الملك العاض والجبري، وأنها ستكون على منهاج النبوة، أي أنها وُصفت بنفس ما وصفت به الخلافة أيام الخلفاء الراشدين، فستكون بإذن الله خلافة راشدة على منهاج النبوة.
فالخلافة فرض شرعاً وكانت واقعاً وملأت جنبات التاريخ، والغرب يخشى عودتها ويحاول تأخيرها، وكيف تتنبه مراكز الأبحاث الغربية بقربها وأن الأمة سائرة في طريقها بينما المسلمون غافلون أو أصابهم الإحباط… فالله الله أن نقعد عن العمل فنهلك عن بينة!!
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب…
ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد…
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المؤمن الزيلعي
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن