إقامة الدولة في ظل قانون السببية:عناصر القوة لدى الأمة الإسلامية، العنصر الثاني: الأمة الإسلامية، العنصر البشري، الثروات، البعد الجغرافي، الموقع الاستراتيجي، الترابط الحضاري
إقامة الدولة في ظل قانون السببية
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
(الجزء العشرون: عناصر القوة لدى الأمة الإسلامية
العنصر الثاني: الأمة الإسلامية، العنصر البشري، الثروات، البعد الجغرافي، الموقع الاستراتيجي، الترابط الحضاري)
لقد جرت محاولات لتفتيت الأمة بغية إضعافها، فجرى ترسيم الحدود بعد تقسيم الدولة العثمانية، وجرى نشر الفكر الوطني (الأردن أولا، مصر للمصريين،… الخ) بحيث تتفتت الأمة، وتقدس أعلامها التي فصلها الغرب لها وتقدس الحدود التي تفصلها عن بعضها، وفكرة القومية التي تقسم الأمة إلى عربي وفارسي وتركي وكردي… الخ، فيسهل إثارة النعرات بينها، والتقسيم الطائفي البغيض الذي يستثمر هذه الأيام: سنة، شيعة، زيدية، …
وهكذا فإن عنصر قوة الأمة يكمن في أنها: أمة واحدة من دون الأمم، ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾، متى؟ ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾، وأيضا ماذا؟ بالشهادة على الأمم أي بحمل رسالة الإسلام والقوامة على البشرية. فمن طبيعة الأمة الإسلامية أنها أمة تتوسع وتضم الشعوب الأخرى لتصهرها في بوتقة الأمة الإسلامية وعقيدتها، فمن العنصر البشري أن الأمة الإسلامية تفوق المليار وسبعمائة مليون، وهذا تعداد رهيب وقوة لا يستهان بها إن لم يكن هذا العدد غثاء كغثاء السيل، وطريقة أن لا يكون غثاء هو أن يكون هو السيل، وحتى يكون هو السيل لا بد أن تتوحد الأمة في كيان مخلص!
وكما تعلم، فإن هذه الأمة تعتقد العقيدة ذاتها، تلك العقيدة الحية التي تكلمنا عنها في النقطة الأولى، مما يسهل على الأمة أن تنفض عن نفسها غبار التقسيم والفرقة، فكل ما تحتاجه هو الوعي على ضرورة الوحدة، وأن سبيل نهضتها هي باتباع منهج ربها، وطريقة حصول هذا هو حمل الدعوة للأمة من خلال الأحزاب السياسية التي تزرع هذه الأفكار في الأمة، ولذلك فقد أجرت بعض مراكز الأبحاث الغربية استفتاءات في دول مختلفة من العالم الإسلامي منها المغرب وباكستان ومصر وكانت الأسئلة تتمحور حول الوحدة الإسلامية، وتطبيق الشريعة، وكانت النتائج مبشرة بكل خير تتراوح النسب بين الستين بالمائة ومنتصف التسعين بالمائة، لذلك فالأمة تدرك وتتطلع إلى وحدتها. والأمة تدرك خيانة حكامها لها، وتتطلع إلى اليوم الذي ينهي فرقتها ويجمعها في كيان واحد!
ومن عنصر الثروات التي لدى الأمة، نجد أنها تتميز بثروات طبيعية هائلة تستطيع معها التحكم بالسياسة الدولية بسهولة بالغة، من نفط وغاز ومعادن طبيعية، إلى ثروات زراعية تستطيع معها الاكتفاء الذاتي، إلى غير ذلك،
فما ينقص الأمة هو حكومة إسلامية تضع هذه الثروات لصالح الأمة لا نهبا لأعدائها!
طبعا نحن ندرك أن هذا الأمر معركة وجود بيننا وبين الغرب الذي يحاول جهده أن يمنع هذا الانعتاق، إلا أننا هنا نرصد عوامل القوة التي لدى الأمة التي ينبغي استثمارها، وتفعيلها بالطاقة السببية!
ومن البعد الجغرافي نجد امتدادا شاسعا من إندونيسيا شرقا إلى المغرب غربا، فهذا الامتداد يجعل من المستحيل على أي قوة في العالم مهما بلغت أن توقف أو تفشل فكرة آن أوانها اعتنقتها جموع تمتد هذا الامتداد الفسيح، لذلك فهذا عنصر قوة رهيب.
ومن الموقع الاستراتيجي تجد الأمة تتحكم بمضائق وممرات التجارة العالمية، والتواصل بين الأمم في الأرض، وتتوسط العالم، مما يجعلها قادرة على التحكم في مصائر الأمم.
وأما الترابط الحضاري، فإن الأمة الإسلامية ترتبط بقيم وبتاريخ مشترك، وبلغة مشتركة، تجعل الانصهار بين هذه الشعوب أمرا سهلا، فيمكن بسهولة تقبل عودة وحدة الأمة، واحتكامها للقاسم المشترك وهو الشريعة الإسلامية،
فهذا هو العنصر الثاني من عناصر القوة التي تمتلكها الأمة الإسلامية.
وأما طريقة تفعيل القاعدة السببية في الأمة،
فهو بالعمل الحزبي المنظم الذي يدعو لوحدة الأمة جنبا إلى جنب مع تحكيم الشريعة، ومع مقاومة الاستعمار، فلا يجوز أن تقعد الأمة عن هذه الأعمال الثلاثة في أي لحظة، فإذا ما حقق الحزب في الأمة وجود الرأي العام لصالح الوحدة، وحقق الحزب تفاعلا مع أهل القوة والمنعة في دولة من دول العالم الإسلامي أو أكثر فيها مقومات الدولة، ثم أقام الدولة، فإنه بعمله في الدول الأخرى سيكون قد أوجد القاعدة الكافية والبيئة الخصبة لحدوث الرأي العام لصالح التوحد، وأما الموقع الاستراتيجي والثروات الطبيعية، فتفعيلها يكون بامتلاك الأمة لناصيتها، وهكذا،
فلننطلق للعنصر الثالث: