إقامة الدولة في ظل قانون السببية: مثال: حمل الدعوة والأعمال الجزئية المتفرعة عنه الخاضعة للسنن التاريخية
إقامة الدولة في ظل قانون السببية
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
(الجزء الرابع والعشرون: مثال: حمل الدعوة والأعمال الجزئية المتفرعة عنه الخاضعة للسنن التاريخية)
المثال الأول: لا شك أن العمل الأساس للحزب هو حمل الدعوة، فهذا حكم شرعي، وجزء لا يتجزأ من الطريقة، وباتباعه نكون قد اقتفينا أثر المصطفى عليه الصلاة والسلام، وقد تختلف التفاصيل في نوعية الأفكار بين زمان وزمان، فبدلا من قيامه عليه الصلاة والسلام بصراع فكري مع عبادة الأصنام، نقوم اليوم بصراع فكري مع العلمانية، ولكن ليس هنا المشكلة، فالعمل هو هو، سواء أكان دعوة لترك الأصنام أم دعوة لترك عبادة البقر، فالعبرة أنه حمل دعوة، لكن الأعمال الجزئية التي نقصد هي الأعمال اللازمة لتحقيق حمل الدعوة بشكل صحيح.
“إن الدعوة هي فعل إمالة وترغيب. فأن تدعو إنساناً إلى الإسلام معناه أنك تميله إلى ما تدعوه إليه وترغبه فيه”[1]. وعملية حمل الدعوة فيها طرفان: حامل الدعوة، والمحمول إليه، المبلِّغ الذي يحمل فكرةً مضبوطة ومبلورة في ذهنه يريد أن يوصلها باستعمال تعابير معينة إلى طرف ثان هو المبلَّغ إليه، ولا شك أنه يحمل أفكارا معينة، وله مستوى فكري يسمح له بهضم الأفكار ونقاشها.
وحمل الدعوة تبليغ الأفكار للأمة، بل هو إحسان التبليغ لا مجرد التبليغ، أي فهم العقليات الموجودة في المجتمع ومخاطبة كل عقلية باستعمال أو ابتداع الأساليب والوسائل التي تناسبها حتى تتحقق الغاية من التفاعل أي إقناع المبلَّغِ ومن ثم أن تُسلم الأمة قيادتها للكتلة[2]
فأول فكرة نريد طرحها كجزئية من جزئيات حمل الدعوة هي الفرق بين الأفكار والمعلومات، لأن الأفكار تؤثر وتوصل للقناعات بينما المعلومات كثيرا ما لا تصلح للوصول لتغيير القناعات، هذه سنة!
ولنضرب المثال التالي: أحد الشباب يريد أن يبين أن حكم الإسلام عادلٌ، فقام بإعداد موضوع عن عدل عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وجاء بقصص من تاريخ الخلفاء… هل تتصور أن هذا الشاب أوصل فكرته؟ الجواب: لا. إن المستمع بإمكانه أن يستدل من التاريخ بأحداث لخلفاء توضح أن الظلم والجور كان موجوداً (والأمثلة على ذلك قد عجَّت بها كتب المستشرقين)، فيهدم بذلك كل ما بناه الشاب.
إن خطأ الشاب نتج عن كونه كان يعطي معلوماتٍ عن عدل حكم الإسلام، ولم يبلغ فكرة “حكم الإسلام عادل” لأنه إن أراد ذلك حقاً فإنه ينبغي له أن يضع مقياساً لعدالة الحكم ثم يرى هل ينطبق هذا المقياس على حكم الإسلام أم لا؟
وعليه فالشاب إن لم يبلور فكرته في ذهنه، فإنه لن يستطيع تبليغها كما هي فكرةً للمبلَّغ إليه، ولكنه سيردد معلومات[3].
فلا بد من ربط المعلومات بالواقع المحسوس أو المحسوس أثره، وإصدار الحكم عليه بناء على عقلية، لذلك فحين تضع المقياس الصحيح لعدالة الحكم فإنك والمبلَّغ إليه ستجريان الحكم بناء على عقلية تحاكم وتربط، فتؤتي العملية التبليغية أكلها، لذلك فإن هذا كله من قبيل الأخذ بالأسباب في العملية التبليغية لإنجاح حمل الدعوة، فحمل الدعوة ليس مجرد عمل آلي نقوم فيه بتجميع المعلومات وسردها!
وهناك أمور تتعلق بالمبلِّغ حامل الدعوة، وبالمبَلَّغ إليه، ننصح بمراجعتها في كتاب: مدخل لبحث موضوع التبليغ وهو متوفر بالبحث في الشبكة العنكبوتية.
[1] الدعوة إلى الإسلام، أحمد المحمود
[2] مدخل لبحث موضوع التبليغ، أبو علي.
[3] مدخل لبحث موضوع التبليغ، أبو علي