الخلافة مطلبي…
في ذات مرة وأنا أتجول بذاكرتي رأيت مبنى كبير الحجم أشبه بالقصر دقيق المعالم بأشكال المنافذ والأبواب والزخارف المحفورة في جدرانه، فكلما اقتربت منه شممت رائحة مسك تفوح منه وكلما عصفت الرياح زاد عبيره صلابة وقوة على الأرض. وأنا أمضي في طريقي إلى مدخل هذا القصر… لا ليس بقصر بل هو أعظم…
فتح الباب وسمح لي بالدخول فرأيت العجب، رأيت أناسا من شتى الأجناس، هدوء يعصف بزوايا المكان، كل شخص يعلم ما هو عمله وما هي حدوده وكيف يبدأ ومتى ينتهي ولماذا هو موجود وأين ولمن يعمل… عجبت لتفاصيل هذا المبنى، رأيت الشيوخ والشباب والنساء وحتى الأطفال كل له عمله وحياته وصوت الهدوء هو سيد الموقف.
لا عمال نظافة، لا حراس، ولا حتى فرق بين عربي وأعجمي… الجميع يعمل بإخلاص ويأكل من كده فلا ظلم ولا طمع ولا جشع، الجميع يهمس بالحمد لله…
اقتربت من امرأة رأيتها تعطي أطفالا عن ثقافتنا الإسلامية، سألتها أين أنا؟ فقالت لي تفضلي اجلسي لأن الشرح يطول:
هنا دولة الإسلام، هنا منبع العزة، هنا القيم والحضارة، نحن ننعم بهذه الحياة ضمن هذا المبنى ونحاول المحافظة عليه لأن جهود الأعداء في هدمه حثيثة ومضنية ولا يهدأون ولا يكلون ولا حتى يملون، يعملون ليل نهار بكل مخططاتهم حتى يهدموا هذا المبنى فوق رؤوسنا.
أنت في دولة الإسلام، تلك الحياة الإسلامية التي فرضها الله تعالى علينا والذي خلقنا لعبادته ولنشر دعوته إلى خارج هذا المبنى الذي يجبرنا على نمط حياة لا مثيل له، فنحن هنا نعيش ضمن دستور قد أرسله الله تعالى إلينا عن طريق رسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، فطعامنا وشرابنا حلال لا مكان عندنا للربا والبنوك.
أما حياتنا المجتمعية: فقد كرمنا الله وجعل لنا حقوقاً وواجبات لا يتعدى أحدنا على الآخر.
وكل هذا معلق بعقد جميل يحكمه نظام سياسي فريد ومفاهيم منبثقة من مبدئه، فالمسلم حين يؤمن بهذه الأفكار وتكون لها معانٍ واضحة لا ريب فيها في نفسه؛ فإنه لا يرضى أن يستأثر بهذا الخير لنفسه بل يجعل منها المحور الذي تدور حوله مصالحه فيوليها اهتمامه بقدر تمكُّنها من نفسه.
“لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة”، ومن هنا فإن العمل على إفهام الأمة الإسلامية مبدأ الإسلام وجعله متمكناً من نفوس أبنائها هو بحد ذاته عمل فرضه الله علينا.
وبهذه الحياة المنتظمة المبدئية التي تعتمد على كتاب الله تعالى وسنة نبينا محمد ﷺ في كل شاردة وواردة، في كل شهيق وزفير، في كل عمل وراحة… ننعم بحياة في طاعة الله وليس لدينا مطامع أخرى غير رضا الرحمن والفردوس الأعلى.
بدأت عيوني تذرف الدموع لأني أيقنت الذي رأيته كان في خاطري ولم يع جيل اليوم هذه الأفكار الراقية وهذا الإسلام العظيم ليدافع عنه بكل طاقته، نعم غفلنا وللأسف غفوتنا طالت حتى أصبحنا الضحية في العالم، الكل يحاول نهشنا ومص دمائنا حتى لا نقوى على استرجاع عزنا وقوتنا وسلطاننا.
نعم، في هذا اليوم المؤلم 27 رجب 1342هـ الموافق 1924م هدم هذا الصرح الكبير وانهارت كل معالمه وهدمت كل أروقته، وخرج المسلمون من النور إلى الظلمات وتعطل تطبيق الشريعة الإسلامية وغاب كيانها الذي كان رغم مرضه في الآونة الأخيرة إلا إنه كان يحفظ بيضة المسلمين. في هذا اليوم توجهت جهود الدول الأوروبية بقيادة بريطانيا وعمليها مصطفى كمال لإلغاء دولة الخلافة العثمانية، وطبعا بهدمها لم يبق ظل لدار الإسلام فقد غيبنا وعدنا إلى دار الكفر ولا أمان لنا ولا سلطان لنا في بلادنا، وتكالبت علينا أعتى دول الكفر وفرضوا علينا أنظمتهم الخبيثة الفاشلة التي أودت بأبنائنا وشبابنا ونسائنا، غيروا مفاهيمنا حتى أصبحنا دمى متحركة بخيوط وهمية لا نراها أنها بأيديهم، بل حاولوا ونجحوا في إقناعنا أننا نحن من نمتلك القوة في تطبيق أنظمتهم وقوانينهم.
وها نحن قد مررنا بثورات أنعشت الأمة الإسلامية من جديد ونفضتها حتى أصبح كل بيت يطالب بدولة الإسلام التي على منهاج النبوة، قد نمرض ونغفل ولكننا أمة لا تموت، وقد بشرنا رسولنا الكريم ﷺ بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؛ فلا معتقل يخيفنا… وسنبقى نعمل لاستئنافها مهما فعلتم ومهما حاولتم.
فيا شباب الأمة، يا نساء الأمة، يا شيوخ الأمة… لا تيأسوا واصبروا وصابروا ورابطوا لنمضي معا مخلصين متقين في طريق مشروعنا العظيم وخلافتنا القادمة قريبا إن شاء الله…
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
دارين الشنطي