سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة الأولى: توطئة
سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
الحلقة الأولى: توطئة
اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ ﷺ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وبعد..
الحَمْدُ للهِ ﷻ الَّذِي شَرَحَ صُدُورَ أَهْلِ الإِسْلامِ بِالْهُدَى، وَنَكَتَ فِيْ قُلُوبِ أَهْلِ الْطُّغْيَانِ فَلا تَعِيْ الْحِكْمَةَ أَبَدَاً، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ إِلَهاً أَحَداً، فَرْدَاً صَمَداً، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ مَا أَكْرَمَهُ عَبْداً وَسَيِّداً، وَأَعْظَمَهُ أَصْلاً ومَحْتِداً، وَأَطْهَرَهُ مَضْجِعَاً وَمَوْلِداً، وَأَبْهَرَهُ صَدْراً وَمَوْرِداً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ غُيُوْثِ الْنَّدَىْ، وَلُيُوْثِ الْعِدَا، صَلَاةً وَسَلاماً دَائِمَيْنِ مِنْ الْيَوْمِ إِلَى أَنْ يُبْعَثَ الْنَّاسُ غَدَاً، أَجَلٍ قَدْ بَقِيَ لا يَدْرِي مَا اللَّهُ قَاضٍ فِيهِ، فَلْيَأْخُذِ الْعَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَمِنْ دُنْيَاهُ لآخِرَتِهِ، وَمِنَ الشَّبِيبَةِ قَبْلَ الْهَرَمِ، وَمِنَ الْحَيَاةِ قَبْلَ الْمَوْتِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ مُسْتَعْتَبٍ، وَمَا بَعْدَ الدُّنْيَا دَارٌ إِلا الْجَنَّةَ أَوِ النَّارَ».
(ذَكَرَهُ القُرطُبِيُّ فِي تَفسِيرِهِ).َ أَجَلٍ قَدْ بَقِيَ لا يَدْرِي مَا اللَّهُ قَاضٍ فِيهِ، فَلْيَأْخُذِ الْعَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَمِنْ دُنْيَاهُ لآخِرَتِهِ، وَمِنَ الشَّبِيبَةِ قَبْلَ الْهَرَمِ، وَمِنَ الْحَيَاةِ قَبْلَ الْمَوْتِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ مُسْتَعْتَبٍ، وَمَا بَعْدَ الدُّنْيَا دَارٌ إِلا الْجَنَّةَ أَوِ النَّارَ».
(ذَكَرَهُ القُرطُبِيُّ فِي تَفسِيرِهِ).وبعد…
المقدمة
ليس المراد من عنوان البحث إجراء مفاضلة بين الفروض، ولكن المراد هو إبرازُ مكانةِ ورُتْبَةِ الخلافة من الدين، والتأكيد على أنها فرضٌ من رب العالمين، ثابتٌ بالقطعِ، فتمعَّن في توقُّفِ غالبيَّة الواجبات وجوداً وعدماً على وجود الخلافة وعدمها!
والقاعدة الأصولية أنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فكيف بفرضٍ (واجبٍ) لا يقوم أي فرض من فروض النظام الاقتصادي، أو الاجتماعي أو القضائي أو العقوبات أو السياسة الخارجية أو الداخلية في إدارة شئون الأمة وحراستها، أو الفروض المتعلقة بالسياسة المالية أو الحربية أو جل فروض الإسلام إلا بقيامه، فلا شك أن فرض وجوبه قائم، ورتبته في الأهمية بالغة!
حين نقول: إن إقامة الخلافة من أهم وأخطر وَأَوْلى الواجبات، فإنما لا نقصد التفاضل بين الفرائض في الدرجة، إنما وجدنا الخلافة من الإسلام أشبه ما تكون بنظام التشغيل من الكمبيوتر، فمهما كانت البرامج التي صممت للعمل بالغة الدقة، فإنها لا تعمل بكفاءة إلا إن كان في الكمبيوتر نظامُ تشغيلٍ، وقد وجدنا جل أحكام الإسلام مرتبطة ومعتمدة على دولة لتقام في الأرض كما سيتبين لك من البحث بعد قليل إن شاء الله تعالى، فلا شك أن رتبة إقامة الخلافة التي بقيامها تقام سائر الفرائض الأخرى أوَّلِيَّة(1) .
على أن القول بأنه أهم الواجبات ليس بدعا من القول، فقد نقلنا في هذا الكتاب كلاما لجملة من علماء أمة الإسلام الراسخين في العلم وصفوا الخلافة بأنها أهم الواجبات، إذ فاضلوها مع فروض غاية في الأهمية!.
نعم، إن إقامة الخلافة، أي: تطبيق الشريعة الإسلامية هي الفرض الحافظ للفروض! أوليس ذلك من البديهيات؟ بَلْهَ إنه مما تواتر(2)وقطع به؟ فلنتأمل:
(1) والصلاة فرض موسع، يسع المكلف أداؤها في أول وقتها أو آخره، فإن كان في أول وقتها ولم يغلب على ظنه أنه يموت، فإن له أن يقدم عليها الزكاة مثلا، ولكن حين لا يتبقى إلا القليل لفوات صلاة العصر، فإن فرض صلاتها مقدم على أي فرض يتعارض معه، لإبراء الذمة ولعدم تفويت الفرض واستحقاق العقوبة، وهكذا فإن الأهمية تتعلق بإبراء الذمة لأداء الفرض، وإبراء الذمة قد يكون متعلقا بالفرد كسائر الفروض العينية، فلا بد له من إبراء ذمته بأداء الفرض، وقد يتعلق بالجماعة كالفروض الكفائية، وحين يتعارض فرض عيني مع كفائي بحيث لا يتأتى إلا أداء أحدهما في تلك الفسحة من الوقت، فإن العلماء اختلفوا أيهما يقدم؟ ورأى بعضهم أن في إقامة الفرض الكفائي إبراء لذمة الجماعة وسقوطا للإثم عن الجماعة، فيقدم على إبراء ذمة الفرد، وبالمثل فإن تزاحم تبعات غياب سلطان الإسلام، وتراكم الفروض التي لا يمكن إقامتها في الأرض جراء غياب الخلافة، والذي أفضى إلى تعطيل كل تلك الأحكام، وتكاثر تبعات غياب الخلافة على الأمة من القتل والاغتصاب وإمرة السفهاء، والخضوع لسلطان الكفر، يجعل أهمية قيام الخلافة أولية.
(2) راجع فصل: التواتر المعنوي على وجوب الخلافة