سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة الثانية عشرة: نزول التشريعات بين مكة والمدينة!
سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
الحلقة الثانية عشرة: نزول التشريعات بين مكة والمدينة!
نعم لقد نزلت بعض التشريعات في مكة، وتأخر نزول أغلب التشريع إلى ما بعد إقامة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وإن كان في هذا من إشارة، فإنها إشارة بالغة الأهمية على أن جُلَّ تلك الأحكام لو كان نزلت في مكة لما كان من سبيل لإقامتها في الأرض، فاحتاجت إلى دولة لتقام، ولذلك نزلت في المدينة حيث بالإمكان إقامتها من خلال سلطان الدولة وأنظمتها. ويعضد هذا الفهم أن كثرة بالغة جدا من أحكام الإسلام لم يُخوَّل بإقامتها آحادُ الرعية، بل جعل الشرع أمرها للحاكم، وسيأتيك تفصيلها بحول الله تعالى. والأمر يتعدى كون تطبيق التشريعات متوقف على وجود الخلافة، بل الخلافةُ فوق ذلك حارسةٌ للدين، وناشرة له، وَوِجَاءٌ للأمة، (العقل، والسيف والدرع) يقول الماوردي في الأحكام السلطانية: “(ويجب إقامة إمام يكون سلطان الوقت وزعيم الأمة ليكون الدين محروساً بسلطانه جارياً على سنن الدين وأحكامه[1])”،
إقامة الدولة الإسلامية تتويج لانتصار الحق على الباطل، عبر صراع كل الرسل لأقوامهم
إنما أنزل الله تعالى الشرائع لتطبق في حياة البشرية ليقوم الناس بالقسط، وكما رأينا أن كل نبي أو رسول أرسل إلى قومه، ليقيم فيهم منهج الله، وكل كتاب نزل، إنما نزل ليحكم، وليقيم القسط والعدل وفق منهج الله تعالى، وعلى هذا مضت سنة دعوات الرسل والأنبياء جميعا، واستمر الصراع بين الحق والباطل، بين منهج الله تعالى والمناهج الوضعية، حتى منَّ الله على البشرية بانتصار منهج الحق متمثلا بإقامة أحكامه في الدولة التي أقامها سيد المرسلين وإمام البشرية ﷺ، فكانت الدولة الإسلامية ونظامها هي ذروة انتصار الحق على الباطل، وعليه فإن عودتها وإعادة إقامتها هي في سياق إتمام مهمة الرسل جميعا، وإقامة للمنهج الخاتم الذي نزل به الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتب والمناهج والشرائع ومهيمنا عليها، وتحقيقا للغاية التي أرسلوا بها!
[1] الماوردي: الأحكام السلطانية ص3