سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة السابعة عشرة: حتى جعلوه أهم الواجبات!
سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
الحلقة السابعة عشرة: حتى جعلوه أهم الواجبات!
توفي النبي ﷺ حين اشتد الضحى من يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة في يومٍ لم يُر في تاريخ الإسلام أظلم منه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: ما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله ﷺ، وما رأيت يوماً كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله ﷺ[1].
حين انتقل رسول الله ﷺ إلى الرفيق الأعلى، كانت الواجبات التالية أمام الصحابة:
أولا: دفن الرسول ﷺ، روى الإمام أحمد في مسنده عن عليٍّ رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «ثلاثة يا علي لا تُؤَخِّرْهُنَّ: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفؤاً». وفي الصحيحين أن النبي ﷺ قال: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ». فالأمر بعدم تأخير الجنازة، والأصل أن بِرّ الصحابة برسول الله ﷺ بتقديم جنازته لتقديم الخير له ﷺ فيما سيلقاه عند ربه تبارك وتعالى، ومع ذلك قدّموا الخلافة على هذا الخير – على عظمه وعظم حبهم لرسول الله ﷺ وبرهم به – وما ذلك إلا عملا بسنته. قال ابن كثير [البداية (5/237)]: “والمشهور عن الجمهور ما أسلفناه من أنه ﷺ توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء”. أي أن ما بين موته ودفنه طوال يومي الإثنين والثلاثاء، صحيح أن أهل بيته اشتغلوا بتكفينه وتغسيله، وصلى عليه المسلمون فرادى طوال هذين اليومين، إلا أن تكفين وتغسيل الميت لا يحتاج ليومين وليلة، مما يدل على أن الصحابة فعلا انشغلوا عن الدفن إلى حين فراغهم من أمر الخلافة!.
ثانيا: إمضاء بعث أسامة (الجهاد)، وكان رسول الله ﷺ قد أمر في مرض موته بأن يُنْفِذَ المسلمون بعثه: قال ابن إسحاق: “وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير وغيره من العلماء، أن رسول الله ﷺ استبطأ الناس في بعث أسامة بن زيد، وهو في وجعه، فخرج عاصبًا رأسه حتى جلس على المنبر، وقد كان الناس قالوا في إمرة أسامة: أمَّرَ غُلامًا حَدَثاً على جُلّةِ المهاجرين والأنصار. «فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل، ثم قال: أيها الناس، أنفذوا بعث أسامة»، فهنا أمرٌ من الرسول ﷺ بسرعة إنفاذ بعث أسامة، ومع ذلك أخروه إلى أن بايعوا الخليفة، وطبيعة بعث أسامة خاصة، فهو جهاد من باب الحرب الوقائية، ومن جهاد المبادأة!.
ثالثا: قتال المرتدين، وإعادة بعض أنحاء الدولة بعد أن تحولت إلى دار كفر، وذلك أن علامات الردة كانت أخبارها قد وصلت الصحابة، وذلك بادعاءِ بَعْضِ الكَذَبَةِ النُّبُوَّةَ قبل موت رسول الله ﷺ، فمثلا بنو حنيفة قوم مسيلمة الكذَّاب ارتدوا واتبعوه قبل وفاة الرسول ﷺ وكذلك ما كان من الأسود العنسي، وبالتالي فقد وجدت أرض إسلامية فتحها المسلمون ثم ارتدت من واقع دار الإسلام إلى دار الكفر وحُكمت بالطاغوت بعد أن كانت تحكم بالكتاب والسنة، قُبيل وفاة الرسول ﷺ، أي أنه كان من ضمن الأمور التي واجهها الصحابة رضي الله عنهم في الأمور التي عليهم أن يحسموها مما نذكر هنا، ولم يبادر المسلمون إلى جهادهم إلا بعد أن نصبوا الخليفة.
فهم لا شك يدركون خطورة الموقف من لحظة موت الرسول ﷺ، والقبائل تنتظر موته لتفعل فعلها!!
رابعا: اختيار خليفة لرسول الله ﷺ، لرعاية شئون المسلمين،
وقد قدم الصحابة الكرام اختيار الخليفة على تلك الواجبات الخطيرة، وجعلوه أهم الواجبات.
[1] رواه الدارمي والبغوي