سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة الثامنة والعشرون: الزوايا والاعتبارات التي يجب بحثها حين الإجابة على السؤال: لمن الحق بالتشريع؟ – ج2
سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
الحلقة الثامنة والعشرون: الزوايا والاعتبارات التي يجب بحثها حين الإجابة على السؤال: لمن الحق بالتشريع؟ – ج2
أما وصفها من ناحية العقل وحده فباطل؛ لأنّ العقل عرضة للتفاوت والاختلاف والتناقض واتباع الأهواء ومراعاة مصالح جزئية أو عرضية لا يلبث أن يتبين أنها مفاسد، إذ قياسات العقل للحسن والقبح قد تتأثر بالبيئة التي يعيش فيها بل تتفاوت وتختلف بالعصور على تعاقبها، فإذا ترك قياس القبح والحسن للعقل كان الشيء قبيحاً عند فئة من النّاس وحسناً عند آخرين، بل قد يكون الشيء الواحد حسناً في عصر، قبيحاً في عصر آخر.
أما جعل الشرع دليلاً على ما دلّ عليه العقل فهو يقضي بجعل العقل حكماً في الحسن والقبح، وقد بينّا بطلانه، وأما جعل العقل دليلاً على ما دلّ عليه الشرع فهو يقضي بجعل العقل دليلاً على الحكم الشرعي مع أن الحكم الشرعي دليله النص وليس العقل، ومهمة العقل هي فهم الحكم الشرعي لا جعله دليلاً عليه. ومن هنا كان الحسن والقبح شرعيين فقط وليسا عقليين، ليس فقط من زاوية الاعتبار الثالث بل أيضا بالاعتبارين الأول والثاني!.
أوّلاً: أن العقل قد يدرك حسن وقبح بعض الأفعال بالضرورة والبداهة. مثال: حسن العدل وشكر المنعم والصدق النافع، وقبح الظلم وكفران المنعم والكذب الضار.
ثانياً: أنه قد يدرك حسن وقبح بعض الأفعال بالتفكّر والتأمّل. مثل: حسن الصدق الضار وقبح الكذب النافع.
ثالثاً: والعقل لا يدرك حسن وقبح جملة من الأفعال لا ضرورة ولا بالتفكّر والتأمّل، و بالتالي فلا يكون للعقل سبيل لمعرفة حسن و قبح هذه الأفعال إلاّ عن طريق تحسين وتقبيح الشارع كالعبادات. مثال: تحسين الشارع صوم شهر رمضان، وتقبيحه صوم يوم عيد الفطرـ تحسين الشارع لقتال الكفار دفاعا أو نشرا للدين وبسطا لسلطان الإسلام، وتقبيحه عدم إجابة النفير، مع وجود ما يحتج به الإنسان للقعود مثل حر الصيف الشديد، ووعورة مسالك الطريق كما حدث في تبوك!
إنّ الكذب كفعل قبيح عقلا قد يحسن فيما لو اشتمل على مصلحة عامة من قبيل إنقاذ نبي من يد ظالم.وإنّ الصدق كفعل حسن عقلا قد يقبح فيما لو اشتمل على مفسدة عامة من قبيل هلاك نبي على يد ظالم. فلو كان الحسن والقبح ذاتيين، لما زال هذا الحسن والقبح، وبالتالي فما حسن الكذب وقبح الصدق أبداً، ولما كان الموضوع لمن الحكم في كل الأفعال والأشياء، فإننا سنجد العقل عاجزا عن تحسين وتقبيح جل الأشياء والأفعال، فالاعتبارات الخارجية التي تكتنف الفعل تجعل الزوايا التي يجب مراعاتها عند الحكم بالحسن أو القبح كثيرة قد لا يحيط العقل بأكثرها فيصدر حكما ثم يتبين له نقص ذلك الحكم لاعتبارات أخرى لم يحسب لها حسابا، فيعيد النظر وهكذا! ثم إننا وجدنا أن الحكم لا يقتصر على فعل واحد أو شيء واحد، بل إنه يقوم في إطار تحقيق “مقاصد كلية” ويقوم في إطار تحقيق “قيم مجتمعية” معينة، وهذه لها أثر كبير، وهي كلها خارجية عن الفعل أو الشيء، مما يعني عدم قدرة العقل على الحكم بالحسن والقبح بمجرد “مقومات ذاتية في الفعل أو الشيء تجعل الحكم عليه واضحا لا لبس فيه”!.