سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة الواحدة والستون: البُرْهَانُ عَلى أَنَّ نِظَامَ الخِلافَةِ نِظَامٌ رَبَّانِيٌّ وَلَيْسَ مِنْ صُنْعِ الصَّحَابَةِ وَلا الْبَشَرِ
سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
الحلقة الواحدة والستون: البُرْهَانُ عَلى أَنَّ نِظَامَ الخِلافَةِ نِظَامٌ رَبَّانِيٌّ وَلَيْسَ مِنْ صُنْعِ الصَّحَابَةِ وَلا الْبَشَرِ
أولا: نظام الخلافة رباني، ولكن الدولة الإسلامية دولة بشرية، وليست بدولة إلهية:
أما نظام الخلافة، فقد قامت الأدلة القطعية إذن على أنه تشريع من الله، وبالتالي فهو نظام رباني، وأحكام شرعية، وإقامته واجبة لا تخيير فيها، ولكن الدولة الإسلامية نفسها دولة بشرية، يحكمها بشر يخطئون ويصيبون، وليست بسلطة إلهية، فالخلافة هي لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، بالأفكار التي جاء بها الإسلام والأحكام التي شرعها، ولحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، بتعريفهم الإسلام ودعوتهم إليه، والجهاد في سبيل الله. ويُقال لها الإمامة وإمارة المؤمنين. فهي منصب دُنيوي، وليست منصباً أخروياً. وهي موجودة لتطبيق دين الإسلام على البشر، ولنشره بين البشر. وهي غير النبوة قطعاً.
فالنبوة منصب إلهي، يعطيها الله لمن يشاء، يتلقى فيها النبي أو الرسول الشرع من الله بواسطة الوحي، بينما الخلافة منصب بشري، يُبايع فيه المسلمون مَنْ يشاؤون، ويُقيمون عليهم خليفة مَنْ يُريدون مِن المسلمين. وسيدنا محمد ﷺ كان حاكماً، يطبق الشريعة التي جاء بها. فكان يتولى النبوة والرسالة، وكان في الوقت نفسه يتولى منصب رئاسة المسلمين في إقامة أحكام الإسلام. وقد أمره الله بالحكم، كما أمره بتبليغ الرسالة. فقال له: ﴿وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ﴾، وقال: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾، كما قال له: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾، وقال: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ ِلأَنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ﴾.
فالرسول ﷺ كان يتولى مَنصِبين: مَنصِب النبوة والرسالة، ومَنصِب رئاسة المسلمين في الدنيا لإقامة شريعة الله التي أوحى له بها.
أما الخلافة بعد رسول الله ﷺ فإنه يتولاها بشر، وهم ليسوا أنبياء، فيجوز عليهم ما يجوز على البشر من الخطأ، والسهو، والنسيان، والمعصية، وغير ذلك؛ لأنهم بشر. فهم ليسوا معصومين؛ لأنهم ليسوا أنبياء ولا رسلاً. وقد أخبر الرسول ﷺ بأن الإمام (الخليفة) يمكن أن يخطئ، كما أخبر بأنه يمكن أن يحصل منه ما يُبَغِّضُه للناس، من ظلم ومعصية، وغير ذلك، بل أخبر بأنه قد يحصل منه كفر بَواح، وعندها لا يطاع، بل يُقاتَل. فقد روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «إنما الإمام جُنَّة، يقاتل من ورائه ويُتقى به، فإن أمر بتقوى الله عز وجل وعدل كان له بذلك أجر، وإن يأمر بغيره كان عليه منه»، وهذا يعني أن الإمام غير معصوم، وأنه جائز عليه أن يأمر بغير تقوى الله. وروى مسلم عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: «إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم» [عبد الله هو ابن مسعود]. وروى البخاري عن جُنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض، قلنا: أصلحك الله، حدّث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي ﷺ قال: «دعانا النبي ﷺ فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعَنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: إلا أن تروا كفراً بَواحاً عندكم من الله فيه برهان» وعن عائشةقالت: قال رسول الله ﷺ: «ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله. فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة» رواه الترمذي. فهذه الأحاديث صريحة في أنه يجوز على الإمام أن يخطئ، وأن ينسى، وأن يعصي. ومع ذلك فقد أمر الرسول ﷺ بلزوم طاعته ما دام يحكم بالإسلام، ولم يحصل منه كفر بَواح، وما لم يأمر بمعصية؛ ولذلك فإن الخلفاء بعد رسول الله ﷺ بشر يخطئون ويصيبون، وليسو معصومين أي ليسوا أنبياء حتى يقال إن الخلافة دولة إلهية، بل هي دولة بشرية يبايع فيها المسلمون خليفة لإقامة أحكام الشرع الإسلامي[1].
[1] أجهزة دولة الخلافة في الحكم والإدارة لحزب التحرير، فصل: دولة الخلافة دولة بشرية وليست دولة إلهية