سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة الثامنة والسبعون: الدولة العلمانية تموت بالسكتة الرأسمالية – ج1

 

سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

الحلقة الثامنة والسبعون: الدولة العلمانية تموت بالسكتة الرأسمالية – ج1

 

إذن فالدولة العلمانية أبعد ما تكون عن أن تقيم اعتبارات للقيم التي يراد للمجتمع أن يقيس قناعاته إليها، وأبعد ما تكون عن أن تضع أيديولوجية تهدف لضبط العملية التشريعية، أو وضع القوانين لضبط سلوك الناس، فتقول لهم: الزنى حرام والمخدرات حرام! لا تهتم العلمانية بشيء من ضبط سلوك الناس، فإذا ما أمكن للرأسمالي أن “يصنع ثروة طائلة” من تجارة المخدرات كالقنب الهندي مثلا، فسيجد القوانين في الدولة طوع يديه، فيجعل استعمالها قانونيا، ومن ثم يبدأ بصناعة الأرصدة الفلكية!

ولقد خضعت العلمانية لمنطق القوة، وكان أبرز ما في المجتمع هو قوة الرأسمالي، ونفوذه، فأعاد صياغة فكر المجتمع، ومقاييسه وقناعاته بما يتمحور حول السلع والخدمات، لتنمية الرأسمال، وجعل القطاع الواسع من المجتمع عمالا يعيشون للعمل، وينتظرون نهاية الأسبوع ليقعوا ضحية قطاع اللذة، من سكر في الحانات إلى دور السينما، إلى نوادي الرياضة، ففرغ الإنسان من أي محاولة لسبر أغوار الكون ومعرفة سر الوجود، ولم يعد لديه أي اهتمام بالبحث عن الحقيقة، وقد تغولت الدولة كثيرا في التجسس على الناس، لمعرفة طبائعهم، ورغائبهم، وطموحاتهم، فتجسست عليهم من خلال أجهزة الاتصال والإنترنت، وبرامج التواصل الإلكتروني، واستعملت تلك المعلومات للدعاية والإعلان، وللتأثير على الناخب في فترة الانتخابات، ذلك الناخب الذي كان يسمى ذات يوم: (مواطنا)، فأضحى يسمى: “دافع ضرائب”، وبعد أن كانت الحاجة أم الاختراع، أضحى الاختراع أبو الحاجة وأمها وأختها!

لقد تحول المجتمع إلى الاستهلاك، والإنفاق، والملذات، وهكذا فإن العلمانية التي فصلت الأخلاق والدين والقيم كلها عن حياة الناس، فإنها لم تأبه بأن تكون بنت الرأسمالية وأختها، وأما القيم التي قامت عليها الثورة الفرنسية من الحرية والإخاء والمساواة، وأما القيم التي قامت عليها الثورة الأمريكية والتي كانت تهدف لضمان حقوق الأفراد في الحياة والملكية، وفي حرية العبادة والتعبير، إضافة إلى مساواة الجميع أمام القانون، وفصل الدين عن الدولة، والتي استمدت من نظريات الفلاسفة الإنجليزيين: جون لوك توماس هوبز وإدوارد كوك، والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، ثم جاءت وثيقة الحقوق التي من نصوصها: ولا يحق للدولة البحث في أوراق أو ممتلكات (المواطنين) ولا يحق أخذ أموال الأفراد العقارية بدون تعويض مقبول من (المواطنين). وفي حالة ارتكاب جريمة فللمجرم الحق في الإسراع لمحاكمته، وله الحق في أن يعرف الجرم الذي ارتكبه أو المخالفة التي قام بها، وله الحق في مقابلة الشهود الذين يشهدون ضده وسماع أقوالهم، وله الحق في الحصول على شهود لمصلحته وله الحق في تعيين مجلس قضائي يدافع عنه!،

هذه القيم يمكن تقسيمها إلى صنفين: صنف غير مهم، وصنف مهم!

أما الصنف غير المهم، فالدولة لا يهمها إن تعشيت بطاطا أم أفطرت على العدس، وإن سهرت في ناد ليلي أم على جهاز التلفزة، فطالما أن ما تقوم به تافه غير مهم، فليكن للدولة قيما تطبقها عليك، فإن سرقت وأنت أبو العيال فالحبس، وتشديد العقوبة، أما إذا احتالت الشركات الكبرى على نظام الضرائب، وقوننت أعمالها وجعلتها سليمة من ناحية قانونية، وتهربت من دفع ضرائب على التريليونات التي تودعها في مصارف أيرلندا، فهذا لا يسمى سرقة، ولا ينطبق عليه شيء من القوانين التي يُنَظَّرُ لها على أنها القيم التي قامت عليها أمريكا.

أما إذا كان ما تفعله مهما، فيقوم طائفة من السود مثلا بمحاولة الحصول على حقوقهم، فيشكلون جماعات لها أهدافا، فحين ذلك لا تتعامل معهم الدولة وفق تلك القيم والمعايير!

على أن كثيرا من هذه الحقوق والقيم تجاوزتها الممارسات الفعلية، فالدولة تتجسس على الناس بكل أشكال التجسس بحيث لم يعد ثمة من خصوصية، وتم إقرار قوانين الأدلة السرية التي يسجن على أساسها المتهم ولا يعرف سببا لسجنه، ولا تهمته، ولا تعرض على القضاء، ولا يدافع عنه بحجة أن الأدلة على جريمته سرية وفي حال فضحها سيؤدي ذلك للإضرار بالأمن القومي،

لذلك فالعلمانية على الحقيقة ماتت بالسكتة الرأسمالية! كما ماتت أختها الديمقراطية بالسكتة الليبرالية!

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة