كلمة أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة لافتتاح المؤتمر العالمي للمرأة – الخلافة: نموذج مُضيء لحقوق المرأة ودورها السياسي
أيتها الأخوات الكريمات
السلام عليكن ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،
إنكن أيتها الأخوات من أمةٍ عظيمة ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ))، أمةٍ ضاربةٍ جذورُها في التاريخ، أضاءت الدنيا بنور الإسلام، وعدل الأحكام… أمةٍ عزَّت بدينها، وخوطب رجالُها ونساؤها على السواء بأحكام ربها، يدعون الله العلي القدير أجر الدنيا والآخرة، فيجيبهم سبحانه، رجالاً ونساءً، بمنِّهِ وفضله ((رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ 74 فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)).
هكذا عزَّت الأمة برجالها ونسائها، يسابقون إلى مغفرة من ربهم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، فازوا في الدنيا وفازوا في الآخرة بإذن الله، إسلامهم يزيل الظلام، ويضيء الأرض، وخلافتهم تقيم الحق وتنشر العدل، يخاطب خليفتهم السحاب أن أمطر حيث شئت فموطن قطراتك دارُ الإسلام! واستمرَّت خلافتهم تقيم العدل وتنشر الخير في ربوع العالم إلى أن خلف من بعدهم خلف أضاعوا الخلافة، وأضاعوا حكم الإسلام، وصدق فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإسلام عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ» أخرجه أحمد، فمُزِّقت بلادهم إلى أكثر من خمسين مزقة، وانتُهِبت خيراتهم، وبعد أن كانوا يُمسِّكون بالإسلام، أصبحوا يُفرِّطون فيه، فسهُل على الكفار أن يغزوهم بالفكر قبل السلاح، وينشروا بينهم الأباطيل والأضاليل، تارة بأيديهم وألسنتهم، وأخرى بأدواتهم، أتباعهم وعملائهم…
لقد وصل الحال بتلك الأقوام أن تُوجِّه سهامها إلى الإسلام والمسلمين بأن المرأة في الإسلام مهضومةُ الحقوق، حبيسة البيوت، لا دور لها في الحياة العائلية، ولا قيمة لها ولا وزن في الشئون السياسية! ومن يقول هذا؟ يقوله الذين يدوسون كرامة المرأة، ويعدّونها سلعة في الدعاية والإعلان، ومتعة لكل إنسان، يريدونها بينهم كاسية عارية، ويقدرون قيمتها بقياسات جسمها البالية!… يقولها الذين يجعلون المرأة تكدُّ وتشقى لتحيا، فإن لم تعمل لا تجد من ينفق عليها، بل تأكل بامتهان كرامتها، وهم بها يلهون! يقولها أولئك الذين أفسدوا المرأة بالحضارة الغربية، فأهدروا كرامتها لتباع وتشترى بجسدها في البيت والسوق والعمل… لقد ظلموا المرأة عندهم فأصبحت بحاجة لمن ينقذها من جحيم الحضارة الغربية الفاسدة، وبحاجة لمن يحررها من مفاهيم الكفار المستعمرين الخرِبة الكاسدة، التي تجعلهم يرون خمار المرأة تخلُّفاً، وأما أن تكشف من جسمها أضعاف ما تستر، فإنهم يرونه تقدماً! ويرَوْنَ تكوين الأسرة من رجل وامرأة بعقدٍ صحيح أمراً تقليدياً عفا عليه الزمن، وأما تكوين الأسرة من رجل وامرأة دون زواج، بل ومن النوع نفسه، فهي عندهم أسرة راقية تصفِّق لها الأيادي وتزغردُ لها الألسن! حقاً لقد اضطربت قيمهم ومرضت أفهامهم، وصدق الله رب العالمين: ((لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)).
أيتها الأخوات الكريمات:
لقد أعلى الإسلام شأن المرأة في الوقت الذي كانت فيه منزلة المرأة في الأمم الأخرى هي بين منزلة الحيوان والإنسان، ليس في الجاهلية فحسب، بل إنها في أعظم دولتين آنذاك، فارس والروم، فكانت أقل وزناً حتى منها في الجاهلية! بل إنها اليوم، عند أتباع الحضارة الغربية، في الغالب الأعم، جسدٌ يباع ويشترى لترويج التجارة، أو للمتعة، فتقدير المرأة عندهم هو لجمالٍ أو مال أو لسمعة زوجٍ أو والد… وقليلٌ ما يكون لإبداعٍ في عمل أو قول أو علم…
أما المرأة في الإسلام فحقها ثابت في الأحكام، لا هو لجمالٍ أو مال، ولا لنسبٍ ولا لحسب، بل لكونها إنساناً، أَمةً لله، كما هو أخوها الرجل إنسانٌ عبدٌ لله… هكذا جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله «نَعَمْ. إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» رواه أبو داود، وقد أوصى صلى الله عليه وسلم بها في حجة الوداع «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا…» أخرجه ابن ماجه.
أيتها الأخوات الكريمات:
المرأة في الإسلام هي خديجة رضي الله عنها المؤمنة المؤازرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعثته… هي سمية أول شهيدة في الإسلام حاملة الدعوة، القوية الصابرة… هي أم عمارة وأم منيع المبايعتان للرسول صلى الله عليه وسلم في العقبة الثانية على النصرة والحكم… هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها الفقيهة العالمة، راوية الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم… هي رفيدة الأسلمية رائدة الطب في الإسلام… هي أم سلمة أم المؤمنين حصيفة الرأي في الحديبية…
المرأة في الإسلام هي خولة بنت الأزور التي قارعت الأَسْر مع أخواتها، فنجت من الأعداء دون خوف منهم ولا وجل، لأنها كانت قوية بربها عزيزة بدينها، تهون لديها الدنيا في سبيل الله… المرأة في الإسلام هي خنساء القادسية التي يستشهد أبناؤها الأربعة في سبيل الله فتحمد الله الذي شرفها باستشهادهم… المرأة في الإسلام هي التي وقفت لعمر في بيته تجادله وتناقشه حتى قال: “وَاللَّهِ إِنْ كُنَّا فِي الجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا، حتى أنزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ، وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ…”، المرأة في الإسلام هي التي وقفت لعمر في بيت الله تحاسبه فيقول… “أَصَابَتِ امْرَأَةٌ وَأَخْطَأَ عُمَرُ”.
المرأة في الإسلام، هي القاضية الشِّفَاءُ أم سليمان… هي التي تنتخب الخليفة، فيسألها عبد الرحمن بن عوف رأيها في الخليفة بعد عمر أعثمان أم علي رضي الله عنه، كما يسأل الرجل سواء بسواء، وذلك في الوقت الذي كان الحاكم فيه عند الأمم الأخرى يكاد يكون إلهاً لا يقبل رأياً من أحد في تتويجه أو انتخابه أو بيعته.
المرأة في الإسلام هي فاطمة الزهراء رضي الله عنها التي قامت على تنشئة سيِّدَيْ أهل الجنة في الجنة، الحسن والحسين رضي الله عنهما… هي زينب بنت الحسين التي وهي خارجة من فاجعة كربلاء تقف أمام يزيد تُقرِّعه بأشد الكلام لاغتصابه السلطة وقتله الحسين رضي الله عنه.
أيتها الأخوات الكريمات:
هذا من جانب، حيث رفع الإسلام شأنها في نفسها وفي بيتها وفي أمتها، وأدلة هذا الجانب أشهر من علم على رأسه نار.
ومن جانب آخر فالمرأة في الإسلام هي قطب الرحى في الدولة الإسلامية، من حيث الرعاية والحماية… لم يفرض الإسلام عليها العمل لتنفق على نفسها، بل جعلها بالخيار إن شاءت عملت وإن لم تشأ لا تعمل، لأن نفقتها على أب أو أخ أو زوج، فإن لم يكن فالخليفة وليُّها… فلا تتعرض للشقاء والعنت لتعيش… يحمل الخليفة إليها على ظهره مؤونتها إن جاعت، ويقود الخليفة جيشاً لنصرتها إن استغاثت، ويجيب “وامعتصماه” إذا انطلقت… صرخة منها تجعل محمداً بن القاسم قائد الجيش المسلم يؤزُّ عرش ملك السند لأنه احتجز سفينة المسلمات، وأَخَذهن أسيرات…، وعدم الأمن لها يجعل قتيبة قائد المسلمين يمسك بمن روَّعها ولا يقبل كنوزَ الذهب والفضة التي عرضها ذلك الشقي لفدية نفسه، بل يرفض قتيبة ذلك ويقول: “لا والله لا تروع بك مسلمة أبدا، وأمر به فقتل”.
هذه هي المرأة في الإسلام، حاملة الدعوة، ناصرة النبوة، الثابتة على الحق، أول شهيدة وأول طبيبة في الإسلام، العالمة الفقيهة، السياسية البارعة، تربي الطفل وتلاعبه، وفي الوقت نفسه تنتخب الحاكم وتحاسبه… هي القاضية صاحبة الشأن، والعرض الذي يجب أن يصان.
أيتها الأخوات الكريمات:
تلك هي المرأة المسلمة في عهد النبوة والخلافة الراشدة والتابعين بإحسان، وستعود كذلك بإذن الله في عهد الخلافة الراشدة الثانية: قوية صابرة تقول الحق ولا تخشى في الله لومة لائم، ونحن نرى منها بشائر هذه الأيام، فهي قد ساهمت مساهمة فعالة في إزالة عروش الطغاة في تونس ومصر وليبيا واليمن… وهي التي مع أخيها الرجل تقارع طاغية الشام دون أن تقعدها المحن… هي التي داست بأقدامها الافتراءات التي يشيعها الرأسماليون العلمانيون بأن المرأة المسلمة بلباسلها الشرعي لا تستطيع العمل السياسي، قاتلهم الله أنى يؤفكون…
لقد ذهبت افتراءاتهم أدراج الرياح، وصعقتهم صفوف المرأة الثائرة، وهتافاتها الهادرة… فهم يرون المشهد أمامهم تقوده ربات الخمار ولابسات الجلباب، والمتلفعات بالمروط وصاحبات النقاب، وليس بينهن نسوة على غير ذلك إلا النزر اليسير وقليل ما هن!
هذه هي المرأة المسلمة الملتزمة بدينها، سواء أكانت في بلاد العرب أم في بلاد العجم: من إندونيسيا شرقاً حيث تخوم المحيط الهادي إلى رباط المغرب غرباً حيث شواطئ الأطلسي، ومن آسيا الوسطى شمالاً حيث طواغيت كازاخستان وأوزبكستان وطاجاكستان إلى موريشوس جنوباً حيث أعماق المحيط الهندي… تراها في أواسط بلاد العرب تقاوم احتلال يهود للأرض المباركة فلسطين فتدخل السجون وتُعذب، وتراها كذلك في أواسط بلاد العجم تقاوم ظلم الظالمين في آسيا الوسطى فتدخل السجون وتُعذب… وفي الحالتين لا تخشى في الله لومة لائم.
أيتها الأخوات الكريمات:
هذه هي المرأة في الإسلام، هي أنتن العاملات للخلافة، أقوى عمل سياسي في الأمة، هي أنتن في مؤتمركن هذا، المؤتمر العالمي للمرأة حول الخلافة… فأنتن تُعِدن سيرة المرأة في الإسلام، حاملة الدعوة، المؤمنة الصابرة التي تربي الأجيال، وتنشئ الأبطال… التي تحفظ بيتها، وتنصح أمتها، الواعية على أحكام دينها في الاقتصاد والتعليم والعلاقات الاجتماعية، الواقفة على أمن أمتها في السياسة الداخلية والخارجية… العاملة لإقامة الخلافة وانتخاب الخليفة، السياسية العالمة الفقيهة…
وقد يقول قائل إن حزب التحرير لم يكتف باستنهاض الرجال للعمل للخلافة، بل استنهض النساء كذلك، فنقول إن العمل للخلافة فرض على كل قادر من الرجال والنساء، سواء أكان ذلك قبل إقامة الخلافة كما دلت على ذلك مشاركة المرأة للرجل في بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم العقبة الثانية، بيعة النصرة بإقامة الدولة في المدينة المنورة، أم كان ذلك بعد قيامها كما دل على ذلك عمل عبد الرحمن بن عوف على ملأ من الصحابة بسؤال النساء والرجال على حد سواء في انتخاب وبيعة الخليفة: أعليٌ أم عثمان، وذلك بعد عمر رضي الله عنهم أجمعين.
ثم إننا نعمل للخلافة رجالاً ونساء، لأنها فرض رب العالمين، ومبعث عز المسلمين، ونحن مطمئنون بعودتها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بشرنا بأن عروة الحكم بعد أن تنقض على أيدي طغاة الحكم الجبري، فإن الحكم سيعود إسلامياً خالصاً لله ولرسوله من جديد، خلافةً على منهاج النبوة بعد هذا الحكم الجبري كما جاء عند الإمام أحمد، ومسند الطيالسي من حديث حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ فِي النُّبُوَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»، ثُمَّ سَكَتَ.
وفي الختام، فإني أسأل الله سبحانه لمؤتمركن، المؤتمر العالمي للمرأة حول الخلافة بعنوان “الخلافة: نموذج مُضيء لحقوق المرأة ودورها السياسي”، التوفيق والنجاح، وأن يكون لقاؤكن القادم في ظل راية العُقاب، راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، فيكون لكنَّ الأجرُ والنصر مرتين: الأولى خلال عملكن للخلافة في الظروف الصعبة، والثانية خلال شهودكن للخلافة وهي قائمة تشرق الأرض بنورها، وما ذلك على الله بعزيز.
ومسك الختام، آيات بينات، للرجال وللنساء على السواء: ((إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)).
والسلام عليكن ورحمة الله وبركاته.