هل نجح حزب التحرير بإيجاد رأي عام عن الخلافة؟
كيف لنا إيجاد هذا الرأي العام؟ وهل له أن يتأتى به بدون وعي عام؟
بداية نعلم أن الرأي العام هو عصب وأصل السياسة، فهو العمود الفقري للعمل العام بتهيئة الرأي العام بالدعوة والدعاية لهذا العمل، والوعي العام يتكون من مجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات، ومن هذه المجموعة تتكون النظرة إلى الحياة، وبحسب النظرة إلى الحياة تكون النظرة إلى المصالح، وهو الهدف المطلوب لبناء أمة وإقامة دولة، هذه الدولة هي الخلافة على منهاج النبوة.
إذاً كيف لنا أن نفهم كلاً منهما؟
إن مفهوم الرأي العام مرتبط بالناحية الجماهيرية؛ حيث تتشكل قناعة عند جمهور الناس بكافة شرائحهم بأن مشروع الخلافة هو مشروع اﻷمة النابع من عقيدتها، وهو مخلصها مما هي فيه، وفيه حلول لجميع مشكلاتها، ويصبح مطلبا لها.
أما مفهوم الوعي العام فهو مرتبط بالناحية الفكرية، أي بوعي هؤلاء الجماهير على أفكار اﻹسلام العامة، وليست التفصيلية، مثل العقيدة اﻹسلامية والجهاد والخلافة فرض، والتشريع لله وليس للناس، والسلطان للأمة، ووحدة اﻷمة ووحدة دولتها، والبيعة، وغير ذلك من اﻷفكار العامة، وهذا هو الحد اﻷدنى مع الاستمرار في رفع مستوى هذا الوعي عند اﻷمة وتنميته.
فإيجاد الرأي العام المنبثق عن وعي عام عند الأمة على الإسلام هو الكيفية التي يجري بواسطتها تغيير نظرة الناس إلى المصالح، ولأن واجب الدولة أن ترعى شؤون الناس وتشرف على تسيير مصالحهم حسب هذه النظرة. ومن هنا عُرّفت الدولة بأنها كيان تنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تقبلتها مجموعة من الناس.
وبما أن الحزب يسعى لأن يرعى مصالح الناس على أساس الإسلام، أي يريد أن يقيم سلطانا إسلاميا، وأن يبني دولة إسلامية، لذلك كان لا بد له أن يغير نظرة الناس إلى المصالح أولا، وبتعبير آخر أن يعمل لإيجاد مجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات الإسلامية لدى الأمة، وحملها على تقبلها لها عن قناعة.
أما أخذ القيادة الفعلية للأمة فإنه يعني أن يقوم الحزب بقيادة الأمة الإسلامية كلها بوصفها أمة لمبايعته على الحكم وعلى حماية الحكم، أي أن يقودها فعلا لمبايعته بيعة حربية تماما كبيعة أهل المدينة للرسول ﷺ في العقبة الثانية حيث بايعوه على حرب الأحمر والأسود من الناس، وعلى نهكة الأموال وقتل الأشراف.
وهذا ما يسمى العمل العام: وهو أن تصل قناعة اﻷمة وإقبالها على الحزب إلى درجة أن يأمر الحزب فيستجيب الناس وينفذوا، ويقوموا بالعمل العام بأن تخرج الجماهير منقادة للحزب، وهذا في الغالب ﻻ يكون إﻻ في ظل الدولة، أو في حالة تحييد الجيوش والقوة القاهرة للناس.
إلا أن عملية تغيير المجتمع في بلاد المسلمين وتحويله إلى مجتمع إسلامي تقتضي من حملة الدعوة مباشرة القيام بما من شأنه أن يحدث الانقلاب الشعوري إلى جانب الانقلاب الفكري الذي تمكنوا من إحداثه في المجتمع بهدف التمكن من تحقيق الانقلاب السياسي بشكل طبيعي وحتمي بإذن الله. فانقياد الأمة لحملة الدعوة لتحقيق قضية الإسلام المصيرية يجب أن يكون الإسلام بوصفه عقيدة ينبثق عنها نظام يعالج جميع مشاكل الحياة يكون مرتبطاً وممتزجاً بالطاقة الحيوية التي تتحرك في مجموع الأمة فتدفعها لطلب الإشباع، فتقوم الأمة بوصفها أمة بالتحرك بالقول أو العمل من أجل تحقيق الإشباع على الوجه الذي يقتضيه الإسلام، ما يعني بالضرورة التحرك للقيام بالأعمال التي تتحقق بها عودة الإسلام مطبقاً في واقع الحياة والمجتمع والدولة.
فالمدقق في واقع الأمة اليوم، يدرك أن حزب التحرير قد نجح بحمد الله تعالى وتوفيقه في إيجاد الرأي العام المنبثق عن وعي عام عند الأمة على الإسلام.
وأهم الوقائع الملموسة التي تدل على أن حزب التحرير أوجد الرأي العام المنبثق عن وعي عام أن الأمة الإسلامية أصبحت تتطلع إلى الإسلام كنظام يعالج جميع مشاكل الحياة. فالمسلمون في جميع البلاد الإسلامية بل في جميع العالم، يتطلعون لعودة الخلافة، وعودة الإسلام إلى الحكم والدولة. لذلك نستطيع أن نقول بأن عقيدة فصل الدين عن الحياة لم تعد هي المسيطرة على أذهان المسلمين، ولم تعد تتحكم في نظرة المسلمين إلى ما يجب أن يكون عليه واقع حياتهم ومجتمعهم ودولتهم.
أيضا العقيدة الإسلامية أصبحت عند المسلمين أساساً للتشريع ومقياساً للأفكار؛ فالديمقراطية مثلاً لا يروج لها اليوم في بلاد المسلمين على اعتبار “أعطِ ما لقيصر لقيصر وما لله لله”، ولا أن المشرع هو الإنسان وليس الله تعالى.
والثورات التي حدثت والشعارات التي رفعت أثبتت لنا أن الأمة الإسلامية هي أمة واحدة وأنها بحق أمة الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، وعندها القدرة الذاتية على استعادة مجدها وعودتها دولة كبرى يحسب لها كل حساب في الميزان الدولي وفي رسم سياسة العالم والتأثير في أحداثه.
لذلك على حملة الدعوة الإسلامية أن يستمروا في توعية المسلمين بأفكار الإسلام وأحكامه لزيادة الوعي العام عند الأمة على أحكام الإسلام وأنظمته، على أن يكون ذلك عملاً من أعمال ربط هذه الأفكار والأحكام بالطاقة الحيوية التي تتحرك في مجموع الأمة، حتى يتشكل من هذا الربط مشاعر لهذه الأفكار والأحكام، تكون الدافع المباشر لتحرك الأمة بمجموعها للقيام بالأعمال التي تعيد الإسلام مطبقاً في واقع الحياة والمجتمع والدولة، وهذه هي قضية الإسلام المصيرية.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
دارين الشنطي