جريدة الراية: قوموا إلى خلافتكم أيها المسلمون يرحمكم الله
2021-02-17
تنهض الأمم بالأفكار والمفاهيم التي تحملها والتي تترجم في شكل الأنظمة التي تحكمها، فإذا انفصلت الأفكار والمفاهيم عن الأنظمة كان الانحطاط الذي عاشه العرب قبل بعثة النبي ﷺ وتعيشه الأمة الآن في ظل الرأسمالية التي تحكم بلادنا وتتحكم فينا، ولن تنهض الأمة وتستعيد سابق مجدها وعزها إلا بالإسلام، ولله در عمر حين قال: “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله“، وقد يقول قائل دون ترو وإمعان نظر لقد نهض الغرب دون الإسلام بل عندما تخلى عن الأديان وحمل الرأسمالية والديمقراطية كمبدأ، ولعله لو أمعن النظر لما سأل، فالرأسمالية دين جديد وإن لم يعترفوا بذلك فلها عقيدة تفصل الدين عن الحياة ولها رأي في الحياة وما قبلها وما بعدها، وإن أقرت بوجود الخالق إلا أنها رفضت أن يكون مدبرا لشؤون الناس منظما لعلاقاتهم، ورغم أنها أوجدت نهضة حقيقية ملموسة إلا أنها نهضة مؤقتة فاسدة يظهر فسادها وعوارها لكل ذي عين بصيرة، وفساد الغرب ومجتمعاته وتحكم الرأسماليين الكبار وأصحاب السلطة فيه خير دليل على ذلك، فأصبح النظام في خدمة أصحاب رؤوس الأموال والمنتفعين يخدمهم ويلبي حاجاتهم، ويكتوي بناره كل من دونهم كل على حسب درجته؛ فشعوب الغرب أعلى درجة من شعوبنا المسلمة وباقي الشعوب!
ولهذا فالعالم الآن أحوج ما يكون إلى بديل حقيقي، إلى نظام الإسلام ودولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة لينقذه من الرأسمالية التي تغرق وتغرقه معها. نظام يطبق العدل على الناس دون النظر لدين أو عرق أو لون أو طائفة، أما بالنسبة للمسلمين ففوق كون هذا النظام يعيد لهم كرامتهم وعزتهم وثروتهم وخيراتهم وحريتهم التي سلبها الغرب منهم، فهو النظام الذي ارتضاه الله لهم وأوجب عليهم تطبيقه وحرم عليهم مخالفته ولا قيد شعره، فقد خاطب الله نبيه ﷺ قائلا: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ﴾ وقائلا: ﴿وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ وخطاب النبي هنا هو خطاب لأمته فيصبح تطبيق الإسلام والحكم به واجباً في حق الأمة بعمومها بحيث لا يجوز لمسلم إلا أن يكون حاله بين واحدة من ثلاث وإلا يأثم؛ إما أن يكون محكوما بالإسلام أو حاكما به أو عاملا لكي يَحكم أو يُحكم بالإسلام، فما بالكم بمن يعادي ويحارب تطبيق الإسلام ويمنع إعادة الدولة التي تطبقه وتجعل منه واقعا عمليا يراه الناس؟! هذا قطعا جرمه عند الله عظيم.
وتطبيق الإسلام ليس كما تروج الأنظمة في وجود المسلمين والمساجد والسماح للناس بأداء العبادات الفردية من صلاة وزكاة وصيام وحج، ولا تطبيق بعض البلاد للحدود التي ليست إلا جزءاً من قانون العقوبات في شريعة الإسلام، فكل هذا لا يجعل من الإسلام مطبقا ولا يجعل من البلاد دار إسلام بل يجب أن يطبق الإسلام كاملا شاملا في كافة جوانب الحياة حتى تصبح البلاد دار إسلام ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ ولهذا فلا شيء أوجب على المسلمين من تطبيق الإسلام أو العمل لذلك، ورسولنا ﷺ قد أقام دولة للإسلام في المدينة وحكمها بالإسلام وأخضع جزيرة العرب كلها تحت رايته، وجاء بعده الخلفاء الراشدون، فساروا فيها على منهاج النبوة، ففتحوا البلدان وطبقوا الإسلام كما طبقه الرسول ﷺ، وإن جاء بعدهم خلفاء حادوا عن منهاج النبوة إلا أن الإسلام بنظامه ودولته ظل مطبقاً على المسلمين، وكانت بلاد الإسلام دولة واحدة يحكمها حاكم واحد خليفة للمسلمين يبايع على كتاب الله وسنة رسوله ليطاع من الناس على أن يحكمهم بالإسلام كاملا شاملا غير منقوص، فإن خالف ولم يحكم بالإسلام أو أظهر الكفر البواح فلا سمع له ولا طاعة، ووجب خلعه وتنصيب من يطبق الإسلام عوضا عنه، فعن عبادة بن الصمت أنه قال: دَعَانَا النَّبِيُّ ﷺ فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: «أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنْ الله فِيهِ بُرْهَانٌ» وظلت دولة الإسلام تحكم العالم ما يزيد على ثلاثة عشر قرنا من الزمان عرف الناس في ظلها معنى العدل حقا، كانت هي الدولة الأولى في العالم بلا منازع حتى تكالب الغرب عليها وأزالوها من الوجود في أوائل القرن العشرين الميلادي، حتى يتمكن من امتصاص دماء الناس وثرواتهم.
إن قضية المسلمين المصيرية التي يجب اتخاذ إجراء الحياة أو الموت تُجاهها، هي إعادة تطبيق الإسلام؛ بإقامة دولة الخـلافة الراشـدة على منهاج النبوة، فالإسلام يجب أن يسود بلاد المسلمين، وهذا لا يكون إلا بخليفة تبايعه الأمة عن رضا واختيار منها وتعطيه صفقة يدها وثمرة قلبها طاعةً في السر والعلن، على أن ينوب عنها في تطبيق الإسلام عليها وحمله بها للعالم بالدعوة والجهاد رسالة هدى ونور يخرج بها الله من شاء من عباده من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
بقلم: الأستاذ سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
المصدر: جريدة الراية