مائة عام ودماؤنا مسكوبة وثرواتنا منهوبة
هذا تذكير لأبناء خير أمة أخرجت للناس من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب بمرور الذكرى المئوية على هدم دولتهم دولة الخلافة في رجب 1342هـ، وإن الغاية من التذكير ليس البكاء والنحيب بل النهوض والعمل لإعادتها من جديد لأنها الأم الرؤوم والأب الحنون وفوق هذا وذاك فإن العمل لإعادتها فرض بل تاج الفروض بالأدلة الشرعية من القرآن والسنة وإجماع الصحابة التي سطرت أن وحدة المسلمين واجبة ولا يتحقق معنى الوحدة إلا في ظل دولة واحدة للمسلمين وهي دولة الخلافة، لذا لزم التذكير بفرضية العمل وإثم القعود عن إقامة هذا الفرض العظيم فهو فرض كالصلاة والصيام يأثم كل قاعد ومتهاون فيه طالما الخلافة غائبة عن الوجود.
وسوف نسرد جزءاً يسيراً من المعاناة التي حلت بأبناء هذه الأمة في كل شبر من هذا الكون الفسيح وهذا الجزء يتعلق بجانبين:
الجانب الأول: سالت دماء هذه الأمة بعد هدم دولة الخلافة
بداية من الأرض المباركة فلسطين التي ترزح تحت وطأة شرار الخلق يهود منذ دخول العصابات اليهودية بمساندة ودعم من الغرب الكافر وبالذات بريطانيا المجرمة الماكرة، وقد حدث هذا بعد هدم دولة الخلافة في 1924م ومن ثم الاعتراف بدولة يهود في 1947م في هيئة الأمم وإلى اليوم 2021م، عانى أهلنا في الأرض المباركة من المذابح وهدم المنازل وتم إذلالهم وطردهم وتشريدهم من بلادهم وما زالت معاناتهم وآلامهم وهم يستصرخون إخوانهم المسلمين وجيوشهم لتحرير أرض الإسراء والمعراج من دنس يهود.
وإلى جرح نازف آخر وهو تركستان الشرقية إخوتنا الإيغور الذين يعانون أصناف العذاب والقهر لم يلتفت أحد إلى معاناتهم حتى الإعلام يتغافل عما يلاقونه من معاناة، فقد قتل من الإيغور المسلمين أكثر من مليون مسلم في المواجهات التي تمت في عام 1949م عندما استولى النظام الشيوعي الصيني بقيادة ماو تسي تونغ وهدموا ما يقدر بـ25 ألف مسجد، واليوم وبعد تنصل الصين من نصف شيوعيتها “الاقتصاد” إلا أن ملاحقة أي مظهر من مظاهر التدين، خاصة لدى الشباب، ظلت هي السياسة الفعلية التي تمارسها الصين في الإقليم. رصد عمليات الإعدام والاعتقالات التي تنفذها في ظلمة تفرضها قسراً على الإقليم، وتتعقب المسلمين الإيغور الذين فروا منها وأصبح لهم صوت في الخارج، وتحت ذرائع “الإرهاب” فقد تمكنت من اعتقال الكثير منهم عبر القنوات الأمنية الدولية، لا سيما من بلدان آسيا الوسطى وباكستان، وقامت بحجز جوازات السفر، والتضييق عليهم في عباداتهم مثل منع موظفي القطاع العام والطلبة من صوم رمضان، وملاحقة واعتقال من يظهر المظاهر الإسلامية؛ فتحت عنوان “الصين تلاحق المسلمين.. إقرار مكافأة مالية لمن يُبلغ عن الملتحين والمنتقبات” نقل موقع صحيفة الديار في 2017/2/23 عن صحيفة محلية في الصين، إضافة لحملات تعقيم النساء المسلمات في الإقليم، فقد ذكرت وثائق شينجيانغ للحكم الذاتي الإيغوري أن السلطات الصينية تعتزم تعقيم آلاف النساء الإيغور. ووصفت مجلة فورين بوليسي الأمريكية مثل هذا النوع من الإبادة الجماعية من الصين، وفي المقال، هناك أجزاء مستشهد بها من ميزانية تنظيم الأسرة في عام 2019م.
وإلى اليمن التي لم يخل أي بيت فيها من قتيل سواء بسبب طائرات حكام الخليج أو بالزج بهم وقوداً في الحرب من قبل أطراف الصراع العملاء، أو بسبب الأمراض التي فتكت بالناس بسبب الحرب بالوكالة بين الحكام العملاء، أو جريح أو منكوب أو مسجون أو فقير. هذا هو حال أهل اليمن على الأرض ولم تبدأ معاناة أهل اليمن منذ انطلقت العاصفة في 2015/3/26م وإنما بدأت معاناتهم منذ سقوط حكم الإسلام ودخل اليمن في أتون الصراع بين دول الغرب الكافر، فخلال المائة سنة شهدت العديد من المجازر بين عملاء الغرب من الحكام في الشمال والجنوب راح ضحيتها المئات من الأبرياء ومن المغرر بهم في حروب عبثية.
وللتذكير فقط ففي 1963 شهد جنوب اليمن قتالاً شرساً بين الجبهة القومية وجبهة التحرير، وفي 1986م في جنوب اليمن أيضاً بين حكام جنوب اليمن آنذاك، وشهدت المناطق الوسطى في وسط اليمن عام 1978م حرب الجبهة أو حرب المناطق الوسطى، وفي 1994م حرب بين حكام الشمال وحكام الجنوب، وحروب صعدة الست من بداية الألفية إلى 2010م، وكل هذه الحروب التي أهلكت الناس والأرض لخدمة الكفار وهي حروب بالوكالة، هذا حال اليمن الذي كان سعيداً في ظل دولة الإسلام.
ولن نطيل في لفت انتباه أبناء الأمة إلى ما تعانيه أمتهم بل نكتفي بهذه الثلاثة النماذج، وسبب كل هذا هو الحكام العملاء للغرب الكافر وغياب الراعي، غياب الخليفة، غياب جُنة المسلمين.
الجانب الثاني: النهب المنظم لثروات هذه الأمة من قبل أعدائها بشكل مباشر أو بواسطة شرذمة قليلة من أبنائها العاقين العملاء
لقد حبا الله هذه الأمة بثروات كبيرة تحت الأرض وعلى ظهرها ولكن هذه الثروات بسبب تسلط الغرب على هذه الأمة عن طريق الحكام العملاء أضحت مصدراً للشقاء بدل الرخاء؛ فالنفط والغاز والمعادن والأرض الخصبة والبحار والمضيقات والخلجان والأنهار، كل هذه الثروات اجتمعت في بلاد المسلمين، وكثير من بلاد المسلمين الغنية بالثروات تجد الصراع الدامي فيها وتجد أهلها تحت خط الفقر!
حتى البلاد التي يصل إليها جزء بسيط من ثروات البلد مثل الدويلات في منطقة الخليج لم ينعم أهلها بثرواتهم بالشكل المرضي لربهم بل فتح حكامهم العملاء لهم باب الشر ففتحوا لهم البورصات والبنوك الربوية والشركات المساهمة والفنادق التي تقدم كل ما يغضب الله، والبعض منهم ذهب بأمواله ليستثمرها في أمريكا وأوروبا، وكلا الطرفين سواء؛ من يجد الفتات من خيرات بلاد المسلمين أو المحرومون منها.
وسوف نعطي مثالاً على بلد غني بالثروة وأهله من الجوع أموات:
على سبيل المثال نيجيريا: فإنه لا يخفى على أي متابع أنّ نيجيريا بلد غني بالثروات المعدنية والبترولية ومعروف عالميا بكونه من أهم الدول المنتجة للنفط والغاز، وهي عضو في منظمة “أوبك”، هذه الثروة سال لها لعاب الدول الاستعمارية وبالذات بريطانيا وأمريكا، وتجهد الصين للحاق بهم في القارة الأفريقية. ولطالما مثلت منطقة دلتا النيجر وهي بلاد إسلامية والتي تقع نيجيريا ضمنها، وهي واحدة من أغنى المناطق الطبيعية على كوكب الأرض، مسرحاً للعديد من الصراعات وموطناً للجماعات المسلحة في نيجيريا منذ عقود، ويمثل النفط محور هذه المشكلة فمنذ اكتشافه سنة 1957، وإلى اليوم تعتبر دلتا النيجر واحدة من أفقر المناطق وأكثرها تلوثاً وعسكرةً في هذه الدولة الأفريقية، فيا للعجب!!
وتشهد نيجيريا صراعات وحروباً مستمرة مما يدفع أهلها للهجرة، والسبب الرئيسي لما تعانيه نيجيريا هو الصراع الدولي عليها بين أمريكا مع عملاء بريطانيا…
وهكذا هو حال بلاد المسلمين بعد هدم دولة الخلافة أصبحت ميداناً لكل متصارع ونهباً لكل طامع.
فالفقر مدقع حيث يعيش حوالي 87 مليون إنسان تحت خط الفقر ما يعادل نحو 50 بالمئة من إجمالي عدد السكان، وخلال 2019م باتت نيجيريا البلد الذي يضمّ أكبر نسبة من حالات الفقر المدقع في العالم، متخطّية الهند في هذا الخصوص، بحسب معهد “وورلد بوفرتي كلوك”. والخدمات شبه معدومة في ظلّ تداعي شبكات الطرقات والمياه الجارية والكهرباء وانتشار النفايات في الشوارع، ويفيد هذا المعهد البحثي بأن ستة نيجيريين ينزلقون في دوّامة الفقر المدقع كلّ دقيقة. ومن المتوقّع أن تبلغ نسبتهم 45,5% من إجمالي عدد السكان بحلول 2030، أي 120 مليونا، في مقابل 44,1% حالياً.
السؤال هنا أين تذهب ثروات نيجيريا؟ لماذا أهلها تحت وطأة الفقر والقتل والمرض والهجرة والإذلال؟ إنها تذهب إلى بلاد الكفار بثمن بخس تحرك مصانعهم وتنير طرقاتهم وتوفر لهم سبل الراحة، بينما أهل الثروة في شقاء وتعاسة!
هذا نزر بسيط لما تعانيه الأمة الإسلامية بسبب عدم وجود الراعي الذي وصل غيابه إلى مائة سنة، ولا يوجد حل إلا العمل مع حزب التحرير الذي يعمل بين الأمة ومعها لإعادة خلافتها من جديد، ندعوكم أيها المسلمون للعمل معنا للخروج من هذا المستنقع الآسن، إلى العمل للخلافة، إلى العمل لإعزاز هذا الدين بإعادة سلطان الإسلام إلى الأرض بعد أن غاض منها مائة عام.