بهدم الخلافة فقدت الأمة الإسلامية مكانتها وعزتها بين الأمم
مضى قرن من الزمن والأمة الإسلامية تعيش حالة من الضياع والشتات وفقدان الهوية الإسلامية حتى أصبحت غربة هذا الدين العظيم نلمسها عندما نتصل بالكثير من أبنائها، وتجري النقاشات حول بعض أفكار الإسلام، مثلا عن نظام الحكم في الإسلام، والحكم الشرعي وما هو الأصل في الأفعال عند مباشرتها، فترى الإجابات مشلولة الجانب، بعيدة كل البعد عن الصواب، وخاصة ممن يسمونهم علماء الدين، فالإجابات لديهم مختصرة وكأنها مرسومة لديهم أمام أعينهم؛ فنظام الحكم شوريّ ولو كانت القيادة جماعية، وإن ناقشته في حال بلاد المسلمين الممزقة لجأ إلى الواقعية وانغمس في مستنقع الهوان والخوف والذل، يداري ويماري من تَسمى في ظل أنظمتهم بالعاِلم إلا من رحم الله.
والسبب هو هذا النظام الرأسمالي العالمي الذي فرضه الغرب الكافر المستعمر علينا فرضاً، واستخدم سياسات عدة لطمس الهوية الإسلامية لدى الأمة الإسلامية وتغييب حقيقة نظام الحكم في الإسلام (الخلافة)، فالأمة منذ مبعث عزتها زمن الرسول ﷺ والصحابة والتابعين وتابعي التابعين ومن أتى بعدهم، كانت لديهم مسلمات هي بالنسبة لهم مصالح حيوية وقضايا مصيرية يتخذون حيالها إجراء الحياة أو الموت؛ ومنها الخلافة، وعندما رأت الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا عدوة الإسلام والمسلمين أن قوة المسلمين تكمن في عقيدتهم ونظام الحكم فيها، عمدوا إلى استئصال مكمن الخطر الذي يهددهم وهو نظام الحكم (الخلافة)، ولكنهم عجزوا عن استئصال عقيدة المسلمين حتى بقيت جذوتها متقدة عند أبناء الأمة، ولذلك ليس مستغرباً ما فقدته الأمة الإسلامية عند غياب خلافتها ومبعث عزتها فقد فقدت عزتها.
نعم فقدت عزتها، وإلا فالتاريخ شاهد؛ فلقد كانت خطابات ورسائل خلفاء الدولة الإسلامية على مر العصور للكفار حارقة خارقة، ضربات السيوف أهون عندهم من حبر مسطر على ورق. ومن ذلك رسالة هارون الرشيد التي كتبها قائلاً: “من عبد الله أمير المؤمنين هارون الرشيد إلى نكفور كلب الروم، الرد ما تسمع لا ما ترى يا ابن الكافرة”، وهذا على العكس تماماً من موقف المهانين حكام المسلمين اليوم الذين يبيعون دينهم ليس بدنياهم بل بدنيا غيرهم من المستعمرين الكفار ومساعيهم الحثيثة في بيع بلاد المسلمين قطعة قطعة وتسليمها إلى أحضان الكفار، وما تطبيع الإمارات والبحرين مع كيان يهود المسخ إلا واحدة من إحدى الكبر.
أضف إلى ذلك فقدان الأمة الحماية والوقاية من أعدائها لأنها أصبحت منخورة من الداخل بعمالة الحكام للأعداء وتطبيق ما يُملى عليهم من أنظمة وفرض السيطرة عليها في طريقة العيش المناقضة للعقيدة الإسلامية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وهلم جرا… والحال يغني عن المقال.
أضف إلى ذلك فقدانها العلماء الربانيين الذين يقولون ويقومون بالحق لا يخافون في الله لومة لائم، لأن من طبيعة تطبيق النظام الرأسمالي وفرض ثقافته على الأمة أن ينتج علماء دين مصبوغون ليس بصبغة الإسلام بل بصبغة نظام الحكم المطبق عليهم، فكم سمعنا من تناقضات لعلماء السوء في إصدار الفتاوى بحجج واهية ما أنزل الله بها من سلطان، حتى وصلت الأمة إلى هذا الحد من الانحدار والانحلال والانحطاط، ولن تعود لسابق مجدها وعزتها إلا بعودة الأم الراعية والحمى الحامية؛ الخلافة الراشدة الثانية القائمة قريبا بإذن الله تعالى.