أليست مائة عام من الغربة كافية؟! يقول رسول الله ﷺ: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيباً فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» صدق رسول الله ﷺ.
لعلّنا بهذا الحديث الشريف نفهم حال الغربة التي يعيشها المسلمون اليوم عن دينهم بعد 100 عام من تعطيل شرع الله في الحكم والاقتصاد والسياسة الخارجية والقضاء، بعد 100 عام من التبعية للغرب وفرض دساتيره وأنظمته وكامل سيطرته على المسلمين، فما أصعب حال هذه الغربة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الأمة الإسلامية، خصوصا وأنّ أعداء الأمة قد عملوا على تشويه فكرة الخلافة ومفهوم الدولة الإسلامية وضربها في أذهان المسلمين حتّى يُفقدوا المسلمين ثقتهم بالإسلام وقدرته على النهوض بهم من جديد.
وكان من معنى غربة الإسلام عند المسلمين أن يستهجن البعض من أبناء الأمة فكرة الخلافة ويستعظم البعض حدوثها أو يستبعدها آخرون بحجّة أنّ الوقت ليس مناسبا للحديث عن إقامة دولة تجمع كلّ أقطار المسلمين وتُوحّدهم في ظل التغيّرات السياسية العالميّة، وقد استنكر آخرون وجود دستور إسلاميّ كامل وجاهز للتنفيذ خصوصا بعدما تردّد لعقود طويلة من بعض المشايخ والمتفيقهين بأنّ الخلافة ليست فرضا إسلاميّا ولا نصّا إسلاميا ولا فكرة إسلاميّة حتى، وأنّ شكل الدولة يتحدّد وفق قاعدة الزمان والمكان.
إنّ مفهوم الغربة الذي جاء في الحديث الشريف لا يتعلّق بغربة الإسلام كمعتقد نؤمن به، إذ لا يمكن أن تتخلّى الأمة الإسلاميّة عن دينها، ولكنّ مفهوم الغربة في قوله ﷺ «وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيباً» فمن حيث الفكرة الأساسيّة لهذا الدين وهي الإيمان المطلق بالله والتسليم المطلق لتشريعاته وأحكامه وأنظمته بما أنزل من الوحي على رسوله في القرآن والسنّة.
كيف للمسلمين أن يظنّوا أن الإسلام قد تحدّث عن الصلاة والصوم والحج وعن ماذا نأكل وما نشرب وما نلبس وعن الأخلاق والقيم، وغفل عن تنظيم المشكلات السياسية والاقتصادية وتنظيم معاشات الناس ومصالحهم المرتبطة بالفرد والمجتمع والدولة؟!
هذا الفهم يمكن أن يتبنّاه شخص نصرانيّ لأنه يتناسب مع ما يؤمن به من دين كهنوتي مفصول عن الحياة وأنّ ما لله لله وما لقيصر لقيصر. لكن المسلم لا يتناسب معه هذا الفصل لأنّ الدين الذي يؤمن به شامل كامل يعالج كل مشاكل الحياة وهو دين منه الدولة، أي أنه عقيدة يؤمن بها وينبثق عنها نظام يُنظّم كامل حياتنا.
لذلك كان تصوّر وجود دولة في الإسلام هو تصوّراً ضروريّاً وأمراً حتميّاً ما دمنا نتحدّث عن دين الإسلام الكامل الشامل وأنّ فكرة الخلافة هي ضرورة شرعيّة وكونيّة وليست حلما أو خيالا كما يُسوّق أدعياء العلمانية عبر الفضائيات والإذاعات.
إنّه من الغربة حقّا لأمّة تمتلك حضارة عظيمة وموروثا تشريعيا وفكريا ودستورا كامل الجهوزيّة يعرضه عليها حزب التحرير، أن تتنازل وتطرق أبواب الحضارة الغربيّة التي تعيش حالة من الإفلاس الفكري والتشريعي والروحي والأخلاقي وتُشرف على الانتهاء، فهل هناك مجال لمزيد اللجوء للفكر الرأسمالي المفلس لحلّ مشاكلنا والتنبيش في نفايات ديمقراطيّتهم عن معالجات لأمور حياتنا؟! إنّ من يتمسّك بالساقط سيسقط معه، وهذا ما يفعله حكّامنا وساستنا في بلادنا الإسلامية!
إنّ مائة عام من الغربة كافية ليفهم المسلمون أن لا حلّ لهم إلاّ بالعودة للإسلام والنهوض على أساسه، وأن يلتفّوا حول حزب التحرير وينُاصروه لإقامة الخلافة الراشدة التي بشر رسولنا الأكرم بعودتها، وأن يزيدهم وعد الله سبحانه بالاستخلاف وبشارة رسولنا ﷺ بالخلافة، يقينا بوجوب العمل مع العاملين لإعادة تطبيق شريعة ربّهم، وهذا أمر ربّنا ولا خيار لنا فيه بل هو الخير للدنيا والآخرة.
قال رسول الله ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» ثُمَّ سَكَتَ.