المادة -7-
المادة 7 – تنـفـذ الدولة الشرع الإسلامي على جميع الذين يحـمـلون التابعية الإسلامية سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين على الوجه التالي:
أ – تنفذ على المسلمين جميع أحكام الإسلام دون أي استثناء.
ب – يُترك غير المسـلـمـين وما يعتقدون وما يعبدون ضمن النظام العام.
ج – المرتدون عن الإسلام يطبق عليهم حكم المرتد إن كانوا هم المرتدين، أما إذا كانوا أولاد مرتـدين وولدوا غير مسلمين فيعاملون معاملة غير المسلمين حسب وضعهم الذي هم عليه من كونهم، مشركين أو أهل كتاب.
د – يعامل غير المسلمين في أمور المطعومات والملبوسات حسب أديانهم ضمن ما تجيزه الأحكام الشرعية.
هـ – تفـصـل أمـور الـزواج والطلاق بين غير المسلمين حسب أديانهم، وتفصل بينهم وبين المسلمين حسب أحكام الإسلام.
و – تنفذ الدولة باقي الأحكام الشرعية وسائر أمور الشريعة الإسلامية من معاملات وعقوبات وبينات ونظم حكم واقتصاد وغير ذلك على الجميع، ويكون تنفيذها على المسلمين وعلى غير المسلمين على السواء، وتنفذ كذلك على المعاهدين والمستأمنين وكل من هو تحت سلطان الإسلام كما تنفذ على أفراد الرعية، إلا السفراء والرسل ومن شاكلهم فإن لهم الحصانة الدبلوماسية.
إن الإسلام جاء لجميع الناس، قال تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ)) [سبأ 28] وكما أن الكافر مكلف بالأصول، أي بالعقيدة الإسلامية، فكذلك هو مكلف بالفروع أي بالأحكام الشرعية، أما كونه مكلفاً بالأصول فصريح في آيات القرآن الكريم، وأما كونه مكلفاً بالفروع فلأن الله قد كلفه صراحة ببعض الفروع، منها أن الآيات الآمرة بالعبادة متناولة لهم، كقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ)) [البقرة 21] وقوله تعالى: ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)) [آل عمران 97] ونحو ذلك، ومنها أنهم لو لم يكونوا مكلفين بالفروع ما أوعدهم الله تعالى عليها، والآيات الموعدة بتركها أي بسبب تركها كثيرة، منها قوله تعالى: ((وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)) [فصلت]، وقوله تعالى: ((وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً )) [الفرقان] وقوله تعالى: ((مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ )) [المدثر]، فثبت كونهم مكلفين ببعض الأوامر وبعض النواهي فكذلك سائر الأوامر والنواهي. وأيضاً فإن الآيات التي جاء التكليف بها بالفروع جاءت عامة، والعام يجري على عمومه ما لم يرد دليل التخصيص، ولم يأت دليل يخصها بالمسلمين فتظل عامة. من ذلك قوله تعالى: ((وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)) [البقرة 275]، وقوله تعالى: ((فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)) [الطلاق 6]، وقوله تعالى: ((فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ)) [البقرة 283]، وقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» أخرجه أحمد والترمذي بسند صحيح من طريق جابر. وقوله عليه الصلاة والسلام: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» أخرجه أحمد بإسناد صحيح من طريق سَمُرة بن جندب. إلى غير ذلك من الأحكام. وهذا دليل صريح على أنهم مكلفون بالفروع. وأيضاً فإن التكليف بالأصل تكليف بالفرع، والتكليف بالكل تكليف بالجزء، فالتكليف بالصلاة تكليف بالركعة والقراءة والقيام.. الخ. والكافر مكلف بالأصل فهو مكلف بالفرع. وأما عدم جواز بعض الفروع منهم كالصلاة والصوم فلأن شرطها الإسلام، فلا تصح حتى يتحقق الشرط، ولكن ذلك لا يعني أنها ليست واجبة عليهم، وأما عدم طلب بعض الفروع منهم كالجهاد، مع أن الإسلام ليس شرطاً في أدائه فلأن الجهاد قتال الكفار لكفرهم، والذمي كافر فيمتنع أن يقاتل الكفار لكفرهم، وإلا جاز أن يقاتل نفسه، ولذلك لم يكن مطالباً به. ولكنه إذا رضي أن يقاتل كافراً غيره يقبل منه ولكن لا يجبر عليه، إلا أن ذلك لا يعني أنه غير مكلف به من الله.
هذا من حيث كونهم مطالبين بأحكام الإسلام، أما من حيث تطبيق الحاكم جميع أحكام الإسلام عليهم، فلأن الله تعالى يقول في حق أهل الكتاب: ((فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)) [المائدة 48]، ويقول أيضاً في حقهم: ((وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)) [المائدة 49] وقال: ((إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ)) [النساء 105]، وهذا عام يشمل المسلمين وغير المسلمين، لأن كلمة الناس عامة: ((لتحكم بين الناس)). وأما قوله تعالى: ((سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ)) [المائدة 42] فإن المراد منها من جاء إلى الدولة الإسلامية من خارجها ليحتكم إلى المسلمين في خصومة مع كافر آخر أو كفار آخرين، فالمسلمون مخيرون بين أن يحكموا بينهم وبين أن يعرضوا عنهم. فإن الآية نزلت فيمن وادعهم الرسول صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة، وعقد معهم معاهدات، وكانوا قبائل يعتبرون دولاً أخرى، فلم يكونوا خاضعين لسلطان الإسلام، بل كانوا دولا أخرى. ولذلك كانت بينه وبينهم معاهدات. أما إن كانوا خاضعين لسلطان الإسلام، بأن كانوا ذميين، أو جاؤوا مستأمنين، فلا يجوز أن يحكم بينهم إلا بالإسلام، ومن امتنع منهم عن الرجوع إلى حكم الإسلام أجبره الحاكم على ذلك وأخذه به. إذ إنه لا يجوز عقد الذمة المؤبدة إلا بشرطين أحدهما: أن يلتزموا إعطاء الجزية في كل حول، والثاني التزام أحكام الإسلام، وهو قبول ما يحكم به عليهم من أداء حق أو ترك محرم، لقول الله تعالى: ((حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ )) [التوبة] أي خاضعون لأحكام الإسلام. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطبق عليهم أحكام الإسلام. روى البخاري من طريق ابن عمر: «أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا» وروى البخاري من طريق أنس «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَتَلَ يَهُودِيًّا بِجَارِيَةٍ قَتَلَهَا عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا». وهؤلاء اليهود كانوا من رعايا الدولة الإسلامية. وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران وهم نصارى «أَنَّ مَنْ بَايَعَ مِنْكُمْ بِالرِّبَا فَلاَ ذِمَّةَ لَهُ» أخرجه ابن أبي شيبة عن الشعبي مرسلاً، وهذا كله دليل على وجوب تطبيق جميع أحكام الإسلام على جميع الرعية، لا فـرق بين المسـلمين وغير المسلمين. وبناء على ذلك وضعت الفقرة (أ) من هذه المادة.
وأما الفقرة (ب) فإن الأمر العام في تطبيق أحكام الإسلام الوارد في قوله تعالى: ((فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ)) [المائدة 48] قد خصص شرعاً بغير العقيدة التي يعتقدونها، وبغير الأحكام التي هي عندهم من العقيدة، وفي غير الأحكام التي أقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم عليها. أما العقيدة والأحكام التي تعتبر عندهم منها والأحكام التي أقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم عليها فقد استثناها الإسلام بنصوص صريحة. قال الله تعالى: ((لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)) [البقرة 256] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ مَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيَّتِهِ أَوْ نَصْرَانِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لاَ يُفْتَنُ عَنْهَا، وَعَلَيْهِ الجِزْيَةُ» أخرجه أبو عبيد في الأموال من طريق عروة. فأي فعل كان من باب العقائد عندهم، ولو كان عندنا ليس من باب العقائد، فإننا لا نتعرض لهم فيه ونتركهم وما يعتقدون، وأي فعل أقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم عليه كشربهم الخمر وكزواجهم فإننا لا نتعرض لهم فيه ضمن النظام العام. أي يجوز لهم شرب الخمر في حياتهم الخاصة، وليس في الحياة العامة التي يشاركهم فيها المسلمون كالأسواق العامة … ونحوها.
وأما الفقرة (جـ) من هذه المادة فإن الإسلام قد وضع أحكاماً للمرتد، منها أنه يقتل إذا لم يرجع، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْـتُلُوهُ» رواه البخاري عن ابن عباس، وعن أنس قال: “فقدمت على عمر رضي الله عنه فقال: يا أنس، ما فعل الستة الرهط من بكر بن وائل الذين ارتدوا عن الإسلام فلحقوا بالمشركين؟ قال: يا أمير المؤمنين، قتلوا بالمعركة، فاسترجع عمر، قلت: وهل كان سبيلهم إلا القتل؟ قال: نعم، قال: كنت أعرض عليهم الإسلام، فإن أبوا أودعتهم السجن” أخرجه البيهقي. أي حتى يتوب، وإن لم يتب يقتل؛ لأنه يعرض الإسلام على المرتد وتتخذ معه أساليب للتوبة، فإن لم يتب يقتل، ولا يقتل بمجرد الارتداد. لما روي عن جابر: «أَنَّ امْرَأَةً هِيَ أُمُّ مَرْوَانَ ارْتَدَّتْ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهَا الإِسْلاَمُ، فَإِنْ تَابَتْ، وَإِلاَّ قُتِلَتْ» أخرجه الدارقطني والبيهقي. وهذا الحديث يستعمله عامة الفقهاء واستدل به ابن قدامة في المغني والماوردي في الحاوي الكبير وفي الأحكام السلطانية، وأبو إسحق الشيرازي في المهذب، والرافعي في الشرح الكبير، والبغوي في التهذيب، وابن الجوزي في التحقيق، فيعتبر من الحسن، ويعمَل به، أي يستتاب المرتد قبل قتله.
هذا بالنسبة للمرتد نفسه، أما بالنسبة لأولاده الذين ولدوا على غير الإسلام، أي إذا ارتد المسلم ولم يقتل وظل على الدين الذي ارتد إليه، كأن صار نصرانياً أو يهودياً أو مشركاً وظل كذلك، وولد له أولاد وهو على هذه الحال، فولدوا نصارى أو يهوداً أو مشركين، فهل يعتبر أولاده مرتدين فيعاملون معاملة المرتدين أم يعتبرون كاعتبار أهل الدين الذي ولدوا عليه؟. والجواب على ذلك بأن أولاد المرتد الذين ولدوا قبل ارتداده فإنهم يعتبرون مسلمين قطعاً، فإذا تبعوا أباهم بارتداده عوملوا معاملة المرتدين. وأما إن ولدوا بعد ارتداده من زوجة كافرة أو زوجة مرتدة فإنهم يعتبرون كفاراً ولا يعتبرون مرتدين، فيعاملون معاملة أهل الدين الذي ولدوا عليه. فكل من ولد للمرتد بعد كفره من زوجة كافرة أو مرتدة فهو محكوم بكفره لأنه ولد من أبوين كافرين. فإن كان الأبوان صارا يهوداً أو نصارى أي من أهل الكتاب عومل معاملة أهل الكتاب، وإن صارا مشركين عومل معاملة المشركين. وذلك لما روي عن ابن مسعود: «أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَرَادَ قَتْلَ أَبِيكَ (عقبة بن أبي معيط) قَالَ مَنْ لِلصِّبْيَةِ قَالَ النَّارُ» رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وفي رواية الدارقطني: «النَّارُ لَهُمْ وَلأَبِيهِمْ»، ولما ثبت في صحيح البخاري في باب أهل الدار من كتاب الجهاد: عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال: «مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالأَبْوَاءِ – أَوْ بِوَدَّانَ – وَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ، يُبَيَّتُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: هُمْ مِنْهُمْ». فكل من ولد لأبوين كافرين يعتبر كافراً، وحكمه حكم الكفار. وعلى ذلك فإن الذين ارتدوا عن الإسلام وصاروا فرقاً غير إسلامية، كالدروز، والبهائية، والقاديانية، لا يعاملون معاملة المرتدين، لأنهم ليسوا هم الذين ارتدوا حتى يعامَلوا معاملة المرتدين، بل أجدادهم هم الذين ارتدوا، وهؤلاء تولدوا من أبوين كافرين، فيحكم عليهم بالكفر، ويعاملون معاملة الكفار، وبما أن هؤلاء لم يرتدوا إلى دين من أديان أهل الكتاب، أي لم يرتدوا إلى النصرانية أو اليهودية، فإنهم يعاملون معاملة المشركين، فلا تؤكل ذبائحهم، ولا تنكح نساؤهم، لأن غير المسلمين إما أن يعتبروا من أهل الكتاب أو من غير أهل الكتاب – أي من المشركين – ولا ثالث لهما، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن مجوس هجر من رواية الحسن بن محمد بن الحنفية: «فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الجِزْيَةُ، غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وِلاَ آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» قال الحافظ في الدراية أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة، وهو مرسل جيد الإسناد. وأما ذرية الذين ارتدوا عن الإسلام وصاروا نصارى كما هي الحـال في لبنان مثل عائلة شـهـاب، فإن آباءها مسلمون ارتدوا إلى النصرانية، وجاءت ذريتهم على دين النصارى، فهؤلاء وأمثالهم يعاملون معاملة أهل الكتاب.
وأما الفقرتان (د، هـ) فإن دليلهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقر اليهود والنصارى على شرب الخمر، وأقرهم على زواجهم وطلاقهم، فيكون إقراره صلى الله عليه وسلم تخصيصاً للدليل العام، إلا أن إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم بالزواج والطلاق حين يكون الزوجان كافرين. أما إن كان الزوج مسلماً والزوجة نصرانية أو يهودية فإنه يطبق في حقهما أحكام الشرع. ولا يتأتى أن تكون الزوجة مسلمة والزوج كافراً؛ لأن ذلك باطل لقول الله تعالى: ((فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)) [الممتحنة 10] فلا يحل تزوج المسلمة بغير المسلم مطلقاً، وإن تزوجت فزواجها باطل.
وأما الفقرة (و) فإنه بالنسبة لتنفيذ جميع أحكام الإسلام دليله ما سبق من أن الكافر مكلف بالأصول، ومكلف بالفروع، ومطالب بجميع أحكام الإسلام. وهذا عام يشمل الذمي وغير الذمي ممن يعيش تحت سلطان الإسلام. فجميع الكفار الذين يدخلون دار الإسلام، سواء أكانوا ذميين أم معاهدين أم مستأمنين، يجب أن تطبق عليهم أحكام الإسلام، ما عدا العقائد، وما عدا كل فعل يعتبر من العقائد، وكل فعل أقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم عليه. إلا أنه يستثنى من ذلك السفراء، ومن هم من قبيلهم، فإنه لا تطبق عليهم أحكام العقوبات، ويعطون ما يسمى بالحصانة الديبلوماسية، وذلك لما روى أحمد عن ابن مسعود قال: «جَاءَ ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَابْنُ أُثَالٍ، رَسُولاَ مُسَيْلِمَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُمَا: أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالاَ: نَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، لَوْ كُنْتُ قَاتِلاً رَسُولاً لَقَتَلْتُكُمَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ: فَمَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الرُّسُلَ لاَ تُقْتَلُ» أخرجه أحمد وحسنه الهيثمي. فهذا الحديث يدل على تحريم قتل الرسل الذين يأتون من الكفار، ومثل القتل سائر العقوبات. إلا أن هذا لمن تنطبق عليه صفة الرسول، كالسفير والقائم بالأعمال ومن على شاكلتهما. أما من لا تنطبق عليه صفة الرسول كالقنصل وكالمعتمد التجاري ونحوهما فإنه لا حصانة لمثلهما، لأنه لا تنطبق عليه صفة الرسول. ويرجع في ذلك إلى العرف الدولي لأنه لفظ اصطلاحي يرجع في معرفة واقعه إلى العرف وهو من باب تحقيق المناط، أي معرفة هل هذا يعتبر من الرسل أم لا.