أين وصل العالم اليوم؟
إن الرأسمالية مبدأ مسخ جلب للعالم الويلات تلو الويلات، الرأسمالية التي كانت بداية ثورة على سلطة الكنيسة وإذلالها للناس حولت الناس من العبودية للكنيسة إلى العبودية للشهوات والانحرافات والتخلفات الرجعية التي جعلت الإنسان أقرب ما يكون حيوانا يقوم بما يحلو له دون أن يُعمل عقله وفطرته، الرأسمالية التي أسقطت الإنسان في دركات الجاهلية العمياء ما تركت ناحية من النواحي إلا وأفسدتها حتى وصل العالم لما وصل له اليوم.
حال البلاد الإسلامية: إننا إذا نظرنا إلى بلادنا الإسلامية لما احتجنا إلى كثير مقال حتى نبين ما الذي فعلته بنا الرأسمالية حتى سرقت ثرواتنا وأموالنا يبيعها الحكام الأنذال بثمن بخس دراهم معدودة للغرب الكافر المستعمر الذي لم يترك شيئا من ثروات البلاد الإسلامية إلا ووضع عينه عليها، حتى أصبحت بلادنا ساحة قتال وصراع بين دول الغرب المختلفة المتنافسة على ثروات هذا البلد أو ذاك.
ولعلنا لا نحتاج إلى الحديث الوضع السياسي في بلاد الإسلام التي جعلت المسلمين أذلة لا يجرؤ أحد منهم على الثورة على النظام الفاسد أو قول كلمة الحق دون أن يحسب لسجنه أو تعذيبه أو حتى قتله أي حساب، فالحكام العملاء عملوا جاهدين على سحق كل من تسول له نفسه الخروج على النظام الذي وضعه الغرب ونصبهم على رأسه، وذلك حتى يجعلهم منقادين له راضين بالخيانة التي يقوم بها هؤلاء الخونة.
ولعل الناحية الاجتماعية في بلاد الإسلام أقل ما تعاني لأن الأحكام الشرعية الاجتماعية بقي الناس يطبقونها في حياتهم حتى اليوم ومع ذلك يحاول الغرب عن طريق عملائه من حكام وجمعيات ومنظمات زعزعة النظام الاجتماعي عن طريق محاولة تطبيق اتفاقية سيداو وما ينبثق عنها من أجل جعل المجتمعات في البلاد الإسلامية مجتمعات منحلة كما هو الحال في المجتمعات الغربية.
وليس النظام الصحي أو التعليمي بناجٍ في بلادنا الإسلامية من ضنك الرأسمالية التي تجعل القوي يعيش على حساب الضعيف حتى أصبحنا في مجملنا نأخذ الفتات في الأمر كله، وقس على حالنا ما يحصل في الدول الفقيرة المنتشرة في شتى بقاع الأرض…
أين وصل العالم الغربي اليوم؟ على الصعيد الغربي وإذا ما نظرنا لدول الغرب لوجدنا كيف أشقت الرأسمالية أهلها وأعيتهم حتى أصبحوا هم أنفسهم يكرهون مبدأهم المطبق عليهم بشهادتهم هم، ففشل النظام الرأسمالي شمل كل النواحي؛ فعلى الصعيد السياسي كشفت دراسة نشرتها صحيفة التايمز البريطانية أن شباب جيل الألفية في الدول الديمقراطية في جميع أنحاء العالم يشعرون بخيبة أمل من نظام الحكم أكثر من أي جيل شاب آخر؛ فقد أظهر مسح لما يقرب من 5 ملايين شخص أن الشباب في العشرينات والثلاثينات من العمر، المولودين بين عام 1981 و1996، كان لديهم إيمان أقل بالمؤسسات الديمقراطية مما كان عليه آباؤهم أو أجدادهم في المرحلة الحياتية نفسها. وذكر التقرير أنه من بين 2.3 مليار شخص في البلدان التي شملها التقرير، فإن 1.6 مليار، أو 7 من كل 10 أشخاص، يعيشون في دول يتناقص فيها الرضا الديمقراطي من جيل إلى جيل. ولقد شهد العالم أجمع ما فعله ترامب ومؤيدوه عندما ثاروا على ديمقراطيتهم المزعومة عندما لم تعجبهم فلفظوا مبدأهم وتصرفوا بهمجية جعلت الغرب يقف مصدوما من صنيعهم.
أما من الناحية الاجتماعية فقد كشفت العديد من الدراسات المنشورة عن وضع المرأة السيئ جدا في بلاد الغرب؛ فقد رصدت إحصائيات عن اغتصاب امرأة كل 3 ثوانٍ بأمريكا، كما كشفت إحصائيات أخرى عن قتل مليون طفل سنويا في أمريكا ما بين إجهاض متعمد أو قتل فور الولادة، كما بلغت نسبة الطلاق في أمريكا 60% من عدد الزيجات، وفي بريطانيا 170 شابة تحمل سفاحاً كل أسبوع، وفي إسبانيا سجلت الشرطة أكثر من 500 ألف بلاغ اعتداء جسدي على المرأة في عام واحد وأكثر من حالة قتل واحدة كل يوم، وفي أمريكا 74% من العجائز النساء فقيرات و85% منهن يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعدة، كما أن مليون امرأة تقريباً عملن في البغاء بأمريكا خلال الفترة من 1980م إلى 1990م… والكثير من الدراسات التي ترينا بكل وضوح مدى سوء وضع المرأة.
إن الأرقام الواردة أعلاه في ازدياد مستمر إلى يومنا هذا مما جعل النساء يسارعن في الدخول إلى الإسلام الذين يجدن فيه ما ضيعته منهن الرأسمالية الوحشية، فوفقا لاستطلاعات مركز بيو للأبحاث فإن الإسلام من أكثر الديانات المتنامية في أمريكا، فقد وصل عدد الأمريكيين المعتنقين للإسلام إلى نحو مئة ألف شخص سنويا، ووفق دراسة لجامعة لينشبرغ فإن نسبة الأمريكيات اللاتي اعتنقن الإسلام مقارنة بالذكور هي أربعة إلى واحد، وفي بريطانيا وفقا لصحيفة “الإندبندنت” يزداد عدد معتنقي الإسلام سنويا إلى أكثر من خمسة آلاف بريطاني، تصل نسبة النساء منهم إلى 75%.
أما في الناحية الاقتصادية فلسنا بحاجة إلى أن نذكر كيف أن النظام الرأسمالي الاقتصادي قام بسحق الغالبية من الناس من أجل قلة قليلة منهم قاموا بتوزيع ثروات العالم عليهم ثم تركوا الفتات للباقي! فالتفاوت الصارخ في الثروة أصبح السمة الطاغية في عصرنا هذا، ولعل الجميع يعلم أن النظام الرأسمالي يجعل العاجز غير مستحق للحياة فتتركه للتسول ولا تضمن له حياة كريمة. ولقد شهد العالم أجمع عجز كل دوله عن التعامل مع أزمة كورونا وتضحيتهم إما بصحة الناس أو باقتصادهم، فقد ذكرت دراسة أجراها المعهد الأمريكي للدراسات السياسية أن هناك 643 مليارديرا في الولايات المتحدة الأمريكية، ارتفعت ثروتهم بنسبة 29% منذ بداية تفشي جائحة كورونا، في الوقت الذي خسر فيه الملايين وظائفهم حول العالم، هذا بالطبع مع عدم استعداد هؤلاء الأغنياء لمساعدة الفقراء؛ فقد كشفت دراسة أجراها فريق مشترك من الباحثين من عدة جامعات دولية أن الأغنياء لا يهتمون كثيراً بإعادة توزيع الدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية، وأن صانعي السياسة في كثير من الدول – متضمنةً الديمقراطيات الكبرى – يتجنبون الحديث عن إعادة توزيع الدخل؛ لقناعتهم بصعوبة استجابة الناخبين لفكرة توزيع جزء من ثرواتهم على مَن هم أقل منهم دخلاً.
ما البديل إذن؟ إن البديل غير واضح أبدا لدى الغرب، ولكننا نعلم علم اليقين أن البعد عن التشريع الإلهي لن تكون نتيجته إلا الهلاك والضنك، ونعلم أن العالم أحوج ما يكون اليوم لعدالة الإسلام ورحمته، وإننا لنعلم أن نظام الإسلام هو وحده القادر على إنقاذ العالم اليوم من الويلات التي يعيشها؛ ففيه نظام سياسي جلب للعالم الرحمة بتطبيقه، نظام عادل من عند رب العالمين الأعلم بمخلوقاته وبما يصلح حالهم، نظام يسعى من أجل رعاية شؤونهم كما أراد رب العالمين يجعل التشريع فيه لرب العباد بدلا من وضع التشريع بيد البشر الذين لن يجلبوا لأنفسهم سوى الضنك دون أن يدركوا، فهذا النظام السياسي الإسلامي الذي يطبق أحكام الإسلام في النواحي الاقتصادية التي تضمن حياة كريمة لكل فرد حتى لو كان عاجزا تطبق نظاما اقتصاديا عادلا، وأما إذا تحدثنا عن النظام الاجتماعي الإسلامي الذي يسعى من أجل حفظ المرأة وإكرامها ووضعها في الموضع الصحيح الذي أراده لها رب العالمين فسنجد كيف أن المرأة كانت مكرمة معززة في ظل تطبيق الإسلام وهي لا زالت حتى اليوم، فنظام عادل كنظام الإسلام حكم العالم على مدى ثلاثة عشر قرنا كان فيه الناس يدخلون في دين الله أفواجا، وإن ذلك ليس عنا ببعيد.