الذي فشل في الكنانة هي ديمقراطيتهم الزائفة
يحاول البعض أن يوهمنا بأن ما حدث في مصر بعد 30/6 هو فشلٌ للإسلام السياسي، ولكن ما يجب أن يكون واضحا لنا جميعا أن الذين وصلوا إلى الحكم بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ممن يُطلق عليهم أصحاب (الإسلام الوسطي) وأعني بهم جماعة الإخوان المسلمين،لم يكونوا يحملون مشروعا إسلاميا سياسيا حقيقيا، بل أكثر من ذلك لم نرَ لهم طوال السنة التي حكموا فيها أي بوادر لمثل هكذا مشروع، لا على صعيد الدستور الذي أخرجوه، والذي لا يختلف كثيرا عن دستور 1971 العلماني، ولا على صعيد القوانين التي بقيت على حالها ولم يعترِها أي تغيير باتجاه الإسلام، ولا على صعيد العلاقات الخارجية، فقد ظلت الهيمنة الأمريكية والتدخل الأمريكي في شئون البلاد واضحة وبشكل فاقع، وظلت العقلية الرأسمالية الاقتصادية هي هي، وقد ظهر هذا من خلال إصرار حكومة هشام قنديل على الاقتراض من صندوق النقد الدولي، والإبقاء على الربا وطرح وزارة المالية لأُذونات الخزينة بفائدة من 15% إلى 16%، كما ظل التنسيق مع كيان يهود على قدم وساق، وبقيت اتفاقية كامب ديفيد مصونة ومحترمة، فباختصار: تصرف الدكتور مرسي كرئيس لجمهورية مصر، تلك الدولة العلمانية التي تفصل الإسلام عن الدولة كما كانت إبان حكم مبارك وأسلافه، ولم يتصرف باعتباره ابنًا لحركة إسلامية تحمل مشروعا إسلاميا، وبالتالي فإن الحديث عن فشل الإسلام السياسي، هو كلام غير صحيح، لأن الإسلام السياسي هذا لم يحكم أصلا، ومن وصلوا للحكم لم يكن لديهم مشروع تغييري حقيقي على أساس الإسلام.
يمكننا القول أن الذي فشل في مصر هو الديمقراطية، تلك الفكرة التي انبهر بها البعض حتى من أبناء ورموز التيار الإسلامي، ورأوا فيها حلا عبقريا لتداول السلطة، والتي تروج لها أمريكا في بلادنا على أنها هي الحرية في اختيار الحاكم، في محاولة لإخفاء وجهها الحقيقي الذي لا يمكن أن يقبل به مسلم، وهو أن يكون التشريع أي التحليل والتحريم بيد البشر، وبرغم ذلك فقد انقلبوا على ديمقراطيتهم الزائفة ورفضوا تداول السلطة ونتائج صندوق الانتخابات، سواء في انتخابات مجلس الشورى أو مجلس الشعب أو الرئاسة أو الاستفتاء على الدستور، فظهر لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن ديمقراطيتهم فاشلة زائفة.
وها نحن اليوم نعود للمربع صفر إذ قامت محكمة الجنايات بالقاهرة بتبرئة الفسدة الذين قامت الثورة لخلعهم بل قالت في حيثيات الحكم أنه ما كان ينبغي أن يقدم مبارك لمثل هكذا محاكمة وهو وصف أعلى بكثير من مجرد البراءة. فالذي فشل إذاً وانكشف دَجله وبان عواره هو النظام الديمقراطي الذي تغنى به أبواق العلمانية في مصر ومن وراءهم دول الغرب الكافر التي تدعي أنها ترفع لواءه، فإذا بها تغض الطرف عن انقلاب عسكري دموي أطاح برئيس منتخب حسب أصولهم الديمقراطية، بل وأكثر من ذلك ترى أبشع صور القمع والقتل دون أن تحرك ساكنا، سوى تصريحات استهلاكية لا قيمة لها، وقد سمعنا ما قاله رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، توني بلير، إنه “يؤيد تماما ما قامت به القوات المسلحة المصرية في مصر حفاظا على هويتها المنفتحة، مقارنة بالرؤية المنغلقة التي كان يتبناها الإخوان المسلمون”.
إذاً الذي فشل في مصر هو الديمقراطية التي افتضح أمرها وأمر دعاتها ومن يقف وراءها من دول الغرب الكافر، كما فشلت أمريكا في إحداث استقرار في مصر يحفظ لها مصالحها فلا هي نجحت في فترة حكم المجلس العسكري، ولا في فترة حكم مرسي ولا حتى في ظل هيمنة العسكر من خلال حكم السيسي، فما زالت الأمور غير مستقرة لها ولا زال الحراك مستمرا في الشارع وهو في الأيام المقبلة في طريقه للتبلور ليكون حراكا صحيحا على أساس الإسلام يطالب بهويته الإسلامية ويسعى لها من خلال تطبيق الإسلام في دولة الخلافة على منهاج النبوة بإذن الله، ويرفض التبعية الأمريكية ويعمل على إسقاطها وأدواتها في الحكم.
لقد كانت الأغلبية التي كان يشكلها حزب الحرية والعدالة “الإخوان المسلمون” وحزب النور “السلفيون” أغلبية عرجاء لم يستفد منها التيار الإسلامي، ولم تشكل مكسبا للمشروع الإسلامي، ذلك لأنه لم يكن هناك في الحقيقة مشروع لهما يمكن وضع الإصبع عليه ووصفه بأنه مشروع إسلامي، لقد انخرط الحزبان في اللعبة الديمقراطية وغرقا فيها غرقا تاما حتى أذقانهما، وظهر للعيان كيف أن حزب النور قد تمت صناعته صناعة ليقوم بالدور المنوط به لعرقلة حكم الإخوان ودعم عودة الدولة العميقة للواجهة مرة ثانية. لقد بدا الصراع بين الحزبين واضحا على السلطة، فكل واحد منهما أراد أن يسوِّق نفسه للغرب باقترابه كثيرا من المفاهيم الغربية وطلب ودّ الدول الغربية، والبعد كثيرا عن المفاهيم الإسلامية خاصة المتعلقة بإدارة البلد من ناحية الحكم والسياسة. ناهيك عن أن السلطة الحقيقية لم تكن بيد أي منهما، بل كانت في يد أمريكا من خلال المؤسسة العسكرية، التي حافظت على النظام العلماني بكل أدواته ومؤسساته، ولهذا كان من الطبيعي أن لا ينجحا في تقديم أية مكاسب حقيقية تصب في صالح الإسلام والمشروع الإسلامي. لقد تبين بما لا يدع مجالا للشك أنهما أساءا كثيرا من حيث يدريان أو لا يدريان إلى المشروع الإسلامي، الذي أرادت أمريكا أن تظهر فشله علَّها تستطيع واهمة أن تصرف الناس عنه، ليكن مطلبهم مركّزا في اتجاه واحد هو الدولة المدنية العلمانية، ويختفي تماما الحديث عن الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة والحكم بالإسلام ودولة الخلافة.
لقد أغفلت أمريكا أن الناس في مصر أغلبهم مسلمون، وأنهم في الغالبية العظمى منهم يحبون الإسلام ويريدون أن يروه مطبقاً في واقع حياتهم، وقد أعطوا أصواتهم في الانتخابات البرلمانية لمن رفع شعار الإسلام، كجماعة الإخوان وحزب النور السلفي، فحصل حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان على نسبة 44% وحصل النور على 22%، وبرغم أن المرشح (الإسلامي) محمد مرسي قد نجح في انتخابات الرئاسة بعد ذلك بشق الأنفس، فحصل على حوالي 52% من الأصوات أمام أحمد شفيق ممثل النظام السابق، الذي لم يمر على ثورة الناس عليه سوى سنة ونصف السنة. وبرغم فشل الإخوان في إدارة المرحلة إلا أن الناس في مصر يفرقون وبشكل واضح بين فشل الإخوان وبين الإسلام، ويدركون أن الإسلام لا يمكن أن يفشل لأنه دين الحق، وهو قادر على أن ينقذ البلاد والعباد بشرط أن تحمله جماعة مشروعا سياسيا متكاملا واضح المعالم.
ومما لا شك فيه أيضا أن الجيش من أبناء مصر، وأكثره من المسلمين، لكن قيادته ممثلة بوزير الدفاع وبعض القادة الكبار، تربطهم مصالح بأمريكا تجعل منهم أدوات للمحافظة على المصالح الأمريكية في مصر، التي تشكل عمقاً استراتيجياً للسياسة الأمريكية في المنطقة، وقد استطاعت تلك القيادة تبرير كل ما تقوم به من إجراءات وحشية ضد المتظاهرين من خلال جهاز الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، التي على سبيل المثال استخدمت الدكتور علي جمعة المفتي السابق، والداعية عمرو خالد، والشيخ سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف السابق، في إصدار فيديوهات تبرر كل ذلك من ناحية شرعية، كما أنهم يسيطرون على آلة إعلامية ضخمة، تقوم بحشو عقول الناس بما تريد، بل ربما تقنع الكثيرين بأن المتظاهرين قتلوا بعضهم بعضا ليظهروا أنفسهم أنهم ضحايا، ناهيك عن الحديث عن الأمن القومي وتهديد السلم الأهلي وتنفيذ أجندات خارجية من قبل المتظاهرين، واستعمال فزَّاعة الإرهاب لتبرير كل ذلك القتل عند الناس والجنود والضباط الذين يقومون بذلك.
وهنا يبرز سؤال: هل يمكن للجيش المصري أن يعطي النصرة لتطبيق الأحكام الشرعية وإقامة الحكم الإسلامي في مصر؟
إن الجيش المصري هو من نسيج هذا الشعب، وجنوده وضباطه في غالبيتهم العظمى مسلمون محبون للإسلام، وهم يشعرون بما يشعر به الناس، ويتألمون لما يتألم منه الناس، ولكن قطاعاً عريضاً منهم لا يدرك أين الخلل في تركيبة النظام السياسي الموجود، فلو تم الاتصال بهم وتوعيتهم لأمكن التأثير فيهم وكسبهم إن شاء الله، فهم ليسوا معزولين في معسكرات خارج المناطق السكنية، بل هم من بنية المجتمع، فمنهم الأب والابن والخال والعم والصديق، والاتصال بهم والحديث معهم ممكن، والإسلام هو عقيدتهم وحضارتهم التي ينتمون إليها، فمن الممكن أن يعطي الجيش المصري النصرة لإقامة الخلافة شريطة أن يرى حملة هذا المشروع في أرض الواقع، يغذون السير نحوه ويصلون الليل بالنهار لتحقيقه، ويرى التفاف الناس من حولهم، ويدرك عظمة هذا المشروع من خلال الصراع الفكري والكفاح السياسي الذي يمارسه حملة الدعوة في المجتمع. لقد انحاز الجيش في 25 يناير لحركة الشارع العارمة ضد مبارك وحاشيته – وإن اضطُر لذلك – لكنه سينحاز بشكل فعلي لمشروع الخلافة إذا التف الناس حوله، واتصل حملة هذا المشروع بقادته وضباطه اتصالا واعيا يجعل منهم حراسا وناصرين للخلافة ولمشروعها.
وأخيرا نقول إن الخلافة على منهاج النبوة قائمة لا محالة، وإمكانية إقامتها هذه الأيام أقوى من أي وقت مضى، فقد انكشف الحكام للأمة وبانت عمالتهم وخدمتهم لأسيادهم في الغرب الكافر، وظهر عوار المبدأ الديمقراطي، وانفضح أمر الديمقراطية الزائفة، ولعل هذا من حسنات ما حدث في 30 يونيو إن كان له حسنات. فلقد اتضحت معالم الصورة لمن كانت على بصره غشاوة الديمقراطية والحريات الزائفة، وظهر لكل ذي بصيرة أن الإسلام هو وحده القادر على إنقاذ الناس من ضيق الدنيا وضنك العيش. قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً﴾.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر