بشارات عودة الخلافة من القرآن والسنة والواقع
الخلافة هي الدولة الإسلامية التي تطبق الإسلام، بجعل العقيدة الإسلامية أساساً لها، ولدستورها، وقوانينها، وأنظمتها، وفي سياستها الخارجية، تحمل الإسلام للعالم بالدعوة والجهاد في سبيله، فتخير العالم بين شروط ثلاثة: إما الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، أو إعلان الحرب عليها لإزالة أي حاجز يحول دون وصول الإسلام للناس.
إن العقيدة السياسية، ودولة الخلافة، والجهاد، هي العناصر التي تكمن فيها قوة الإسلام؛ فالدولة منذ أن أقامها النبي ﷺ كانت تستند إلى هذين العنصرين وهما العقيدة والجهاد، إلى أن استطاع الكافر أن يخلخل مركز القوة فيها حتى هدمت قبل مائة عام، وحلت محلها دويلات الضرار! إلا أن المسلمين سرعان ما أدركوا وجوب إعادة هذه الدولة للوجود فسعوا لإعادتها حتى أصبحت إعادتها أقرب من رد الطرف، والذي دفعهم لذلك هو قراءتهم لتلك الآيات القرآنية التي تبشرهم بعودتها متى عمل العاملون، وجعلوها قضية مصيرية لهم، فعندما تقرأ الآية 55 من سورة النور: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ فهذا وعد غير مكذوب، وبشرى للمؤمنين. يقول صاحب كتاب تيسير الرحمن في تفسير كلام المنان صفحة 624 “هذا من وعوده الصادقة فإنه وعد من قام بالإيمان والعمل من هذه الأمة أن يستخلفهم في الأرض فيكونون هم الخلفاء فيها، المتصرفون في تدبيرها، وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وهو دين الإسلام، الذي فاق كل الأديان، ارتضاه لهذه الأمة لشرفها، وفضلها ونعمته عليها بأن يتمكنوا من إقامة شرائعه الظاهرة والباطنة في أنفسهم وفي غيرهم”.
ثم يصف الآية بأنها “من آيات الله العجيبة الباهرة ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة طالما قاموا بالإيمان والعمل الصالح، فلا بد أن يوجد ما وعدهم به”. فالخلافة وعد الله ينتظره المسلمون على أحر من الجمر، فها هي مراكز الاستطلاعات عند الغرب تستطلع المسلمين حول الحكم بالإسلام والخلافة، فتكون النتيجة مذهلة!! فمركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأمريكية عندما أجرى استطلاعاً وجد أن 74% من أهل مصر، و79% من أهل باكستان يؤيدون الحكم بالإسلام وعودة الخلافة.
أما الأحاديث النبوية التي تزف البشرى بعودة الخلافة فإن النبي ﷺ لا ينطق عن الهوى، فقد تحقق ما بشر به، ففي حفر الخندق قال: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى زَوَى لِي الْأَرْضَ، حَتَّى رَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَأَعْطَانِي الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ»، وَعَنْ حُيَيِّ بْنِ هَانِئٍ الْمَعَافِرِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاص رضي الله عنهما فَسُئِلَ: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً؟، الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، أَوْ رُومِيَّةُ؟، فَدَعَا عَبْدُ اللهِ بِصُنْدُوقٍ لَهُ حَلَقٌ فَأَخْرَجَ مِنْهُ كِتَاباً، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللهِ ﷺ نَكْتُبُ إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً؟ قُسْطَنْطِينِيَّةُ، أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا، بَلْ مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً» وقد كان. ولسراقة وعده بسواري كسرى وقد كان. ثم بشرنا بعودة الخلافة في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل أن رسول الله ﷺ قال: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضّاً، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ» ثُمَّ سَكَت. ثم بشرنا بأن يعم الإسلام العالم فقال ﷺ: «إنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا».
فهذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تبشر بعودة الخلافة تبعث الأمل في النفوس وتشحذ الهمم فتدرك العقول معنى عودة الخلافة إلى الوجود التي آن أوانها وأظل زمانها؛ فها هو الكافر يرى بأم عينيه ذلك فيضع الخطط والأساليب الفكرية والسياسية ويشن الحروب العسكرية ويضرب أبناء المسلمين بعضهم ببعض وينشر ما يسميه بـ(الفوضى الخلاقة)، فقد أدخل في قلوبهم الرعب وألسنتهم القولُ حتى باتت كلمة الخلافة يتداولونها في تصريحاتهم ومؤتمراتهم كـ(العلكة)؛ فقد نشرت جريدة مليك التركية بتاريخ 13/12/2005م نقلاً عن صحيفة نيويورك تايمز أن أصحاب الصلاحية في إدارة بوش باتوا يتداولون كلمة الخلافة في الآونة الأخيرة كالعلكة. ففي مؤتمر صحفي عقد في البيت الأبيض 11/10/2006م تكلم بوش الابن عن عالم يحاول فيه المتطرفون إضافة العقلانيين من أجل قلب الحكومات المعتدلة وإقامة الخلافة. أما بوش الأب فقد نشر موقع أخبار البيت الأبيض 20/10/2006م قوله: “هؤلاء الأصوليون يريدون إقامة دولة الخلافة كدولة مكة ويريدون نشر عقيدتهم من إندونيسيا إلى إسبانيا”. أما توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق فقد صرح في أيلول/سبتمبر 2005م قائلاً “خروجنا من العراق الآن سيؤدي إلى ظهور الخلافة الإسلامية في الشرق الأوسط”.
فهذه التصريحات من هؤلاء الساسة تثلج الصدر فهم حقاً كما قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. حتى ترامب لم يسلم لسانه من ذكر الخلافة بالقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق… ولكن هيهات للخلافة أن تقضي عليها دولة، إذا عادت بحق وحقيقة فلن تستطيع دولة في العالم أو دول الكفر، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ولو جمعوا قوتهم، لن يستطيعوا هزيمة الخلافة لا من الناحية الفكرية ولا العسكرية.
أما من الناحية الفكرية، فإن الخلافة قائمة على أساس العقيدة الإسلامية؛ فهي مبنية على العقل والفطرة لا المادية والحل الوسط والنزعة الفردية. يقول باتريك بوكنان مرشح سابق في الانتخابات الأمريكية في مقال له بعنوان: “هل ستندلع حرب الحضارات؟” “الإسلام غير قابل للتحطيم”، وخلص متحسراً على حتمية مصير أي صراع عقائدي إلى انتصار المد الإسلامي، ولكن لتهزم عقيدة فإنك تحتاج إلى عقيدة، وتساءل: “ما هي عقيدتنا النزعة الفردية؟” نعم عقيدتهم خوار فارغة من الجوهر والمضمون والروح، جعلت البشرية قطيعاً تنهشه الشركات الرأسمالية، مجردة من القيم الإنسانية والروحية فسقطت عقيدتهم ونظامهم، وها هي الشعوب الرأسمالية تثور في وجه حكامها في فرنسا وبلجيكا وأمريكا، والصراع في المجتمع الأمريكي وما ظهر في الانتخابات الأمريكية ما بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري هو بداية النهاية لأمريكا.
أما هزيمة دولة الخلافة عسكرياً وانتصار الكافر وقضاؤه عليها عند عودتها فغير وارد، فعندما يتحقق الوعد فإن الله لا يخلف وعده والنبي الكريم ﷺ لا يكذب فهو الصادق المصدوق. هكذا هو إيماننا بما ذكرنا من آيات وأحاديث.
أما من حيث الواقع فإننا بالقراءة المتأنية لواقع الكفر نجد أن الموازين قد تغيرت والمقاييس رجحت كفتها لصالح المؤمنين؛ فبعد أن كان جندي الكفار يلبس بزة الحرب وينادي بأعلى صوته “أماه.. اتبعي صلاتك.. لا تبكي.. بل اضحكي وتأملي أنا ذاهب إلى طرابلس فرحاً مسرورا.. سأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة.. سأحارب الديانة الإسلامية.. سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن”، صارت دول الكفر تسحب الجنود الذين أرسلتهم للقتال في أفغانستان والعراق لأن هؤلاء الجنود يعودون داخل توابيت فأصبحوا يرسلون الطائرات بدون طيار ويبحثون عن الأفارقة ليقوموا بالحرب بالوكالة فمرغت أنوفهم في التراب على يد جماعات وليس دولة، ففي معركة الفلوجة الأولى استطاعت جماعة بسيطة من أهل العراق هزيمة دولة كبرى من دول العالم بتكتيك بسيط وهم قليلو العدد والعتاد فبلغت خسائر الجيش الأمريكي حوالي 480 قتيلاً، أما مرتزقتها فما بين 1800-2000 قتيل، وجعلت الرئيس الأمريكي بوش الابن يصرخ قائلاً: “لقد واجهت قواتنا أسبوعاً قاسياً وأنا أصلي كل يوم من أجل أن تتراجع الخسائر”. فقد كان عدد قوات الجيش الأمريكي ومرتزقته حوالي 5200 جندي، في حين الجماعات الإسلامية لا يتعدى عدد أفرادها 2000 مجاهد. وأمريكا نفسها كبّدها أهل الصومال في تلك العملية التي جرت في 3/10/1993م المسماة بـ(إعادة الأمل) خسائر مذلة، فلم تستطع أمريكا تحقيق ما تهدف إليه في الصومال. وخسائر أمريكا في أفغانستان كذلك تقف شاهداً على أن هذه الدولة المدججة بالسلاح يمكن هزيمتها بواسطة جماعات فكيف لو كانت المواجهة بين دولة يقف على رأسها خليفة وصفه النبي ﷺ بأنه «جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ»، وجيش نظامي يقوده الخليفة، له الخطط والأساليب وينادي يا خيل الله اركبي، فهل تستطيع دول الكفر أن تهزم هذه الخلافة وهي التي لا تقاتل بعدة ولا عتاد وإنما تقاتلهم بهذا الدين؟! فاللهم عجل لنا وعدك وارزقنا الشهادة في سبيلك.