جريدة الراية: عقيدة جيوشنا هي الإسلام العظيم ولا مكان للوطنية النتنة بينها
كانت العرب في الجاهلية تدين بالعصبية القَبَلية، فهي عندهم أساس الولاء والانتماء، وعليها تُحدَّد الحقوق والواجبات، وبها تُعلن الحرب ومن أجلها ينعقد السِّلم، وكانت الكيانات السياسية في ذلك العصر تقوم على أُسس عرقية وقومية أو كليهما معاً.
وقد جاء رسول الله ﷺ فصهر العرب والعجم على أساس العقيدة الإسلامية، وألغى العصبية، وأبدل بها النظرة الإنسانية، وأحدث انقلاباً في النظرة إلى الحياة وفي نظام الحياة، واستبدل بمفاهيم الجاهلية الولاء لله ورسوله، وجعل الانتماء للإسلام وللأمة وجماعة المؤمنين، وقرَّر الحقوق والواجبات لجميع الناس بالتابعية لسلطان الإسلام، وحدَّد مفهوم الحرب والسلم وَفْقاً لأحكام الجهاد في سبيل دعوة الناس للإسلام. فاعتلت جيوش المسلمين لقرون المرتبة الأولى من حيث القوة، والتنظيم، فجيش الخلافة العثمانية كان أقوى جيش فى العالم لمدة تزيد عن 3 قرون في الفترة ما بين عامي 1447م، و1771م، ثم ثالث أقوى جيوش العالم لقرن آخر، حتى عام 1871م، ولمدة تزيد عن قرن ونصف كانت قوته تعادل قوة جيوش العالم مجتمعة بين عامي 1517م – 1683م.
يقول المؤرخ اﻷمريكي مايكل أورين: “ظل الجيش العثماني حتى لحظاته اﻷخيرة في الحرب العالمية اﻷولى عام 1917م أبعد ما يكون عن الهزيمة”، ففي الحرب العالمية اﻷولى كانت الخلافة العثمانية، حتى في أشد مراحل ضعفها، قادرة على القتال في خمس جبهات في آن واحد بجيش قوامه 2 مليون و900 ألف جندي، وقد استسلم 13000 جندي بريطاني للعثمانيين الاستسلام اﻷكثر إذلالا في التاريخ العسكري البريطاني، حسب وصف المؤرخ البريطاني جيمس موريس. ولم يهزمها حقاً إلا الخيانة الداخلية من أحزاب التتريك العلمانية، القومية والماسونية.
وحين برز الضعف الفكري والسياسي لدى المسلمين، في منتصف القرن الثالث عشر الهجري، التاسع عشر الميلادي، وظهرت آثار النهضة الأوروبية، بدأ الاستعمار الغربي باختراق كيان المسلمين فكريّاً وسياسيّاً، واستخدم نصارى الشام؛ كأمثال ناصيف اليازجي وبطرس البستاني، للترويج للرابطة الوطنية، ولفكرة الدولة القومية الحديثة، بديلاً عن الرابطة الإسلامية والدولة الإسلامية؛ أي بديلاً عن رابطة العقيدة الإسلامية والانتماء للإسلام، والولاء للخلافة العثمانية؛ بوصفها دولةً إسلامية لجميع المسلمين في العالم.
وبعد هدمِ الخلافة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى، شرعت دول الانتداب؛ بريطانيا وفرنسا، بعملية صهر لشعوب المسلمين، لا سيما في المنطقة العربية لتركيز الروابط الوطنية والقومية، هادفة إلى محوِ شخصية المسلمين وإعادة صياغة تفكيرهم وميولهم على أساس الثقافة الغربية، مستخدِمةً مناهجَ التعليم والمعاهد ورجال الدين، وذلك لكي تضمن دول الانتداب استقرار التقسيم السياسي الاستعماري الذي فرضته من خلال اتفاقية سايكس بيكو، فكان لدول الاستعمار ما أرادت، فبعد حوالي جيلين، ومع مطلع الخمسينات من القرن الماضي، أصبحت أجيال المسلمين بمجموعها تُؤمِن بهذه الروابط، وكما أصبحت حركات التحرر من الاستعمار الغربي تقوم عليها وتكافح في سبيلها؛ ما أدى إلى ترسيخ الروابط الوطنية والقومية، مقابل إضعاف الرابطة الإسلامية بين المسلمين، ولم تسلم حتى الجيوش من ذلك المخطط اللعين بتركيز هذه الفكرة الخبيثة بل جعلها عقيدة لهم، بدلا عن الإسلام العظيم، فقد أعلن الحزب الشيوعي السوداني وتجمع المهنيين توافقهما على إصلاح القوات النظامية، وإعادة هيكلتها وفق عقيدة وطنية، وقطعا بأنه واجب ملحّ ولا يمكن استكمال الانتقال الديمقراطي دونه، وصولاً إلى جيش نظامي موحد يتبع للسلطة المدنية، وتمسكا بأهمية العمل المشترك وأولوية التنسيق بين كل قوى الثورة بما يؤدي لتوسيع قاعدة حماية الانتقال المدني الديمقراطي.
وفي 08 آذار/مارس 2020 م، أوردت صحيفة الشرق الأوسط “أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان، هيكلة القوات النظامية وإعادة ترتيبها وتنظيمها، بما يتوافق مع متطلبات الفترة الانتقالية لتؤدي مهامها الوطنية في حماية البلاد”.
نعم لقد خرج المستعمر بعدته وعتاده، وترك عملاء مخلصين له، ووكلاء عنه، في تنفيذ مخططاته، غير أننا نقول للغرب الكافر وعملائه المأجورين، إن هذه الجيوش من جنس الأمة التي تربت على أحكام الإسلام وتعتقد الإسلام، وما تشرفت بهذه الجندية إلا للتضحية في سبيله، والذب عنه مقتدين بأجدادهم أمثال خالد بن الوليد، وطارق بن زياد، وموسى بن نصير، وعقبة بن نافع، والقعقاع بن عمرو وصلاح الدين الأيوبي، وسيف الدين قطز، ومحمد الفاتح، وصهيب الرومي… وما دفعهم للالتحاق بهذه الجندية إلا ابتغاء إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة. ولن تستطيع قوة في الأرض حرف هذه الجيوش عن عقيدتها وعقيدة أجدادها الأطهار، الذين نذروا أنفسهم لحماية هذا الدين، ضاربين بفكرة الوطنية الخبيثة عرض الحائط، كيف لا وقد قاتل أجدادهم المسلمون لإعلاء كلمة الله، بغض النظر عن قومياتهم وأوطانهم، فقد قاتل الحبشي كتفاً إلى كتف مع الفارسي والقرشي والرومي، وأعاد صلاح الدين الأيوبي الكردي بيت المقدس إلى حضن الأمة الإسلامية، فاقتدوا يا جيوش المسلمين بهؤلاء الأبطال الذين فتحوا البلدان وحملوا الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد، لإخراج البشرية الضالة من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. وذلك لا يكون إلا في ظل دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي تطبق أحكام الشرع الحنيف. فكونوا أنصار هذا الدين، تنالوا ثواب الدنيا والآخرة.
بقلم: الأستاذ عبد الخالق عبدون علي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
المصدر: جريدة الراية