أبناؤكم أمانة في أعناقكم أمام خالقكم…. فاحفظوها
إن العقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية ليست معلومات للحفظ ولا أفكاراً مجردة للمتعة العقلية وإنما هي مفاهيم دافعة للعمل وجاعلة سلوك الإنسان مقيداً بها متكيفاً بحسبها.
فيجب أن يعطى الإسلام كمفاهيم ليكون لها الأثر في السلوك واقعاً محسوساً أي تصبح المفاهيم قوة روحية أو قوة مادية تدفع الإنسان للتقيد بها ولخوض معترك الحياة على أساسها.
ولقد اعتنى الإسلام بالأسرة عناية عظيمة؛ لأن الأسرة إذا بنيت على طاعة الله عز وجل وعلى تقوى من الله جل وعلا، وعلى وئام ومودة ورحمة كان المجتمع متراحماً متآلفا، وأنتج ذرية صالحة، تقوم بأمر الله تبارك وتعالى في هذه الأرض.
وتبدأ هذه الرسالة، رسالة بناء الأسرة، من حُسن اختيار الأزواج بعضهم لبعض، وكذا في اختيار وليّ الأنثى للرجل صاحب الدّين والخُلُق، اختياراً أساسه الالتزام بأمر الله سبحانه، ثمّ صلاحية كلّ واحد من الزوجين على تحمّل مسؤولية وأعباء بناء هذا الكيان – الأسرة – بناءً سليماً مستقيماً ومثمراً، وتحمّل تلك الأعباء والصّبر عليها خاصة في الزمان الذي تكثر فيه المُلهيات والانحرافات والفتن.
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «مَا اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْراً لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ؛ إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ». (رواه ابن ماجه).
ولأنّ الأبناء، الأولاد والبنات هم قرة عينٍ للآباء والأمهات، وهم عماد المجتمع ورجالُ ونساء المستقبل، فقد ذكرهم الله تعالى في دعاء عباد الرحمن حيث قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾.
وحين نعلم أنّ الله سبحانه لم يخلقنا في هذه الدنيا إلا لطاعته وعبادته على الوجه الذي يرضيه، وحين نعلم أيضاً أن هذه الدنيا ليست إلا دار عملٍ وزرعٍ وأن الآخرة هي دار الحصاد ودار الحساب ودار المقام، وجب علينا حينئذٍ أن نتحمّل مسؤولياتنا كاملة عن أنفسنا وعن كلّ من له حقّ الرعاية علينا بما يُرضي الله سبحانه، وأقرب المسؤوليات وأعظمها هي: تنشئة الأبناء ورعايتهم وإعدادهم ليكونوا لبنةً صالحة طيّبة في هذه الدنيا، وهذا الأمر لا يكون بالرجاء والتمنّي، وإنما يكون بالعمل الجاد الدؤوب من الأهل؛ الزوج والزوجة، وإعطاء الأبناء حقوقهم في كلّ مرحلة من مراحل حياتهم، كما يكون بإلزامهم بواجباتهم على اختلاف أنواعها سواء تجاه أنفسهم أو أهلهم أو خالقهم سبحانه.
– فمن واجبات الأبناء تجاه أنفسهم:
أن يثقفوا أنفسهم بأفكار المبدأ ويجعلوه أساس تفكيرهم وأن يجسدوا الإسلام فيهم بأن ينتقلوا من تسيير أعمالهم حسب ميولهم ورغباتهم إلى تسيير أعمالهم حسب فكرهم المبدئي ويكونوا على قدر من الخُلُق والأدب، في حديثهم ولباسهم وتصرفاتهم.
– ومن واجباتهم تجاه أهلهم:
حبّهم وطاعتهم والحرص على أن يكرموهم ويستمعوا إليهم وإلى إرشاداتهم ونصائحهم وأن يلتزموا أوامرهم فيما يتعلق بترتيب وتدبير شؤون حياتهم لما فيه صلاحهم وخيرهم.
– ومن واجباتهم تجاه خالقهم:
وهذه النقطة تأتي على رأس كلّ ما سبق، فلا خير فيمن لا يقيم وزناً لخالقه ولا لأحكامه، لأوامره ونواهيه، فإن التزم أبناؤنا بأوامر ربّهم استقامت أحوالهم وفازوا في الدنيا والآخرة، يقول الله سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ ويقول: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً﴾.
– ومن واجبهم تجاه دينهم وأمّتهم
أن يعملوا مع العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، ويدركوا أنهم أصحاب مشروع حضاري له طراز معين من العيش لا يشبه أي طراز من العيش ولا يشبهه أي طراز، فهم أمل هذه الأمّة وعمودها.
وعودة إلى مسؤولية الأهل عن أبنائهم:
لا يجهل أحدٌ منّا الواقع الذي نعيشه اليوم، هذا الواقع الذي نعيش فيه غياب الإسلام ودولته التي أمر بها ربّنا سبحانه، وهذا يعني أننا لا نعيش كأفراد وكمجتمع وفق الضوابط الشرعية التي أمر بها الله، ذلك لأنّ المسؤول عن إقامة كلّ أحكام الله في الأرض هي الدولة الإسلامية التي تحافظ على الأفراد والمجتمع في كلّ جوانب الحياة وبها فقط تنضبط أحوالهم وتستقيم، لهذا كانت مسؤولية الآباء والأمهات أكبر وأعظم وأخطر، وكلنا نعلم أنّ هذه المسؤولية تمتد من أوّل حياة أطفالنا إلى ما بعد بلوغهم، حتى إنها تمتد إلى ما بعد زواجهم وتكوينهم لعائلاتهم…
فالأهل مسؤولون عن الأبناء في البيت: في نظامه وترتيبه والمشاركة في مسؤولياته، في دراستهم وأوقاتها وبرامجها، في ساعات نومهم وراحتهم، في صلواتهم وعباداتهم، في فكرهم وفهمهم، في تحقيقهم للقيم وبهذا يوجدون عند أبنائهم التوازن في حياتهم.
وهم مسؤولون عنهم خارج البيت: أين يذهبون، مَن يصادقون ويُصاحبون، متى يخرجون ومتى يرجعون، فلا يجوز بحال من الأحوال أن يُترك قرار خروجهم من البيت ورجوعهم إليه بين أيديهم يقررون فيه ما يشاؤون، ولا يجوز أن لا يعلم الآباء نوعية أصحاب ورفاق أبنائهم.
كما أنّ من واجب الآباء والأمهات متابعة أبنائهم في مدارسهم، ليطمئنوا على أحوالهم وعلى التزامهم بدوامهم، وعلى مستوى دراستهم، وعلى طبيعة تصرفاتهم، وهذه معلومات يأخذونها من معلميهم ومعلماتهم.
وكذلك فإن من مسؤوليات الأهل تجاه أبنائهم أن يُربّوهم على معاني الأدب والاحترام في التعامل مع الناس، وأن يرشدوهم إلى أنّ الأساس الذي يجب أن يتعاملوا به مع الناس هو الحلال والحرام، الصدق والأمانة، الودّ والإحسان، عذوبة اللسان وحسن البيان، وأن يتعاملوا مع النّاس بالقدر الذي تقتضيه طبيعة العلاقة بينهم: فلا يُعطوا ثقتهم لمن يستحق ومن لا يستحق، ولا يتعاملوا بطيبة زائدة عن حدودها، ولا يتكلموا فيما لا يلزم، وأن لا يكون أساسُ همّهم رضا الناس عنهم، فلكل مقام مقال.
لذا، وجب على الآباء أن يعملوا بجدّ واجتهاد على أن يصوغوا أبناءهم في فكرهم وفهمهم، وشعورهم وإحساسهم، وميولهم وذوقهم، ودوافعهم وغاياتهم، وما ينعقد عليه قلبهم ويظهر على سلوكهم صياغة سليمة حسب عقيدة المبدأ، ويربّوهم على معاني طاعة الله وحبّه والتزام أوامره واجتناب نواهيه، ففي ذلك كلّ الخير للآباء وللأبناء عند خالقهم.
وليس أعظم من أن يدرك الآباء أنّ أبناءهم الذين نشأوا على طاعة الله سيكونون من الشفعاء لهم يوم القيامة، فيجد الأهل حينذ ثمرة تربيتهم الصالحة على شكل نجاة وفلاح يوم الحساب.
ونقطة على درجة من الأهمية يجب أن أُسلّط الضوء عليها:
في ظلّ هذا التقدّم التقني الذي نعيشه، والذي أصبح فيه التواصل بين الناس غاية في السهولة، ونكاد لا نرى شاباً ولا شابّة إلا ومعهم أحدث أجهزة (الموبايلات) التي تحتوي على برامج شتى، وإمكانيات تواصلٍ هائلة، ولأنّ جلّ الآباء والأمهات يظنون أنهم يحسنون صنعاً حين يوفّرون هذه الأجهزة لهم تحت ضغط إلحاحهم أو مجاراة لما يفعله غيرهم مع أبنائهم. لذا يجب على الأهل بخصوص هذه النقطة أن ينتبهوا لنقاط عدة:
1- أن يتفقدوا تلك الأجهزة دائماً، ولا يوجد شيء اسمه “الخصوصية” فهذه كلمة جلبت من المصائب على الأهل والأبناء الشيء الكثير.
2- أن يضعوا لأبنائهم قيوداً على استخدام هواتفهم، وعلى نوعية البرامج والتطبيقات عليها.
3- أن يمنعوا بناتهم تحديداً من أن يلتقطن الصور لأنفسهن ويخزننها على أجهزتهن.
4- أن يمنعوا بناتهم من (تبادل أو إرسال صورهن) عبر هواتفهن، فلا يدري الأهل بيد مَن تقع تلك الصور.
5- أن يضع الأهل في حساباتهم دائماً تلك القضايا والمشاكل والمآسي التي تحصل باستمرار نتيجة سوء استخدام أبنائهم لمواقع التواصل الإلكتروني.
6- أن يمنعوا بناتهم من التقاط الصور في المناسبات والأفراح عبر هواتفهن، ولا داعي لبيان خطورة وجود تلك الصور في هواتفهن حين ضياعها منهن على سبيل المثال!!
7- على الأهل أن يتفقدوا – وباستمرار – مواقع التواصل على أجهزة أبنائهم، وأن يتفقدوا هواتفهم واتصالاتهم، ولا يجوز بحال من الأحوال أن يخضع الأهل لمعنى: أن هذه الأفعال فيها اعتداء على “خصوصيات أبنائهم وبناتهم” فلا يوجد شيء اسمه خصوصية فيما يتعلق برعاية الأهل لأبنائهم وبناتهم، ولا توجد “حرّيات” بل يوجد التزامٌ من قبل الأبناء بتعليمات آبائهم وأمهاتهم الذين هم أقدر منهم وأعلم منهم وأوعى منهم على كل ما فيه مصلحتهم واستقامة كلّ أمورهم وأحوالهم.
ويكاد لا يمرّ يومٌ إلا ونسمع فيه من المآسي ما تنفطر منه القلوب، فحالات السقوط والإسقاط والابتزاز عديدة، وكلّنا يعلم معانيها ومآسيها.
وختاماً:
الأبناء زهرة الحياة الدّنيا وزينتها، وهم بَهجة النفوس وقُرَّة الأعين، واعتبَرهم الله سبحانه وتعالى أمانةً عند آبائهم وأمَرَهم برعايتهم لإنتاج جيلٍ مسلمٍ لربه مؤمنٍ به عزّ وجل ومقيمٍ قواعدَ الدين الإسلامي؛ فرِعايتهم واجبةٌ على الآباء وسيُسألون عنها يوم القيامة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].
لذا فقد أولى الإسلام رعايةَ الأبناء أهميّةً خاصّةً في كلّ مراحل حياتهم؛ أَجِنَّةً، ورُضَّعاً، وصبياناً، ويافعين، إلى أن يَصِلُوا إلى مرحلة الرّجولة والأنوثة، وتعد هذه الرعاية مسؤوليةً ليست بالسهلة نظراً لكثرة المؤثرات الخارجية التي تتدّخل في التربية والرعاية.
أبناؤكم أمانة في أعناقكم أمام خالقكم…. فاحفظوها.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذة رولا إبراهيم