الأمن الصحي في دولة الخلافة

 

 

الصحة نعمة كبيرة يمنّ الله بها على الإنسان، نعمة يفتقدها المريض والعاجز، حتى إن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام قال: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؛ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ».

 

وقد اهتم الإسلام بصحة الأبدان فقال النبي ﷺ: «إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً». ومن حق الجسد عليك أن تطعمه وتسقيه ما ينفعه وتبتعد عما يضره، وتقيه الأمراض، وتداويه إذا مرض. وحرَّم كل ما يتسبب بهلاك الإنسان أو ضعفه، فقال عليه الصلاة والسلام: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وأوصى بالتداوي وضمن لنا وجود الدواء بعد بذل الجهد في الوصول إليه، فقال: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً».

 

وبغياب دولة الإسلام خضعنا للنظام الرأسمالي النفعي الجشع الذي لا يعرف إنسانية ولا رحمة ولا رعاية، فأصبح العلاج والأدوية لمن يقدر على تكاليفه لا لمن يحتاجه!! وعرفنا شركات التأمين الصحي التي ليست للجميع، والملكية الفكرية وبراءة الاختراع للأدوية ما سهل احتكارها، وانتشرت المستشفيات الاستثمارية الربحية التي تتاجر بصحة الإنسان وحياته مقابل زيادة أرباحها وتحكمها في السوق. وعانى الجميع من هذه الحال بمن فيهم المرأة سواء أكانت تعاني من أي مرض، أو كانت حاملاً أو أثناء الولادة أو كبيرة في السن تعاني من الأمراض والتعب. والناظر حوله يرى هذه المعاناة خاصة في الدول الفقيرة التي ينهبون خيراتها ولا يرمون لها حتى بالفتات، مع أن الأصل أن تكون الرعاية الصحية من واجب الدولة نحو رعاياها وسكانها.

 

وهذه الأيام يعاني العالم كله من أزمة صحية عالمية وهي الكورونا وتداعياتها المختلفة التي أثرت على كل مناحي الحياة أفراداً ودولاً، فلم نجد الرعاية بقدر ما وجدنا الجشع والطمع والاحتكار والتلاعب السياسي والاقتصادي بحياة الناس ومقدراتهم.

 

إذن الصحة والتطبيب من الواجب على الدولة أن توفرهما للرعية مجاناً، من عيادات ومستشفيات ومرافق وأطباء وأدوية وعلاج إما بشرائه من مصانِع الدواء وشركاته في الدولة أو في الخارج، وإمَّا بإنشاء مصانع للدواءِ تملكها الدولة وتنتج الأدوية المطلوبة.

 

وكان هذا هو الحال أيام وجود الدولة الإسلامية بكافة عصورها بدءاً من عهد النبوة إلى الخلافة العثمانية مروراً بكل الحقب والعصور الإسلامية. وقد وردت العديد من أقوال الرسول ﷺ وأفعاله تحث على التطبيب والعلاج للجميع ومنها خيمة العلاج بجانب المسجد النبوي وكانت تشرف فيها رفيدة الأسلمية، وقد أنشأ الخلفاء والأمراء المستشفيات لمعالجة المرضى وصرف العلاج اللازم لهم رجالاً ونساءً من غير أجرة. أي أن العلاج يكون مجاناً مهما كان جنسهم أو دينهم أو مذهبهم، أغنياء أو فقراء. وكان كل مستشفى من هذه المستشفيات ينقسم إلى قسمين: قسم للرجال وآخر للنساء، مؤثثة بأحسن الأثاث ومجهّزة بأفضل الأدوات بالإضافة إلى الغطاء والكساء والطعام والخدمة والنظافة. وكانت تضم أشهر الأطباء المسلمين الذين تفوقوا على أطباء العالم وقتئذ. وكان يتولى إدارتها في معظم الأحيان أحد الأمراء أو الأشراف أو عظماء الدولة لبيان أهمية الخدمات الصحية، وللتأكد من أن الدولة ترعى الشؤون الصحية، حتى إن بعض الناس كانوا يتمارضون رغبة منهم في الدخول إلى المستشفى والتنعم بما فيها من رعاية فائقة! بل أيضاً إذا أصبح المريض في فترة النقاهة كان يُعْطَى مبلغاً من المال يكفيه إلى أن يصبح قادراً على العمل، وذلك حتى لا يضطر إلى العمل في فترة النقاهة فتحدث له انتكاسة.

 

ولأن الناس لم تعش عدل ورفاهية دولة الخلافة، تغيب عنها هذه الحقوق التي لها على الدولة في الرعاية الطبية والصحية. ففي دولة الخلافة التي يعمل حزب التحرير لإقامتها بإذن الله تعالى سيكون الوضع مختلفاً تماماً عن وضعنا الحالي البائس المزري. فأي طمأنينة سينعم بها الفقير عندما يعلم أنه إذا مَرِض فسيجد مثل هذا المستوى من الرعاية المجانية دون أن يحتاج إلى إراقة ماء وجهه أو البحث عن وساطات أو شفاعات لينال ما يستحقُّ من الاهتمام والعلاج! فضلاً عن مدِّ يده متسولاً ليتمَّ علاجه كما هو الحاصل في أيامنا هذه؟! وطبعاً هذا ينطبق على المرأة في حملها وولادتها ورعايتها لأطفالها. فلا نرى من تنجب طفلها على باب المشفى أو في الشارع لعدم امتلاكها نفقة المستشفى، ولا من يموت وهو ينتظر السماح له بدخول المشفى بدون تحويلة أو تأمين أو نقود، وما نراه من أخطاء طبية لا حسيب لهم عليها ولا رقيب.

 

وقد ورد في مقدمة الدستور الذي أعده حزب التحرير في المادة رقم 125: “أما الصحة والتطبيب فإنهما من الواجبات على الدولة بأن توفرهما للرعية، حيث إن العيادات والمستشفيات، مرافق يرتفق بها المسلمون في الاستشفاء والتداوي. فصار الطب من حيث هو من المصالح والمرافق. والمصالح والمرافق يجب على الدولة أن تقوم بها لأنها مما يجب عليها رعايته عملاً بقول الرسول ﷺ: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر. وهذا نص عام على مسؤولية الدولة عن الصحة والتطبيب لدخولهما في الرعاية الواجبة على الدولة، وهناك أدلة خاصة على الصحة والتطبيب: أخرج مسلم من طريق جابر قال: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيباً فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقاً ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ» وأخرج الحاكم في المستدرك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: “مَرِضْتُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بِنَ الْخَطَّابِ مَرَضاً شَدِيداً فَدَعَا لِي عُمَرُ طَبِيباً فَحَمَانِي حَتَّى كُنْتُ أَمُصُّ النَّوَاةَ مِنْ شِدَّةِ الْحِمْيَةِ”.”

 

ولتوفير الرعاية الصحية، فإنّ الخلافة ستعيد هيكلة جني الإيرادات وفقا لقواعد الشريعة الإسلامية، حيث ستجني عائداتها من الممتلكات العامة مثل الطاقة ومن تصنيع الآلات ومن المنشآت الحكومية مثل المنشآت الكبيرة، ومن الخراج، وستوقف جني الضرائب، مثل ضريبة المبيعات والدخل التي تخنق النشاط الاقتصادي، كما سترفض دولة الخلافة أخذ قروض ربوية من المستعمرين ومن غيرهم، لذلك، فإنّ الخلافة ستسيطر على القطاع الصحي وستوفر الخدمات الصحية بالمجان، كما ستسمح بوجود مرافق صحية خاصة لتوفير الرعاية الصحية من أجل الربح. وبالتالي فإنّ الخلافة ستوجد التوازن الصحي الذي يوفر الرعاية التامة لكل الرعايا.

 

وقد ورد كذلك في مقدمة الدستور لحزب التحرير في المادة رقم 164: “توفر الدولة جميع الخدمات الصحية مجاناً للجميع، ولكنها لا تمنع استئجار الأطباء ولا بيع الأدوية” وجاء في شرح المادة: “وأما جواز أن يستأجر الطبيب وتدفع له أجرة فلأن المداواة مباحة، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: «يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا». ولأنها أي المداواة منفعة يمكن للمستأجر استيفاؤها فينطبق عليها تعريف الإجارة، ولم يرد نهي عنها”.

 

وإن دولة الخلافة هي التي ستضع المعايير العالمية للرعاية الصحية والأبحاث الطبية وستوجد نظام رعاية صحية يؤمن الاحتياجات الطبية لجميع الرعايا، بغض النظر عن العرق أو الدين أو المذهب أو الجنس… إلخ وسيتم إلغاء قوانين الحقوق الفكرية وبراءة الاختراع، ومن شأن ذلك إحداث ثورة فكرية في البحوث الطبية، فضلاً عن توفير العقاقير الطبية بأسعار في متناول الجميع.

 

هذا غيض من فيض ما ستكون الحال عليه في الدولة الإسلامية من حرصٍ وحفظٍ لأمن ورعاية وكرامة الإنسان. فلبوا النداء وانضموا للعاملين لإقامتها لننعم جميعاً في عزها بحول الله ونصره.

 

#أقيموا_الخلافة           #الخلافة_101            #ReturnTheKhilafah                #YenidenHilafet

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مسلمة الشامي (أم صهيب)

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة