المرأة في ظلّ الرّأسماليّة: حرّيّة وتمكين أم استغلال فاحش ومهين؟

 

 

يقول عزّ وجلّ: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾. في تفسيره للآية يقول ابن كثير: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي﴾ أي: خالف أمري، وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً﴾ أي: في الدّنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد. فهذا من ضنك المعيشة.

 

وها هي البشريّة اليوم لا طمأنينة ولا أمن، بل الكلّ في حيرة من أمره غير راض عن معيشته يتساوى فيها من يعيشون في دول متقدّمة أو متخلّفة، العالم كلّه يختنق من شرور النّظام الرّأسماليّ وفساده فقد عمّ السّواد والظّلام وكثرت الحروب والأوبئة وارتفع معدّل الفقر والبطالة وصار النّاس يعيشون الفاقة ويشكون الحياة الشّاقّة

 

رفع هذا النّظام – والذي يقود العالم اليوم – شعار الحرّيّات وأطلق العنان للإنسان ليتخلّص من كلّ القيود من أجل تحقيق حاجاته ورغباته وجعل تحقيق أكبر المتع الحياتيّة (القيمة المادّيّة) هي القيمة الرّئيسيّة في الحياة مهملا كلّ القيم الأخرى (الرّوحيّة – الإنسانيّة – الأخلاقيّة) من أجل تركيز مفاهيمه وثقافته القائمة على الرّبح والمنفعة فكانت عودة البشريّة إلى الظّلم والظّلمات والعيش في ظلّ أحكام البشر فابتعدت بذلك عن هدي خالقها وضلّت طريق الخلاص.

 

منذ أيّام قليلة غرّد الرّئيس الفرنسيّ “بأنّ المزيد والمزيد من النّساء لا يجرؤن على ركوب وسائل النّقل العام خوفاً من الاعتداء”. هذا هو حال المرأة في بلد “الحرّيّات” وهو حال المرأة في معظم بلدان العالم: لا أمن ولا أمان وحياتها كلّها خوف وعدم اطمئنان. حال يفضح فظاعة ما تعيشه المرأة في ظلّ هذا النّظام الرّأسماليّ الوضعيّ لندرك بذلك أنّها لم تكتسب حقوقا وحرّيّات بل قيّدت بمفاهيم فاسدة أسقطتها في الأخطاء والزّلّات، وصارت فريسة سهلة تتقاذفها مفاهيم فاسدة تنشرها الحكومات والمنظّمات.

 

من أبرز ضحايا هذا النّظام المرأة، فقد وجّه لها سهامه على أنّها مكاسب ليرسم لها – وفي إطار ثقافته المادّيّة – صورة نمطيّة يخدم بها مصالحه ويجعل منها المثال الذي يجب أن يحتذى به فحوّلها إلى أداة يتمّ استهلاكها وتوظيفها حسب ما تمليه سوقه وحاجاته.

 

كان الإعلام أداته الأساسيّة في ذلك فمن خلاله يمرّر خطابه وثقافته وبه يرسم الصّورة التي يريدها للمجتمع وللمرأة تحديدا ليقينه بدورها الأساسيّ في الحياة ولهذا رسم لها طريقا تسير فيه وفق معاييره ومفاهيمه الرّأسماليّة. جعل لها صورة تظهرها متمكّنة وأخرجها للعمل لتكون ندّا للرّجل وأوهمها بأنّها بذلك تحقّق شخصيّتها وتفرض وجودها وهو في حقيقة الأمر يستغلّ ذلك لتكون يدا عاملة رخيصة يحقّق من خلالها أرباحا أكثر: استخدمها بطريقة مهينة – وهو الذي يدّعي إعطاءها حقوقها وحرّيّاتها – موظّفا جمالها وجسدها فيروّج بها منتجاته فتقوم بالإعلانات عن البضائع والسّلع ليوسّع بذلك سوقه الحرّ الذي لا يضبطه أيّ قانون أخلاقيّ،… فغايته في ذلك تبرّر وسيلته.

 

لا يتهاون هذا النّظام النّفعيّ الفاسد في استغلال أيّ وسيلة تسهم في زيادة ربحه، ولا يضع أيّ اعتبارات للحاجات الإنسانيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة بقدر ما يضع اعتباره الأوّل والوحيد لتحقيق الرّبح المادّيّ ويتجلّى بوضوح في الإعلام – بكافّة أنواعه – استغلال المرأة وتحويلها إلى سلعة يتمّ بيعها في هذه الأسواق الرّأسماليّة، ويعيدونها إلى حلقة العبوديّة التي عاشتها قبل أن تحرّرها منها أحكام ربّها.

 

وفقاً لتقرير للأمم المتّحدة، تساهم المرأة بنسبة 66٪ من ساعات العمل كلّ يوم، إلاّ أنّها تكسب فقط 10٪ من دخل العالم وتمتلك 1٪ فقط من ممتلكات العالم. وطبقاً للبنك الدّوليّ، فالنّساء هنّ الأكثر عرضة للخطر وللفقر رغم نسبتهنّ الكبيرة في سوق العمل. فهنّ يشكّلن نحو 40٪ من القوى العاملة في العالم في الزّراعة، وربع الصّناعة، والثّلث في الخدمات، حيث تزرع المزارعات في الدّول النّامية ما لا يقلّ عن 50٪ من غذاء العالم وما يصل إلى 80٪ في بعض البلدان الأفريقيّة، ومع ذلك فهنّ يمثّلن نحو 70٪ من فقراء العالم! (إضاءات: الجيش الاحتياطي: كيف تلاعبت الرأسمالية بالمرأة وأحلامها؟)

 

فأيّ مكاسب هذه التي يدّعون أنّها تحقّقت؟ أيّ حقوق تحصّلت عليها المرأة في ظلّ هذا النّظام النّفعيّ الذي لا همّ له من وراء دفعها للعمل إلّا جعلها نموذجا لكافّة النّساء ليستغلّهنّ ويحقّق الأموال والأرباح؟ أيّ ذوات ستتحقّق للنّساء العاملات وقد جعل منهنّ آلات تعمل دون مراعاة لطبيعتهنّ ولا لقدراتهنّ فصرن داخل البيت وخارجه يلهثن دون أن يأخذن نفسا فأصاب الكثير منهنّ الاكتئاب والحزن جرّاء ذلك؟! أيّ تمكين هذا الذي يجعلهنّ معايير للجمال الذي تحدّده مفاهيم هذا النّظام النّفعيّ ويخدم به الشّركات المصنّعة لمواد التّجميل أو الملابس أو الأحذية أو غيرها من الشّركات الكبرى؟!

 

إنّه يقوم بتكرار بثّ هذه الصّورة – وبخبث – لتصبح صورة للمرأة النّموذجيّة التي على نساء العالم أن يسرن على خطاها، يبثّها مرارا وتكرارا ليرسّخ في الأذهان الصّورة النّمطيّة المثلى للمرأة الجميلة في تلميح منه لمعنى الجمال “جنسيّا” فتتسابق النّساء على أن يكنّ مثلها ويحظين بالإعجاب.

حين يصبح العمل وتحقيق الرّبح الماديّ عند المرأة أفضل من بيتها وتربية أبنائها. حين يصبح عملها خارج بيتها أهمّ من عملها داخله؛ ندرك مليّا أنّ هذا النّظام الرّأسماليّ قد تمكّن منها وبثّ سموم ثقافته في عقلها وجرّدها من أنوثتها التي فطرها الله عليها. وليس معنى حديثنا أنّنا ضدّ عمل المرأة ولكن عليها أن تعي على أنّ بيتها وأولادها من أصعب الأعمال وأنبلها في آن واحد.

 

لقد جعلت الرّأسماليّة المرأة تعيش في صراع بين طبيعتها كأنثى وبين ما نشرته هذه الحضارة الفاسدة من مفاهيم مغلوطة ترفع من شأن المرأة إن هي نجحت في المساهمة في تحقيق مكاسب اقتصاديّة وتحطّ منه إن هي تشبّثت بفطرتها وقامت بدورها في الإنجاب أو التّربية فستكون بذلك عبئا على المجتمع. “فعملُ النساء داخل البيت هو عملٌ بلا قيمة، لأنه عملٌ غير منتِج”. (سيلفيا فيديرتشي: كاتبة وأستاذة جامعيّة إيطاليّة)

 

لا يختلف اثنان في أنّ الرّأسماليّة قد فشلت في تسيير العالم وأنّها قد أغرقته في دوّامة لن يخرجه منها إلّا نظام عالميّ جديد.

 

في تناقض تامّ معها كان الإسلام، وهو دين الله العليم الخبير، علاجا لكلّ احتياجات النّاس حيث أوجد لمشاكلهم وقضاياهم الحلول الجذريّة التي تضمن لهم تحقيق كلّ القيم ولم يقتصر على قيمة دون أخرى فكانت الحياة هنيئة مطمئنّة تسعد المرأة والرّجل على حدّ سواء وتجعل علاقتهما علاقة ودّ ورحمة لا علاقة صدام ونقمة. فهذه العلاقة التي سعى الإسلام أن يجعلها علاقة تكامل لا يمكن لأحد الطّرفين أن يستغني فيها عن الآخر هي التي ستنشئ الأبناء نشأة سليمة صحيحة وتربّيهم على أنّ الله قد وضع أحكامه ليسعد بها خلقه فإن تمسّكوا بها عاشوا في ظلّها حياة مطمئنّة ونالوا بإذن الله رضوانه. ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾.

 

أنقذ الإسلام المرأة فكرّمها ورفع قدرها وشأنها سواء أكانت تعمل خارج البيت أو لا، فمنزلتها العظيمة التي منحها (أمّا أو أختا أو ابنة أو زوجة) جعلتها ذات منزلة عالية تربّي الأجيال وتصنع الأبطال.

 

كانت المرأة في الجاهليّة متاعا وجاء الإسلام فردّ إليها حقّها المسلوب في الحياة وأزال عنها الظّلم والقهر لتحيا عزيزة كريمة ووهبها عناية فائقة وحماها ونظّم لها حياتها الخاصّة والعامّة فحفظها وألبسها تاج العفّة والطّهارة وجعلها ملكة أين ما كانت وحيث ما حلّت. ثمّ وبتغييب الإسلام عن الحياة عادت المرأة إلى المكانة الوضيعة التي عاشتها في الجاهليّة وصارت سلعة يتاجر بها ويوظّف جسدها لغايات دعائيّة في ظلّ هذا النّظام الرّأسماليّ الذي لا همّ له إلّا الرّبح وتحقيق الأموال الطّائلة فانتشر الفقر وكثرت الحروب ودفعت المرأة النّصيب الأكثر من الآلام والقهر والاستغلال. ولن تستعيد المرأة مكانتها المسلوبة إلّا في ظلّ أحكام ربّها ولا سعادة لها وللبشريّة جمعاء إلّا في العيش بها.

 

#أقيموا_الخلافة           #الخلافة_101            #ReturnTheKhilafah                #YenidenHilafet

 

كتبته للمكتب الإعلاميّ المركزيّ لحزب التّحرير

زينة الصّامت

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة