الغرب يصنع آلامنا والخلافة تحيي آمالنا

 

 

في 28 رجب 1342هـ، أي قبل مائة وواحدة من السنوات، وفي جولة من جولات الصراع بين الحق والباطل، استطاع الغرب الكافر المستعمر، أن يهدم دولة المسلمين (الخلافة)، ذلك الصرح الذي أسس بنيانه رسول الله ﷺ فكان منارة للخير والعدل في أرجاء المعمورة لثلاثة عشر قرناً من الزمان. وبهدم الخلافة، هُدم السياج الواقي، والجدار الحامي للأمة الإسلامية، فاستباح العدو الحرمات، ومزّق البلاد، وجعل نمط الحياة في بلاد المسلمين على أساس حضارته؛ فصل الدين عن الحياة، في دويلات وطنية هزيلة، جلبت لنا العار والدمار!! وجعلت الأمة الإسلامية ألعوبة في يد دول الاستعمار يحكمها رويبضات نكرات لا حول لهم ولا قوة إلا بالاستناد لقرارات أمريكا وأوروبا، واستطاعت أمريكا المتحكمة في بلادنا، أن ترسم سياسة تلبي مطالبها ويظل السودان في حالة التيه والتمزق.

 

فبعد الانقلاب الأخير في 2021/10/25م، ابتعثت أمريكا مبعوثها للقرن الأفريقي ساترفيلد، ومساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية مولي في، التي قدمت تقريراً عن زيارتها الثانية في كانون الثاني/يناير 2022م، أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي في الأول من شباط/فبراير 2022م، عن الحال في السودان، ومما جاء في بيانها: “بعد 30 عاماً من ديكتاتورية إسلامية وعسكرية ونزاعات داخلية متكررة… ونظام سياسي ممزق يتبع تدخلا عسكريا موجها نحو التقسيم…”.

هذا الكذب لا ينطلي على المتابع لواقع السياسة الأمريكية في السودان لأن الدكتاتورية التي حكمت السودان 30 عاماً كانت بدعم أمريكي مكشوف لكل ذي بصر وبصيرة، فأمريكا هي التي قامت بانقلاب 1989م عبر عميلها عمر البشير، وهي التي أوعزت له أن يتخذ من المعارضة آنذاك حاضنته السياسية ريثما يتمكن الجيش من الانقضاض عليها، وكانت الإدارة الأمريكية على دراية تامة بأن تلك المعارضة هي علمانية التوجه، وأن قادتها هم خريجو المدارس السياسية للغرب العلماني، ولا علاقة لهم بالإسلام، فأمريكا سمحت لتلك الحاضنة بالبقاء عشر سنوات داعمة للجيش ثم أُقصي زعيم الحاضنة السياسية حسن الترابي عام 1999م، فانفرد الجيش بالحكم بعد التمكين. كل ذلك بعلم أمريكا، وبتنسيق مخابراتها.

 

أما ما ادعته مولي في، في بيانها، عن استنكار النزاعات الداخلية المتكررة في السودان، فهي دموع التماسيح لأن الولايات المتحدة تغض الطرف عن دعمها القوي للحركات المسلحة، فهي التي رعت الحركة الشعبية لتحرير السودان، ففصلت بها الجنوب، وأقامت دولة ذات صبغة نصرانية فيه، والآن هي تضغط على العملاء، وتمكنهم من قيادة السودان نحو تفتيته إلى دويلات منهكة لا تقوى على البقاء إلا تحت سيطرتها.

 

وثالثة الأثافي وتماهيا مع استراتيجية الحرب على الإسلام في كل تشريعاته قالت مولي: “رحبنا بالتقدم الذي أحرزته الحكومة الانتقالية لناحية إلغاء التشريعات القمعية…” فهي تقصد الحدود الشرعية في الإسلام والتي لم تطبق في السودان رغم وجودها في القانون الجنائي إلا لإرضاء الحاضنة الشعبية التي خُدعت بشعارات تطبيق شرع الله من حكومة الإنقاذ، والحكومة الانتقالية شرعت بالفعل في إلغاء القوانين المتعلقة بالإسلام، بدءاً من القانون الجنائي، فبحسب موقع الجزيرة نت في 2019/11/29: “قال وزير العدل نصر الدين عبد الباري إن السودان ألغى قانون النظام العام الذي كان مستخدما إبان حكم الرئيس السابق عمر البشير لفرض الآداب العامة…”. وهو ما رحبت به كذلك منظمة العفو الدولية؛ إحدى أدوات الغرب في الحرب على الإسلام، فقد أوردت المنظمة في موقعها في اليوم نفسه ترحيبها، فقال سيف ماغانغو، نائب مدير برنامج شرق أفريقيا والقرن الأفريقي والبحيرات العظمى في المنظمة: “هذه خطوة إيجابية كبرى بالنسبة لحقوق المرأة في السودان. فقد تأخر إلغاء قوانين النظام العام كثيراً”، وأضاف: “يجب على الحكومة الانتقالية الآن ضمان الإلغاء التام لقوانين النظام العام القمعية. وهذا يشمل إلغاء المواد التي تفرض قانون لباس المرأة… وحل شرطة النظام العام، والمحاكم المخصصة، وإلغاء عقوبة الجلد… والمواد التي تنظم استهلاك الخمر وتداوله، والمواد التي تنظم ما يسمى “بالأخلاق”، بما في ذلك ممارسة الجنس بالتراضي…”. فكانت هذه المنظمة أكثر وضوحاً في حربها على الإسلام ضمن الاستراتيجية الغربية في مسخ هوية المسلمين.

 

وتطالب مولي الحكومة الانتقالية: بـ”الشروع في إصلاحات اقتصادية خاصة بالسوق الحرة”، ما يعني استمرار اغتيال اقتصاد السودان بخصخصة أصول الدولة، وتسليم ثروات الأمة لقراصنة الاقتصاد الرأسمالي، فالغرب المستعمر عموماً يضغط ويضغط، ثم يراقب الأوضاع حتى تكتمل عملية مسح هوية أهل السودان، ومسخها إلى علمانية صارخة تضاهي باريس وواشنطن ولندن في مظهرها العلماني المخالف لأحكام الإسلام، بعد تركيع أهله وحكومته اقتصادياً عبر روشتات مهلكة يمليها صندوق النقد والبنك الدوليان وينفذها العملاء. هكذا صار الحال بعد أن تحولت بلادنا وسائر بلاد المسلمين إلى دولايات تُحكم دول الغرب السيطرة المباشرة عليها في استعمار جديد ينفذه أبناء جلدتنا.

 

إنه جولة من جولات الصراع بين الحق والباطل، ومع الأسف كانت تلك الجولة في صالح الباطل، عبر أعظم خيانة في تاريخ الأمة، ألا وهي هدم دولة المسلمين؛ الخلافة، فتم تمزيق وحدة المسلمين، وتوزيعهم في دويلات الضرار، أشبه بالأقفاص في حديقة الحيوانات يشرف عليها عدوهم! فباتت حياة المسلمين كلهم تحت أنظمة حكم استبدادية، ظالمة، خانعة، ذليلة، أورثتهم الظلم والفقر، فأحس المسلمون بالذل والضياع، والانحطاط، كونهم يعيشون في حال لا تشبه حياة أمة بين يديها القرآن الكريم، ولارتباط ذاكرة الأمة بتاريخ ناصع عن عظمة العيش في ظل الإسلام.

 

قد يقول قائل لماذا الخلافة الآن؟ نقول ذلك لأن الخلافة هي تاج الفروض، وهي التي تحدد مصير المسلمين، فبها يقام الدين كله، وتقام الحدود، وتحفظ الأنفس والأموال والأعراض، وتحمى الثروات المنهوبة من قراصنة الاقتصاد. هذا من حيث أهميتها لحياة المسلمين، أما من حيث أهميتها لعموم الإنسانية، فبالخلافة يُحمل الإسلام إلى الناس في أرجاء المعمورة، فينصلح معاشهم ومعادهم. أما وجوب وجود خليفة، فيكفي أن الصحابة رضوان الله عليهم، لعلمهم بأهمية الخلافة في حياة الناس، قد أجلوا دفن الحبيب المصطفى ﷺ، ثلاثة أيام، وانشغلوا بتثبيت هذا الصرح العظيم باختيار خليفة، رغم علمهم بالنصوص المتعلقة بتعجيل الدفن، ما يدل على أولوية الخلافة على سائر الفروض، ولو كان هذا الفرض – أي فرض الدفن – يتعلق بخاتم النبيين، وسيد المرسلين، وقائد الغر المحجلين ﷺ. واليوم قد مضت مائة وواحدة من السنين بتمامها وكمالها، فحسبنا الله ونعم الوكيل، والأمة تنتظر انبثاق فجر جديد، يذوق الناس فيه طعم الحياة في ظل أحكام اللطيف الخبير.

 

وقد يثير بعض اليائسين شكوكاً حول إمكانية إعلانها خلافة راشدة في ظل هذا الوهن والضعف الذي أصاب الأمة، ومؤامرات الغرب للقضاء على الإسلام والمسلمين. صحيح أن هناك حالة استنفار معلنة بين قادة العالم الغربي، وهم يحذرون من قيام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ويقودون حملات خشنة، وأخرى ناعمة متعددة الجبهات، في ظل موقف دولي تتحكم فيه أمريكا ودول الغرب، والحكام في بلاد المسلمين، الذين خانوا الله ورسوله والمؤمنين، وقد التأمت مصالحهم المتوهمة، مع مصالح الغرب المستعمر، ويتحكم جميعهم في عملية التغيير في بلاد المسلمين، ويضعون متاريس فكرية، ومؤامرات، وعقبات، ويشنون حروبا هنا وهناك، في طريق نهضة الأمة، لكن هذه الأمة ما عادت تلقي بالاً لكيد الكافر المستعمر، ومؤامراته، وأدواته، ﴿ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ﴾، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾.

 

إن الأمة لن تيأس من روح الله ونصره، وبين يديها بشارات تستنهض الهمم، وتطمئن لها القلوب المؤمنة بنصر الله سبحانه وتعالى، ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾. وزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كيسنجر قال ليهود وهو يحذرهم “إنّي أسلِّمك أمَّةً نائمة، والمشكلة أنّها تنام ولا تموت… لأنّها إذا ما استيقظت فإنّها تعيد في سنوات قليلة ما ضاع منها في قرون”. نعم، فها هي الأمة قد خرجت من كبوتها بخطا ثابتة نحو تحقيق قضيتها المصيرية بإعادة الخلافة، من أجل استعادة عزها وسلطانها، بإعلانها خلافة راشدة على منهاج النبوة، وما ذلك على الله بعزيز.

 

بين يدي ذكرى هدم الخلافة، يجب أن نعلم أن غياب الخلافة إنما يعني، غياب الحكم بما أنزل الله، والحياة على غير أساس الإسلام؛ بل على أساس الأنظمة العلمانية الغربية، وذلك هو الظلم المبين، الذي نتجرع مراراته في كل لحظة.

 

وغياب الخلافة يعني، ضعف الأمة وهوانها على عدوها، الذي تجرأ عليها بالتدخل السافر في شؤنها بعد أن فقدت وحدتها، بتمزيقها على أساس الوطنية، والقومية، والمذهبية، والقبلية، التي حلت محل رابطة العقيدة؛ الأخوة الإسلامية.

 

وغياب الخلافة يعني تعطيل قضية الإسلام والمسلمين المصيرية؛ حمل الإسلام إلى العالم، بالدعوة والجهاد، اقتداءً برسول الله ﷺ وصحابته الكرام، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾.

 

وغياب الخلافة يعني نهب ثروات الأمة وإفقارها بواسطة عدوها الغرب الكافر المستعمر، الذي يخدمه حكام المسلمين العملاء الخاضعون للمؤسسات الدولية، قال تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا﴾.

 

كل هذا وغيره الكثير من منكرات؛ دماء المسلمين التي تجري أنهاراً، ومآسي استغاثات الثكالى والأرامل، والأيتام، والجوعي، والمحرومين في بلاد المسلمين جراء غياب الخلافة، حيث طمع فينا عدونا، وأصبح ينظر إلى مكمن العقيدة في صدورنا، يريد أن يحرّف ديننا تحت لافتات (الحرب على الإرهاب)، وإلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والمساواة في الميراث، وما يسمى بالحريات العامة، وغيرها…

 

إن الذي يوقف الانحدار، والفقر، وحياة الضنك والتعاسة، والإحباط الذي تحياه الأمة، ويبعث الأمل مرة أخرى، في حياة ملؤها الارتقاء، ورغد العيش، والطاعة، والعزة والكرامة، إنما هو قلب الطاولة على العدو، بإعادة الخلافة من جديد، راشدة على منهاج النبوة، تقلب صفحة الهزائم، لتستشرف الأمة عهداً جديداً، في طاعة الله، يؤذن بالتغيير الحقيقي في حياة الأمة، بل حياة الإنسانية كلها في أرجاء المعمورة.

 

إن تململ الأمة، وتحركها، رفضاً للظلم، وتطلعها للتغيير بحثاً عن حياة كريمة، لن يقودها إلا إلى الإسلام، تطبقه دولة الخلافة، وإن العمل لإقامة الخلافة فرض، بل هو تاج الفروض، يقول سبحانه: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾، ويقول النبي ﷺ، «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، ولأن الصحابة رضي الله عنهم، قد أجمعوا على إقامة خليفة، بعد وفاة الرسول ﷺ، ولأن القاعدة الشرعية: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).

 

#أقيموا_الخلافة             #الخلافة_101              #ReturnTheKhilafah                  #YenidenHilafet

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

غادة عبد الجبار (أم أواب) – ولاية السودان

 

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة