التغيير المقصود
منذ أن بزغ فجر الإسلام والصراع بين الإيمان والكفر على أشده، بل إن الصراع بين الحق والباطل قد بدأ واشتد منذ خلق الله آدم وعلمه وأمره ونهاه فكان أمر الله ونهيه هو الحق، وكل ما خالف أو صرف عنه هو الباطل.
والأساس الذي يستند إليه أهل الإيمان والحق في الصراع بين الحق والباطل هو حقائق الكون والإنسان والحياة، وحقائق دين الإسلام. فمن جعل الحقائق أساسا لتفكيره، وبنى على ذلك بناء سليما فإن الله يوفقه للوصول إلى الحق. فالدعوة إلى الحق يهمها بيان الأشياء والوقائع على حقيقتها، أما الدعوة إلى الباطل فيهمها التعمية عن الحقائق وإدخال المغالطات عليها كي يتوهم الباطل حقا والحق باطلا، كما يهمها تزيين الباطل وتجميله والإغراء به كي يقبل، قال تعالى: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾.
ومن موجبات هذا الصراع بين الحق والباطل ومع ما يقتضيه من تزييف أهل الباطل للحقائق وتشويه للوقائع تظهر العديد من طرق التغيير الخاطئة في المجتمعات التي صدّقت الأوهام والترهات والتحاليل فوصلت إلى ما هي فيه من ضعف وذل. ومن تضليلات أهل الباطل ما يوحون به ويصورونه من أن التغيير يكمن:
* باللحاق بالغرب وأخذ مناهجهم في الفكر والثقافة والاستعانة بهم ليضعوا الخطط ويقدموا النصائح وبذلك يصبح الغرب المستعمر مثلاً أعلى للمستعمرين خاصة مع تنامي دعوة الاستعانة بالأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة وتصويرها وكأنها هي الحل الوحيد والأوحد لكل مشاكل البشرية. إلا أن الحقائق الماثلة والواضحة لتاريخ هذه المنظمة منذ تأسيسها وحتى الآن، تظهر أنها كانت وما زالت أداة ظلم وقهر بحق كل الشعوب المستضعفة وخاصة بلاد المسلمين لصالح الدول الكبرى ومشاريعها على مستوى العالم، ويكفي أنها أعطت معظم فلسطين ليهود الغاصبين عام 1947م وبقرار دولي، واعترفت بكيانهم المسخ عام 1948م.
* بإنشاء التكتلات التي تقوم بالأعمال الخيرية كبناء المدارس ومساعدة الفقراء والأيتام والمحتاجين، فإنه وإن كانت الأعمال الخيرية مما حض الإسلام على القيام بها، إلا أن هذه الأعمال لا علاقة لها بتحقيق التغيير المقصود في المجتمع، فالحقائق الماثلة والواضحة من ارتفاع نسب الفقر والبطالة والجهل وانشغال الشعوب بسنوات عجاف تكشف لنا زيف هذا النهج في التغيير لا سيما مع تزايد أعداد هذه الجمعيات الخيرية التي تحولت مع الوقت إلى جمعيات ربحية أو جمعيات ارتبطت بأجندات إفسادية لإبقاء الشعوب المحتاجة والفقيرة في دوامة الضلال والتردي.
* بالدعوة إلى الأخلاق وإصلاح الفرد، فإنه وإن كانت الدعوة إلى خيرٍ أمر الله المسلمين بالدعوة إليه، غير أن مثل هذه الدعوات لا يمكن أن تؤدي إلى تغيير المجتمع ولا حتى إلى إصلاحه، لأن إصلاح المجتمع إنما يحصل بإصلاح الأفكار والمشاعر التي تسيطر عليه وبإصلاح النظام الذي يطبق فيه. كما أن الحقائق الماثلة والواضحة من ارتفاع نسب الجرائم والفساد الأخلاقي وانتشار الرذيلة يكشف حال المجتمعات التي تكاد تخلو من القيم الأخلاقية ولا سيما بعد المحاولات الحثيثة في السنوات الأخيرة لتقنين وشرعنة الشذوذ الجنسي من تلك المنظمات الدولية التي تدعي حمايتها للحقوق الإنسانية.
* بالمشاركة السياسية إما عن طريق الترشح أو التصويت في الانتخابات النيابية مع فتاوى التكيف مع الواقع الفاسد بدعاوى المصلحة الوطنية والضرورة والعيش المشترك والسلم الأهلي وغيرها الكثير من الدعاوى التي تساعد على ترقيع هذا الواقع الفاسد بالمشاركة والانخراط فيه، والنتيجة وفق الحقائق الماثلة والواضحة تدهور الواقع من سيئ إلى أسوأ ودون إحداث ولو نسبة ضئيلة في التغيير الذي لن يتأتى بوصول نائب إلى البرلمان أو بتعديل قانون هنا وتغيير وجه سياسي هناك.
إن كل هذه الدعوات للتغيير وغيرها مما يدعو له أهل الباطل تخرج من مشكاة واحدة، ولا علاقة لها بالتغيير المقصود، فهي دعوات لتغييرات شكلية ضمن منظومة هذه الأنظمة الوضعية السائدة منذ الاستعمار حتى الآن، ولا جديد فيها، لا في الأساس الذي تقوم عليها، ولا في معالجاتها، فهي تقوم على العقيدة الرأسمالية نفسها أي عقيدة فصل الدين عن الحياة، وعلى المعالجات الفاشلة نفسها التي طبقت في بلادنا عقودا من الزمان حتى أوصلتنا إلى شفير الهاوية.
– إن التغيير المقصود هو تغيير الأوضاع الحالية السائدة في البلاد الإسلامية من أنظمة علمانية، وأفكار وأذواق غربية فاسدة، وحكام عملاء لدول الغرب الاستعمارية الكافرة.
– إن التغيير المقصود هو إنقاذ الأمة الإسلامية من حال التفرقة والإذلال المفروض عليها من الدول الاستعمارية الكافرة، ومن حال الضياع والتيه والتبعية لتلك الدول المتكالبة على المسلمين.
– التغيير المقصود هو إعادة ثروات المسلمين لهم بدل أن تنهبها الدول الاستعمارية التي تتمتع بهذه الخيرات وتتركهم في الفقر المدقع يرزحون تحت مليارات الديون لهذه الدول الجشعة.
– التغيير المقصود يكون بنهضة الأمة الإسلامية على أساس الإسلام، ونبذ كل فكر غير إسلامي، ويكون بإزالة أنظمة الكفر وإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي تحكم بما أنزل الله، وتوحد الأمة الإسلامية وبلادها بقيادة خليفة واحد تحت راية واحدة وتحمل رسالة الإسلام للعالم.
هذا هو التغيير المقصود الذي يقتلع نفوذ الكافر المستعمر ويوجد الحياة الكريمة ويقضي على هذه الفوضى التي تضرب بأطنابها أرجاء البلاد وتقضي على العباد.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى