حتمية طلب النصرة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد ﷺ،
الأحباب الكرام جميعا، الضيوف الكرام، وكذلك المتابعين الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إن النصرة هي الطريقة الشرعية لإقامة دولة الإسلام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ولو لم تكن النصرة مهمة لما سمى الله سبحانه وتعالى بها الأنصار وجعلها لهم شرفاً، وعزاً في الدنيا، وذخراً لهم أمام الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، كما أن مخالفة طريقة طلب النصرة لإقامة الدولة هي مخالفة صريحة لأحكام الإسلام.
وتأتي مشروعية طلب النصرة من أفعال النبي ﷺ وأقواله، فقد كان النبي ﷺ يطلب من القبائل بشكل واضح بعد الإيمان به أن يحموه وينصروه ليقيم الدين ويطبق الشرع ويحمله للناس، عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e لَبِثَ عَشْرَ سِنِينَ يَتْبَعُ الْحَاجَّ فِي مَنَازِلِهِمْ فِى الْمَوَاسِمِ بِمَجِنَّةَ وَعُكَاظٍ وَمَنَازِلِهِمْ بِمِنًى يقول: «مَنْ يُؤْوِينِي وَيَنْصُرُنِي حَتَّى أَبَلِّغَ رِسَالاَتِ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ؟» وفي رواية: «مَنْ رَجُل يُؤْوِيني عَلى أن أبلغ كلامَ رَبِّي، فإنَّ قُرَيْشاً قَدْ مَنَعُونِي أنْ أُبَلِّغَ كَلامَ رَبِّي» ابن كثير.
وكما جاء في السيرة النبوية لابن كثير، عندما عرض النبي عليه الصلاة والسلام نفسه على بني عامر بن صعصعة. قال: من أي بني عامر بن صعصعة؟ قالوا: بنو كعب بن ربيعة. قال: كيف المنعة فيكم؟ قلنا: لا يرام ما قبلنا، ولا يصطلى بنارنا. قال: فقال لهم: إني رسول الله، وآتيكم لتمنعوني حتى أبلغ رسالة ربي، ولا أكره أحدا منكم على شيء.. فقال له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال له: أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من يخالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: «الأَمْرُ إِلَى اللهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ». قال: فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بأمرك. فأبوا عليه.
ولما عرض النبي ﷺ نفسه على بني شيبان قال له المثنى بن حارث: إن هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك، وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى، ألا نحدث حدثاً، ولا نؤوي محدثاً، فإن أحببت أن نمنعك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا، فقال له النبي ﷺ: «ما أسأتم الرد إذ أفصحتم بالصدق، فإن دينَ اللهِ لا ينصرُه إلا من أحاطه من جميعِ جوانبه».
ولما عرض النبي ﷺ نفسه على الأنصار قالوا: يا رسول الله، علام نبايعك؟ قال: «على السمع والطاعة في النشاط والكسل. وعلى النفقة في العسر واليسر. وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعلى أن تقوموا في الله، لا تأخذكم في الله لومة لائم. وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة».
وكان الأنصار يعلمون أن البيعة تعني إعطاء القوة والنصرة والحرب والقتال، فقد أخذ البراء بن مَعْرُور بيد النبي ﷺ ثم قال: “نعم، والذي بعثك بالحق نبياً، لنمنعنك مما نمنع أُزُرَنا منه، فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحرب وأهل الْحَلْقَة، ورثناها كابراً عن كابر”.
وقد أدرك الأنصار أنهم بهذه النصرة سيقيمون نظاماً جديداً للحياة يقطعون فيه كل روابط الجاهلية وعهودها ومواثيقها كما هي المواثيق والعهود الدولية اليوم التي ربط بها الكافر المسلمين ومنعهم من إقامة دينهم في الأرض بمنظماته وأدواته مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، فكلها روابط مستعمر حلت محل رابطة الدين وقامت مقام دولة الإسلام، قال أبو الهيثم بن التَّيَّهَان: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالاً، وإنا قاطعوها – يعني اليهود – فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله إن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله ﷺ، ثم قال: «بَلْ الدَّمَ الدَّمَ وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي، أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ».
فلا يقول قائل إنه يمكن أن نقيم سلطان الإسلام عبر إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، عن طريق المفاوضات أو الحوار أو الدبلوماسية أو ما يسمى بالقوة الناعمة.. ولا يقول قائل إنه يمكن أن نصل للخلافة عن طريق تكوين المليشيات والحركات المسلحة لننتزع السلطان انتزاعا. إن طلب النصرة مع أنها الطريقة الشرعية الوحيدة لإقامة سلطان الإسلام فهي كذلك الطريقة الصحيحة لإقامة دولة الإسلام في الأرض ولا طريقة غيرها، فهي طريقة واضحة مبلورة مفصلة طبقها النبي ﷺ عملياً واستلم بها السلطان، وهي نفسها الطريقة التي يتبعها ويلتزم حزب التحرير في سيره لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة ليرضي بها الله سبحانه وتعالى.
ولا يقول قائل يمكن أن نصل للخلافة عبر الديمقراطية أو ما يسمونها بصناديق الاقتراع، وهذه كذبة ضُللت بها الأمة فالديمقراطية نظام كفر يخالف الإسلام والديمقراطية ليست انتخاباً فقط، فالانتخاب أو الاختيار حكم شرعي يأخذ حكم الأمر الذي تم الانتخاب إليه فإن كان الأمر جائزاً جاز الانتخاب وإلا فيحرم، فلا يجوز انتخاب أعضاء برلمان ليشرعوا من دون الله تعالى بأغلبية الأصوات ولا يجوز انتخاب رئيس جمهورية يحكم بالكفر.
فالديمقراطية تعني فصل الدين عن الدولة وبالتالي عن الحياة، وأن السيادة في الدولة تكون للبشر وليس لرب البشر، هذا غير الحريات المطلقة التي تخالف مفهوم العبودية، فالنظام الديمقراطي شرٌّ دجَّن الأمة وأطرها حتى لا تخرج عن صندوق المستعمر، وقد أكدت الشواهد والوقائع أنه لن يسمح النظام الديمقراطي بوصول الإسلام إلى الحكم، ولن يسمح ببيعة شرعية لخليفة المسلمين، فقد انقلب أهل الديمقراطية عليها في كل بلاد المسلمين عندما اختار الناس من يدعو للإسلام ولو شعاراً كما في مصر، وفلسطين، والجزائر…إلخ. وفوق ذلك لم توجد لا استقراراً ولا سلاماً في بلاد المسلمين، وأكبر دليل أن يحكم الكافر المستعمر بنفسه كما في العراق حكم (بريمر) الحاكم الأمريكي فنشر في البلاد الفتنة والقتل والخراب والدمار.
وقد يقول قائل إن النصرة في هذا الزمان مستحيلة لتحكم قوى الكفر ولارتباط أبرز قيادات الجيوش بالكفار المستعمرين، فإننا نقول:
أولاً: ليس كل ضباط الجيوش في بلاد المسلمين مرتبطين بالكافر، ففيهم إخواننا وآباؤنا وأعمامنا وأهلنا، نصلي معهم ونقابلهم في المساجد ويشاركون معنا في السراء وفي الضراء، فما الأسهل لهم وأيسر نصرة دينهم أم نصرة الكافر؟!
ثانياً: المعلوم أن النُصرة حكم شرعي فهي الطريقة لإقامة الدولة، فلا بد أن تكون الطريقة من جنس الفكرة، فكما الصلاة لها طريقة لا تختلف عنها وكما أوجب الإسلام الإيمان بها كلها فكرة وطريقة، كذلك النصرة طريقة لإقامة الدولة وجب على المسلم اتباعها والتقيد بها، فطالما أنها حكم الشرع فهي حتماً طريقة ناجحة موصلة لإقامة دولة الإسلام طال الزمان أو قصر وعلى المسلم أن يؤمن بذلك، والله سبحانه لا يكلف عباده بالمستحيلات، قال تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ (سورة البقرة: 286).
ثالثاً: وعد الله تعالى أن من يلتزم أمره وينصر دينه فإن الله تعالى ناصره، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (سورة محمد: 7).
ثم إن هنالك تجارب معاصرة أهملت النصرة فكانت النتيجة زيادة لآلام الأمة ومعاناتها مثل:
1- وصول بعض الأحزاب العلمانية الذين ارتموا في أحضان الكافر ونصبوا أنفسهم أبواقاً للكافر ونظامه، أو وصول بعض قادة العسكر بانقلاب يقف وراءه الكافر فكلهم ارتبطوا بالكافر ونفذوا أجندته، وصل بهم الحال إلى محاربة الإسلام والتضييق على أهله.
2- وهناك بعض الحركات التي كونت المليشيات وقامت بأعمال مسلحة أصبح قرارها مرهوناً مقيداً بالداعم الذي يدفع المال ويوفر السلاح فأصبحوا عبيداً له.
3- أو الجماعات التي جعلت الطريق للتغيير عبر الأعمال الخيرية أو الدعوة إلى العقيدة والأخلاق مهملين جانب النصرة مبعدين الجانب السياسي تماماً فانتهى بهم المطاف إلى استخدامهم من قبل الأنظمة الحاكمة الذين أصبح ولاؤهم للأنظمة الحاكمة أشد من ولائهم لدينهم، مثل وجوب طاعة الحاكم وإن لم يطبق الشرع… بل وصل الحال بهذه الجماعات أن يستغلها الكافر في تنفيذ أجندته والارتماء في أحضانه مثل ما يسمى بجماعات الإسلام المعتدل كما سمتها مؤسسة راند الأمريكية في تقريرها في 2007م: (بناء شبكات إسلامية معتدلة) ما ترتب على ذلك إنشاء أمريكا علاقات معها وترتيب زيارات لهذه الجماعات وقياداتها إلى أمريكا تحت عنوان برنامج التبادل الثقافي. فكل هؤلاء أهملوا النصرة فلا هم طبقوا الإسلام وحملوه للعالم، ولا هم كفوا الأمة شر المستعمر فحموا عن بلاد المسلمين.
وحتى نحصل هذه النصرة لإقامة دولة الإسلام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة تأسيا بالنبي ﷺ لا بد من مرتكزات:
1- لا بد من وجود حزبٍ مبدئي يحمل مبدأ الإسلام مبلوراً عقيدة وأحكاماً أفكاراً ومفاهيم في شتى مجالات الحياة للتطبيق والتنفيذ لإدارة الدولة ورعاية شؤون الناس بهذه الأفكار والمفاهيم والأحكام، حزب مبدئي يتكتل فيه رجال أكفاء.
2- الرجال ذوو الكفاية المؤمنون بهذا المبدأ والقادرون على تطبيقه وتنفيذه على الناس.
3- الرأي العام الواعي على وجوب وضرورة إقامة دولة الإسلام الخلافة.
4- القوة المادية التي تحمي هذه الدولة وتدافع عنها وتسير الجيوش لتزيل الحواجز أمام حمل الإسلام إلى العالم، وهذه تتمثل في أهل القوة المخلصين من أبناء الأمة الضباط في الجيوش في بلاد المسلمين.. فعلى أهل القوة أن ينتزعوا سلطان الأمة المغتصب من الحكام العملاء للكافرين، بأن يعطوا النصرة لحزب التحرير لتكون بيعة شرعية لخليفة راشد يقيم الدين ويسوس الناس بالإسلام، فيكونوا بذلك أنصار هذا الزمان وينالوا الأجر والشرف كما ناله الأنصار الكرام بقيادة زعيمهم سعد بن معاذ رضي الله عنهم أجمعين، وفوق ذلك كله يكونون قد التزموا بأمر الله تعالى ونالوا رضوانه سبحانه. فيا أيها المخلصون من أبناء المسلمين في القوات المسلحة أروا الله من أنفسكم خيراً.
وأخيراً لا بد أن يدرك المسلمون أنهم قوة لا يستهان بها إن هي التفّت حول قائد مسلم مخلص، فإنها قادرة على مجابهة العالم المعادي للإسلام والمسلمين، فقوة الكفر لا تساوي شيئاً أمام قوة الله إن هو نصر عباده المؤمنين. قال تعالى: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (آل عمران: 160).
محمد جامع (أبو أيمن) – مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان