الجهاد هو حرب شرعية لضمان اتساع الخلافة بشكل مستمر
(مترجم)
مقدمة: الدعوة والجهاد هما لنشر دين الرحمة؛ الإسلام
الجهاد من أعظم الطاعات في الإسلام، ومن استشهد في القتال أو خرج منتصراً منه فله أجرٌ عظيم، وقد ذكر اتساع رقعة دولة الخلافة بالحرب في القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الصحابة، وفي التاريخ الإسلامي العظيم فتح المسلمون العديد من البلدان بالإسلام، وحرّروا شعوبها من جور الأحكام الوضعية، فكانت الدعوة للاستظلال بدولة الخلافة والاهتداء لنور الإسلام وعدله دعوة مفتوحة للبشرية جمعاء، وبمجرد تهيئة الأجواء في أية منطقة، تُزال العقبات المادية التي تحول دون تطبيق الإسلام فيها من خلال الحرب، وكان يُسمح لغير المسلمين بممارسة شعائر دينهم، وتُحفظ لهم ممتلكاتهم وأرواحهم، ما يشكّل لهم دافعاً لاعتناق الإسلام، وهذه هي العقيدة العسكرية الإسلامية التي اعتنقها جُند الإسلام لقرون، لذلك لا يجوز للمسلمين ترك الجهاد بدعوى أن حدود المسلمين يجب أن تكون ثابتة ودائمة ولا تمتد أبداً، فالجهاد فرض على المسلمين إلى يوم القيامة، وكما أن الجهاد يكون للدفاع، فهو أيضاً جهاد طلب لقتال الكفار ونشر رسالة الهداية للبشرية جمعاء. والجهاد في سبيل الله بعيد كل البعد عن حروب المستعمرين الغربيين الذين ينهبون الأراضي والموارد ويجلدون ظهور الناس.
جهاد الطلب هو رحمة للبشرية
دأبت الخلافة على القيام بجهاد الطلب، وإبادة الطغاة والمستبدين، وتحرير الشعوب بنور الإسلام. وادعاءُ المستشرقين بأن الإسلام أجبر غير المسلمين على اعتناقه هو ادعاء باطل، ففي ظل الخلافة، يكون الرعايا غير المسلمين في مأمن من التعرض لأي انتهاك من جانب الحكام؛ لأن الإسلام نفسه يأمر برعاية شئون غير المسلمين ويحرم التقصير فيها، قال رسول الله ﷺ: «أَلَا مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُعَاهِداً لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَقَدْ أَخْفَرَ بِذِمَّةِ اللهِ، فَلا يُرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفاً» رواه الترمذي.
هكذا كفل الإسلام الحماية الكاملة للرعايا غير المسلمين في أرواحهم وممتلكاتهم في دولة الخلافة، ومنع الإسلام إكراههم فيما يتعلق بممارساتهم الدينية الفردية. كذلك عندما فتح سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه الحيرة في جنوب العراق، كتب إلى الخليفة أبي بكر رضي الله عنه عن فرضه الجزية على أهلها، مستثنياً الفقراء والمسنين والمعوقين، فقال: “طُرِحَتْ جزيتُه وعيلَ من بيت مال المسلمين وعياله“.
لقد اعتنت الخلافة بالبلاد التي فتحتها، ممهدة الطريق أمام دخول الناس في الإسلام، وفي زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز خُصّصت أموال من بيت مال المسلمين لإعفاء غير المسلمين من الجزية، فقد روي في كتاب الأموال للإمام أبو عبيد القاسم، عن الخليفة عمر بن عبد العزيز، أنّه كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن وهو بالعراق أن أخرج للناس أعطياتهم، فكتب إليه عبد الحميد: إني قد أخرجت للناس أعطياتهم وقد بقي في بيت المال مال، فكتب إليه أن انظر كل من أدان في غير سفه ولا سرف فاقض عنه، قال: قد قضيت عنهم وبقي في بيت المال مال، فكتب إليه أن زوّج كل شاب يريد الزواج، فكتب إليه: إني قد زوجت كل من وجدت وقد بقي في بيت مال المسلمين مال، فكتب إليه بعد مخرج هذا أن انظر من كانت عليه جزية فضعف عن أرضه، فأسلفه ما يقوى به على عمل أرضه، فإنا لا نريدهم لعام ولا لعامين.
إذا عجزت الخلافة عن الوفاء بعقد الأمان مع غير المسلمين، فإنه لا يجوز لها أخذ الجزية منهم، واللافت للنظر هو الثقة القوية والولاء لدولة الخلافة التي أصبحت عند الرعايا غير المسلمين، فكانت أكثر من ثقتهم وولائهم لأبناء جلدتهم من أتباع ديانتهم، وعندما فتح المسلمون الشام، وتكالب الرومان لاستعادتها، لم يستطع الصحابي الكريم أبو عبيدة رضي الله عنه أن يحمي غير المسلمين، لذلك أرجع الجزية لهم وقال: “وَإِنَّمَا رَدَدْنَا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ لِأَنَّا كَرِهْنَا أَنْ نَأْخُذَ أَمْوَالَكُمْ وَلَا نَمْنَعَ بِلَادَكُمْ”، وبدلاً من اتخاذ جانب النصارى الرومان، هتف نصارى الشام قائلين: “رَدَّكُمُ اللهُ إلينا، ولَعَنَ اللهُ الذين كانوا يملكوننا من الروم، ولكن والله لو كانوا هم علينا ما ردُّوا علينا، ولكن غصبونا، وأخذوا ما قدَرُوا عليه من أموالنا، لَوِلايتُكُم وعدلُكم أحبُّ إلينا مما كنا فيه من الظلم والغُشْم”، وهكذا عادت الخلافة منتصرة وأمن في ظلها غير المسلمين في الشام لقرون.
المعنى اللغوي للجهاد
كلمة جهاد على وزن فِعْال لها أصلٌ رباعي هو جَاهَدَ، يأتي بصيغة المفاعلة التي تدلّ على عمل مشترك بين طرفين مجاهدة، مثل كلمة الخِصَام بمعنى المُخَاصَمَة، والتي أصلها الفعل خاصم، كماأنها تشبه كلمة الجدال بمعنى المجادلة، والتي أصلها الفعل جادل.
الجذر الثلاثي لكلمة جهاد هو جَهِد، والجَهد “بالفتح” المشقة، والجُهد “بالضمّ” الطاقة، ومنه: الجهاد: استِفرَاغُ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل.
يقول القسطلاني في تعليقه على صحيح البخاري: “الجهادُ بكسر الجيم، مصدر جاهدت العدوَّ مجاهدةً، وجهاداً، وأصله: جيهاداً، كقيتالاً، فخُفِّف بحذف الياء، وهو مشتق من الجَهد، بفتح الجيم، وهو التعب، والمشقة، لما فيه من ارتكابها، أو من الجُهد بالضم، وهو الطاقة، لأن كل واحدٍ منهما بذل طاقته في دفع صاحبه”، ويقال في تفسير النيسابوري: “والصحيح الجهاد: بذل المجهود في السعي لتحقيق الهدف”.
ضمن هذا التعريف اللغوي، يُفهم الجهاد في سبيل الله، فجهاد المسلم يكون طلباً لرضا الله سبحانه وتعالى، أما الجهاد في سبيل الشيطان فيكون كجهاد الكافر على غيره.
المعنى الشرعي للجهاد في القرآن الكريم
كلمة الجهاد المستخدمة في الآيات المكية تدل على معناها اللغوي فقط، وهناك ثلاث آيات من سورة العنكبوت، وهي قوله سبحانه: ﴿وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ وقول الله تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً﴾ وقوله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾.
أما بالنسبة لكلمة “الجهاد” المستخدمة في الآيات المدنية، فهناك ست وعشرون آية تشير بوضوح إلى معنى القتال، من بينها ما ذُكر في سورة النساء: ﴿لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾، ويتضح في هذه الآية أن كلمة “جهاد” تعني قتال الطلب، وأن المقاتل مقدّم على من ترك الجهاد. ومن بينها كذلك ما جاء في سورة الصف بعد ذكر القتال في أول السورة بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾، بعد ذلك تأتي الآيتان التاليتان: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
هذا فيما يتعلق بكلمة “الجهاد” في الآيات المدنية، حيث يمكننا أن نرى بوضوح كيف تشير هذه الآيات إلى القتال بالتحديد، كما تتضمن ما يقتضيه القتال في حالته الطبيعية، من بذل المال اللازم للتجهيز للقتال، أو الشروع في القتال وتحقيق الغاية منه وهو إيصال الدعوة للكفار، كما ورد في كتاب “مغني المحتاج” أنه لا يجوز الشروع في القتال دون دعوتهم إلى الإسلام. وهكذا، فإن الخلافة ستطلق الدعوة إلى الإسلام لجميع الأمم، وبمجرد أن تصبح الظروف مواتية، تعمل على إزالة العوائق المادية – إن وجدت – أمام تطبيق الإسلام من خلال الجهاد.
المعنى الشرعي للجهاد في السنة النبوية
لقد ورد لفظ الجهاد في السنة النبوية بالمعنى الشرعي، وهو القتال وما يؤدي إليه، حيث قال أبو هريرة رضي الله عنه: قالوا: يا رسول الله! أخبرنا عن الفعل الذي يعادل الجهاد في سبيل الله؟ قال رسول الله ﷺ: «لَا تُطِيقُونَهُ»، قالوا: يا رسول الله! أخبرنا حتى نتمكن من القيام بذلك، قال النبي ﷺ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، ويتضح من سياق الحديث أن السؤال عن المجاهد المقاتل على وجه الخصوص، والإجابة تدل على هذا المعنى، فقال النبي ﷺ «حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ»، ويروي جابر رضي الله عنه: قالوا: يا رسول الله! أي الجهاد أفضل؟ قال: «مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِقَ دَمُهُ».
روى عبد الله بن عباس: قال النبي ﷺ: «لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ، تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا: مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّا أَحْيَاءٌ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ لِئَلاَّ يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلاَ يَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً﴾. إِلَى آخِرِ الآيَةِ»
المعنى الشرعي للجهاد في آراء الفقهاء
هكذا يتضح من هذه النصوص الشرعية أن الشريعة نقلت كلمة الجهاد من معناها اللغوي العام إلى معنى محدد هو القتال في سبيل الله، وهذا المعنى المحدد يتشكل مفهومه – كما ذكرنا سابقاً – بعيداً عن التعبيرات الأخرى المتداولة عن الحرب والنصر والقتال، وهنا تأتي النصوص الشريعة الواحد تلو الآخر لتعريف الجهاد بمعنى القتال في سبيل الله، وفيما يلي بعض المقتطفات من كتب الفقه التي تتناول المعنى الشرعي للجهاد وأحكامه:
ورد في كتاب الحنفية في الفقه (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع): “أما الجهاد في اللغة فعبارة عن بَذل الجهد، وفي عرف الشرع يستعمل في بَذل الوُسع والطاقة بالقتال في سبيل الله عز وجل بالنفس والمال واللسان أو غير ذلك”، وفي كتاب الفقه المالكي (منح الجليل) قال: “الجهاد: أي، قتال مسلم كافراً غير ذي عهدٍ، لإعلاء كلمة الله تعالى أو حُضُورُه له [أي: للقتال] أو دُخُوله أرضه [أي أرض الكافر] له [أي: للقتال] قاله ابن عرفة”، وجاء في كتاب الفقه الشافعي (الإقناع) في تعريف الجهاد: “أي القتال في سبيل الله”، ويؤكد الشيرازي في كتابه المهذب أن: الجهاد هو القتال.
أما ما جاء في كتاب الفقه الحنبلي، فإن مؤلف كتاب المغني ابن قدامة لم يناقش في باب الجهاد أي معنى آخر غير المتعلق بالحرب والقتال، بل ناقش كونه واجباً جماعياً أم فردياً، سواء أكان في حماية المؤمنين من العدو أو حراسة الحدود والثغور، فيقول: “إن الرباط أصل الجهاد إذا جاء العدو صار الجهاد عليهم فَرض عين… فإذا ثبت هذا فإنهم لا يخرجون إلا بإذن الأمير لأن أمر الحرب موكول إليه”.
هكذا انتقلت كلمة “الجهاد” من معناها اللغوي إلى المعنى الشرعي، بحيث إنه عند ذكر الكلمة لا تُفهم إلا بمعنى القتال في سبيل الله.
الجهاد هو القتال لنشر الإسلام كما جاء في القرآن الكريم
جاء في سورة التوبة قوله تعالى: ﴿انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ والأمر بالجهاد بعد الأمر بالخروج يعني أن كلمة “الجهاد” هي القتال.
الدليل القرآني على الجهاد دليل عام مطلق يشمل قتال الطلب وقتال الدفع، أي أنه يشمل مبادأة العدو في القتال، كما يشمل الحرب الوقائية وغيرها، ويشمل جميع أنواع القتال ضد العدو لعمومية الجهاد وكماله. بالتالي فإن تقييد الجهاد أو حصره في الحرب الدفاعية، واستثناء الحرب الهجومية، يحتاج نصاً من الله، ولا توجد نصوص شرعية تحددها أو تحصرها، لا في القرآن ولا في السنة النبوية، لذلك يبقى الجهاد بمعناه العام الذي يشمل كل أنواع الحروب والقتال ضد العدو.
أما الآية ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ فإنها لم تحدد عموم الآيات في سورة التوبة، ولم تقيد مطلقها، وذلك لأنها نزلت قبل آيات التوبة، وقوله: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ فهي في زمن السلم، أما قوله: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ فهي في زمن الحرب والقتال، وحالة السلم وحالة الحرب لا تلغي إحداهما الأخرى.
جهاد الطلب في السنة النبوية
إن أقوال رسول الله ﷺ وأفعاله تدلان بشكل قاطع على أن الجهاد هو بدء قتال الكفار لرفع كلمة الله ونشر دعوته، قال النبي ﷺ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» رواه البخاري.
أما أقوال رسول الله ﷺ، فمنها أنه عندما كان عليه الصلاة والسلام يعيّن قائداً للجيش، كان يأمره أن يتقي الله سبحانه وتعالى في نفسه وفي المسلمين الذين معه، فكان رسول الله ﷺ يقول: «اغْزُوَا بسمِ اللَّهِ قَاتَلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوَا فَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيداً وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتَهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يُجْرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُ الله الَّذِي يُجْرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يُجْرَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ هم أَبَوا فعلهم الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ» رواه مسلم.
أما أفعال النبي ﷺ فكثيرة، منها خروج الرسول ﷺ وراء قافلة قريش، والذي يمثل هجوماً قتاليا ومقدمة لمعركة بدر
الكبرى، وغزوه لهوازن، وحصاره للطائف، ومعركة مؤتة لقتال الروم، ومعركة تبوك… كلها معارك وأحداث كافية لإثبات أن الجهاد هو مبادأة الكفار بالقتال، وعليه فإن الادعاء بأن الجهاد حرب دفاعية باطل.
جهاد الطلب وإجماع الصحابة رضي الله عنهم
إجماع الصحابة رضي الله عنهم هو ما تعلموه من رسول الله ﷺ، وبدلاً من نقل ذلك العلم عن رسول الله ﷺ إلينا رواية نقلوه إجماعاً، وعليه فإن إجماع الصحابة يثبت أن هناك دليلاً أو سنة لم ينقل إلينا نصاً بالرواية، ولكن إجماع الصحابة على الحكم انتقل إلينا. لذلك، فإن الإجماع هو دليل من السنة على ما لم ينقل منها.
وقد أجمع أصحاب النبي ﷺ على وجوب الجهاد بمعنى القتال في سبيل الله لنشر الإسلام باستمرار، وأنه البدء بالقتال، وفتح العراق وبلاد فارس والشام ومصر وشمال أفريقيا دليل كافٍ على ذلك، وكل الفتوحات التي حصلت في عهد الصحابة، والتوسع الهائل في حدود الخلافة هو الذي أرسى أركان الأمة الإسلامية الواسعة الموجودة اليوم.
خاتمة: الجهاد يوسع دولة الخلافة
بسبب غياب الخلافة والدعوة والجهاد، أصبح العالم غابة يلتهم فيها القويُّ الضعيفَ، وبدلاً من فتح بلاد جديدة بالإسلام، تتعرض أراضي المسلمين للاحتلال. لقد حان الوقت لأن تعود الأمة الإسلامية للقيام بواجبها، وتقود العالم بدين الإسلام، وتضمن إنهاء استبداد القانون الوضعي. ويجب العمل الجاد لإقامة الخلافة على منهاج النبوة، فهي واجبة في دين الله الإسلام، وهي التي ستحمل الدعوة إلى الإسلام في العالم أجمع، وهي التي ستعيد ترسيخ العقيدة العسكرية الإسلامية، وتحشد الجيش الإسلامي لإزالة أية عقبات مادية أمام تطبيق الإسلام.
وهكذا، بينما النظام الحالي يحوّل باكستان إلى دولة تابعة للهند، فإنه من خلال إحياء فرض الجهاد، ستضع الخلافة حداً نهائياً للعدوان الهندي، وتضعها تحت الحكم الإسلامي. قال رسول الله ﷺ: «عِصَابَتَانِ مِنْ أُمَّتِي أَحْرَزَهُمَا اللَّهُ مِنْ النَّارِ عِصَابَةٌ تَغْزُو الْهِنْدَ وَعِصَابَةٌ تَكُونُ مَعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَام» رواه أحمد والنسائي.
علاوة على ذلك، فإن الخلافة على منهاج النبوة سوف تتحدى المستعمرين الكفار الذين يشنون حرباً ضد الإسلام، وستقضي على نفوذهم في العالم، وتكتسب مكانة الدولة الرائدة في العالم، وتحرر البشرية من ظلم قانون الكفر الوضعي واستغلاله، قال النبي ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ أَوْ قَالَ إِنَّ رَبِّي زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا». رواه مسلم.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مصعب عمير – ولاية باكستان