في غياب الدولة التي تطبق الإسلام كيف تقام للمسلمين دولة؟
أهل الحل والعقد الثقات الذين يمثلون الأمة بحق ويؤتمنون على دينها هم من ينصبون الخليفة ويبايعونه بيعة الانعقاد أي أن الدولة تقوم على أكتافهم وهم نخبة الأمة وعلماؤها العدول الذين لا يخشون في الله لومة لائم، وهؤلاء يستحيل إيجادهم وتكونهم واتحادهم بشكل معلن في ظل الرأسمالية التي تحكم العالم والتي تعلم أن الخطر الحقيقي عليها هو في إقامة دولة للمسلمين تطبق الإسلام
وقد بين لنا رسول الله ﷺ كيف تقام لنا دولة حال غيابها من الوجود، وهو حالنا الذي نحياه اليوم.
ففي حال غياب الدولة يجب إيجاد حزب سياسي أو أكثر على أساس الإسلام وليس أي شيء غير الإسلام ولا يحمل شيئا من غير الإسلام في فكرته وطريقته.
هذا الحزب يجب أن يحمل أفكار الإسلام نقية صافية مبلورة ويجب أن تتجسد عقيدة الإسلام في أفراده وأن يكون همهم وغايتهم تجسد هذه الأفكار وظهورها في المجتمع بتفاعلهم، كما يجب أن يحمل مشروعا كاملا لدولة الإسلام بدستورها وأجهزتها، وما سيقوم به من يومه الأول من أعمال حتى قيام الدولة، وما ستقوم به الدولة حال قيامها، وكيف ستتعامل مع القضايا الدولية والموقف الدولي وبلاد المسلمين المفككة والمحتلة، وكيف ستعالج قضايا الناس ومشكلاتهم، وكيف ستتصرف مع الملكيات العامة من نفط وغاز وبترول وغير ذلك، وكيف ستتعامل مع الشركات والنقود، وكيف سترعى الناس بالإسلام في التعليم والصحة وغير ذلك، ومن أين ستأتي بكل ما ستقوم به، وما الأدلة الشرعية عليه، فيجب على الكتلة أن تكون كل هذه الأمور واضحة لديها، وأن يكون لديها تصور واضح لشكل الدولة ودستورها وأجهزتها وكيفية تطبيقها للإسلام، كل هذا يجب أن يكون مبنيا على أدلة شرعية ومستنبطا منها استنباطا صحيحا حتى يكون طريقا حقيقيا للنهوض بالأمة، مع وجوب معرفة الأدلة وكيفية استنباطها، فالغاية لا تبرر الوسيلة بل يجب أن تكون الوسيلة من جنس الغاية، أي وسيلة شرعية ليس فيها أية شبهة ولا معصية، فالنصر رزق من عند الله وما عند الله لا يرتجى بمعصية، فيجب أن تكون كل الأعمال مما تم استقراؤه من سيرة النبي ﷺ وطريقته التي أقام بها الدولة الأولى والتي تنحصر في عمل سياسي وطلب النصرة من أهل القوة والمنعة لحماية الدعوة وإقامة الدولة، والعمل السياسي يتمثل في الصراع الفكري والكفاح السياسي.
الصراع الفكري: هو صراع لعقائد الكفر وأنظمته وأفكاره، وللعقائد الفاسدة والأفكار الخاطئة والمفاهيم المغلوطة، ببيان زيفها وخطئها ومناقضتها للإسلام، لتخليص الأمة منها ومن آثارها، والعمل على هدم كل ما سوى الإسلام من أفكار، فالإسلام غني بعقيدته وأحكامه وأفكاره عن كل ما عداه وليس بحاجة إلى ترقيع من مبادئ أو ملل أخرى، كما أنه ليس كل ما وافق الإسلام من الإسلام وليس كل ما لم يخالف الإسلام من الإسلام، بل الإسلام طراز فريد من نوعه كامل تام بتمام نعمة الله على عباده.
إن وجود الناس في مجتمع أمر حتمي، والتصور الفكري للمجتمع هو أنه جماعة من الناس تربطهم علاقات دائمة، تنشأ طبيعياً بينهم، وأن صلاح هذه الجماعة لا يكون إلا بصلاح هذه العلاقات، وفسادها هو بفساد هذه العلاقات. ووجود العلاقات بين الناس أمر حتمي، لأنها علاقات تنشأ طبيعياً بينهم، ويسيرون فيها حتماً لإشباع جوعاتهم، وتحقيق حاجاتهم، وسد رغباتهم، والذي يقرر صلاح هذه العلاقات وفسادها هو الكيفية التي يتم بها إشباع هذه الجوعات، وسد هذه الرغبات، ولكون هذه العلاقات هي الأساس في تكوين المجتمع، فإن الصراع الفكري يدور حول إصلاح هذه العلاقات، وبيان المفاسد التي تحويها هذه العلاقات، لجعل الناس ينفرون منها، ويغيرون طراز عيشهم، ونمط حياتهم بكيفية صحيحة لإيجاد علاقات صالحة بدل تلك العلاقات الفاسدة.
وقد أعد النبي ﷺ أصحابه الكرام في دار الأرقم بن أبي الأرقم؛ أعد عقلياتهم ونفسياتهم لمعركة كبيرة بين الحق والباطل ذات طبيعة فكرية وليست ذات طبيعة مادية، حتى إن أهل الباطل عندما حاولوا جره إلى ساحات الصراع المادي بتعذيب أصحابه حتى القتل أحياناً لم يستجب لهم، أعدهم إعدادا مركزا بتثقيفهم بثقافة الإسلام تثقيفا مركزا ليؤهلهم لحمل أفكار الإسلام والتفاعل بها مع الناس وصراع أفكارهم لإيجاد رأي عام على أفكار الإسلام وعقيدته، مارس النبي ﷺ ذلك سرا لثلاث سنوات حتى كان أمر الله بالصدع بالحق ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾، أمر من الله سبحانه لرسوله ﷺ أن لا يبالي بأهل الباطل ولا بغيرهم وأن يصدع بما أمر الله ويعلن بذلك لكل أحد، ولا يعوقنه عن أمره عائق ولا تصده أقوال المتهوكين، ولا يبالي بهم ويترك مشاتمتهم ومسابتهم مقبلا على شأنه بلا خضوع ولا مداهنة بل بكل وضوح ومفارقة ومفاصلة، فالصدع هو التفريق بين الحق والباطل وبيان الحق وهدم الباطل هو من عمل الأنبياء وحملة الدعوة من بعدهم، فكانت استجابة النبي ﷺ الذي خاطب الناس بوحي الله عز وجل هدما لأفكارهم الباطلة وشركهم وجاهليتهم وبناء لأفكار الإسلام وتوضيحا لمفاهيمه عن الحياة التي بها ينهض الإنسان ويرتقي، فأتت المتتابعات تتصدى لأفكار الجاهلية وعاداتها وتقاليدها ومشاعرها وعلاقاتها الفاسدة التي تنظم حياة الناس؛ عقائدية كانت أم اجتماعية أم اقتصادية، ولم تترك جانباً من حياة الناس إلا بينت بعض مفاسدها، وأظهرت جزءاً من عيوبها، بأسلوب عقلي رائع وكلمات مثيرة ومؤثرة، تهتز لها المشاعر، وتتحرك تجاهها الأحاسيس، فبين فساد عقيدتهم قائلاً: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ﴾ وقائلا: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ وقائلا: ﴿قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلَا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾، وتعرض للجانب الاقتصادي عندهم وبين فساده وفساد تجارتهم وتعاملاتهم الربوية قائلا: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ وقائلا: ﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ وقائلا: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾، وبين فساد الجانب الاجتماعي عندهم وفساد علاقاتهم فيه فقال: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ وقال: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾ وقال: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ ومثل هذه الآيات الكثير، بينت كافة نواحي المجتمع في حينه فأظهرت مفاسده وبيّـنت عيوبه وكشفت عواره، وهذا هو الصراع الفكري الذي تقوم به الكتلة التي تسعى لنهضة الأمة مبينة ما في المجتمع من مفاسد، وما فيه من علاقات سيئة، ونظم رديئة، وأسوأ ما فيها أنها نظم كفر وجاهلية جديدة، تفرض على الأمة فرضا وتجبر الأمة على التحاكم لأنظمة الغرب وقوانينه، ففصل الدين عن الحياة عقيدة باطلة تغرس في الأمة غرسا ومفاهيم الديمقراطية والرأسمالية التي تحكم بلادنا بالحديد والنار وما فيها من مفاهيم مغلوطة يراد تلبيسها على الناس والتدليس عليهم وإظهار أنها من الإسلام أو توافقه أو لا تخالفه لعلمهم أن الأمة لا تقبل بغير الإسلام، ولهذا فدور الكتلة في صراعها الفكري هو هدم هذه الأفكار وبيان فساد هذه الأنظمة وعاداتها ومخالفتها للإسلام بالكلية، فالإسلام دين سياسي والسياسة تقع في نطاق أفعال العباد أي أنها يجب أن ترتبط بالشرع وأحكامه ولا تنفصل عنه البتة لأن الأصل في أفعال العباد هو التقيد بأحكام الشرع، وفصل الإسلام عن السياسة هو جريمة في حق الإسلام يأثم مرتكبها، فرسولنا ﷺ أسس دولة الإسلام الأولى وكان هو أول حاكم لها وبين كيف يحكم الناس من بعده فقال ﷺ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ»، والديمقراطية التي يفسرونها على غير واقعها ليست آلية انتخاب الحاكم ولا هي تداول السلطة كما يوحي البعض، ولا تقابل الشورى في الإسلام، فالديمقراطية نظام حكم والشورى ليست نظام الحكم الإسلامي وإن كانت منه، وما يقابل الديمقراطية هي الخلافة نظام الحكم الذي نصت عليه الأدلة الشرعية. والوطنية والقومية التي يُتغنى بها ويراد لها أن تكون روابط بديلة لرابطة العقيدة الإسلامية هي روابط باطلة منحطة لا أساس لها ولا تصلح للربط ولا تملك أي معالجات لمشاكل الناس، وإنما أرادوا بها تهييج المشاعر وتأليب نفوس الناس على حملة الدعوة واتهامهم بالسعي لإزالة حدود البلاد والتي هي باطلة في أساسها والتي وضعها الكافر المستعمر مقسما بها بلادنا إلى مناطق نفوذ، كما يجب بيان فساد النظام الاقتصادي الموجود وتوضيح كيف ينظر الإسلام للمشكلة الاقتصادية وكيف يعرف الفقر وكيف يعالج كل المشكلات بمعالجات حقيقية وصحيحة وجذرية؛ فالنقود الورقية التي لا قيمة لها في ذاتها هي سرقة لجهود الناس وثرواتهم، والنقود يجب أن تكون ذهبا أو فضة أو ورقة نائبة عنهما لارتباطها أولا بأحكام شرعية وحتى تصبح لها قيمة في ذاتها تتحدى الكوارث والنكبات ولا يؤثر فيها التضخم ولا تلتهم ثروات الناس، كما أن تقسيم الملكيات في الرأسمالية إلى ملكية دولة وملكية خاصة مع السماح للأفراد بتملك الموارد الدائمية واحتكارها هو ظلم للناس، والإسلام قسم الملكيات إلى ثلاث؛ ملكية خاصة وملكية عامة وملكية الدولة وجعل كل ما هو من الموارد الدائمية وشبه الدائمية ملكية عامة، أي يتشارك فيها الناس جميعا ولا يمنع منها أحد، ولا يجوز للدولة التصرف فيها بالبيع ولا الهبة ولا منح حق امتياز التنقيب والاستخراج وإنما يجب عليها أن تقوم هي بنفسها بإنتاج الثروة منها وتوزيعها على الناس عينا أو في صورة خدمات، هذا بعض مما يجب أن يمارس في الصراع الفكري؛ هدم لما غرسه الغرب في الأمة من أفكار وعادات وإزالة الأتربة عن عقيدة الإسلام وبيان أنها عقيدة سياسية عملية قادرة على النهوض بالأمة وعلاج كل مشكلاتها بعيدا عن الغرب وحلوله الكارثية.
الكفاح السياسي: يتعلق بكشف المؤامرات والخطط التي تحاك ضد الأمة وفضح المتآمرين والخونة من الحكام والنخب وفضح تآمرهم على الأمة، وقد قام النبي ﷺ بهذا العمل فعابهم بما فيهم وذكر عاقبتهم وبين عوارهم وسجلت ذلك السيرة وآيات القرآن التي نتلو فقال تعالى: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ وقال: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾، وقال: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾.
وهو نفسه ما يجب أن تقوم به الكتلة في زماننا من فضح القادة والزعماء والحكام والنخب المتآمرين على الأمة وبيان عوارهم وأنهم منفصلون عنها لا يستحقون طاعتها ولا تجب لهم طاعة على الأمة أصلا، فهؤلاء الزعماء والقادة مطاعون قهرا وجبرا، فلم تسلمهم الشعوب قيادتها وسلطانها بل اغتصبوا هم هذا السلطان، وهذه القيادة والطاعة لا تجوز لمن لا يحكم بالإسلام ولا تجوز في معصية، وعمالتهم وخيانتهم للأمة منكر ظاهر وامتناعهم عن تطبيق الإسلام وإجبار الأمة على التحاكم لقوانين الغرب وأنظمته يوجب فضحهم وبيان ما هم عليه من مخالفات شرعية توجب خلعهم.
بالتزامن مع ما سبق من عمل سياسي بشقيه الصراع الفكري والكفاح السياسي يأتي طلب النصرة وهو استنصار أهل القوة والمنعة القادرين على حماية الدعوة وتمكين حملتها من دعوة الناس لها وتسليمهم الحكم ليطبقوا الإسلام كما أراد الله عز وجل، وهذا ما فعله النبي ﷺ؛ فقد عرض نفسه ودعوته على أكثر من عشرين بيتا من بيوت العرب فقد كان كل عام يتبع الحجاج إلى منازلهم في منى والموقف يسأل عن القبائل قبيلة قبيلة وعن منازلهم وكيف القوة فيهم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي ﷺ يعرض نفسه على الناس في الموقف ويقول: «أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلْنِي إِلَى قَوْمِهِ فَإِنَّ قُرَيْشاً قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي»، وعن بعضهم: رأيت رسول الله ﷺ قبل أن يهاجر إلى المدينة يطوف على الناس في منازلهم أي بمنى يقول: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا»، وذكر الواقدي أنه ﷺ أتى بني عبس أي وبني سليم وغسان وبني محارب أي وفزارة وبني نضر ومرة وعذرة والحضارمة، فيردون عليه ﷺ أقبح الرد، ويقولون: أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك، وعرض الأمر على بني شيبان وبكر وبني عامر بن صعصعة وغيرهم وكان لكل رد ما بين الاشتراط على النبي ﷺ وما بين عدم الإحاطة.
والنصرة لا تكون مشروطة بل تكون لقاء الجنة ومن ينصر هذا الدين يجب أن يحيطه من جميع جوانبه، “فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه، وإعزاز نبيه ﷺ وإنجاز موعده له، لقي عند العقبة رهطاً من الخزرج أراد الله بهم خيرا…”، فكانت النصرة والبيعة والهجرة وإقامة الدولة الأولى في المدينة المنورة، التي نورها الإسلام بحكمه وعدله، وعلى نهج رسول الله ﷺ يجب أن يكون عمل الكتلة اتصالا وتواصلا مع أهل القوة في الأمة من أبنائها المخلصين في الجيوش وتذكيرهم بالله وبما أوجبه الله عليهم من ولاء لله ولرسوله ودينه ومن حماية للإسلام وأحكامه والعمل لوضعها موضع التطبيق وحماية حملة الدعوة إليها ونصرتهم وتمكينهم من الحكم بها في بلاد الإسلام دون قيد ولا شرط رغبة في نيل رضوان الله عز وجل وطمعا في جنته.
ويجب على الكتلة أن تستمر في القيام بهذه الأعمال مهما واجهها من معوقات أو صعوبات ومحن ثباتا على الطريقة حتى يأتي نصر الله وفرجه فينتفض من أبناء الأمة من أهل القوة من ينصر ويفتح الطريق فتقام دولة الإسلام الثانية ويطبق الإسلام من جديد.
هذه هي الطريقة التي بينتها السنة كطريقة لإقامة دولة الإسلام حال غيابها، وكلها أعمال قام بها النبي ﷺ بوصفه معلما للبشرية وهاديا لها إلى صراط الله المستقيم، ولا تتم أعمالها بصورة فردية بل هي عمل جماعي يحتاج إلى كتلة وأمير لهذه الكتلة وغاية عظيمة ومشروع حضاري صالح لنهضة الأمة وقوانين إدارية تلزم الكتلة وأميرها بالغاية وطريقتها ومشروعها وتضمن عدم انحرافهم عنها ولو قيد شعرة، على أن يكون هذا كله من الإسلام ولا شيء من غير الإسلام.
وأخيرا وليس آخرا نسأل الله الثبات على حمل الدعوة والصبر عليها حتى نصل للغاية ونضع الإسلام موضع التطبيق من جديد في دولة الإسلام الثانية الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر