لبوا النداء يرحمكم الله وسارعوا إلى مرضاة الله سبحانه
﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾
لا يمكن للأمة أن تقوم بواجباتها الشرعية بشكل صحيح ومنتج يحقق غاية الشارع من دون انتظامها في أحزاب سياسية، ولذلك أمر الله تعالى المسلمين أمرا جازما أن يقيموا أحزابا سياسية تكون العقيدة الإسلامية أساسها، وسيادة الشرع غايتها، وصلاح الحكم قضيتها، والعمل السياسي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منهجها، قال تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
لقد تضمن الإسلام التزامات فردية يُسأل عن أدائها كل فرد كالصلاة والحج، وأخرى جماعية تسأل عنها الأمة بوصفها أمة كمبايعة خليفة وكتأسيس أحزاب سياسية.
إن غياب الفكر السياسي وتغييب أحكامه الشرعية أفسد الحكم وقصر من عمر الخلافة الراشدة، فقد كانت كتلة الصحابة رضي الله عنهم إحدى أهم دعامات الخلافة الراشدة، فقد كان لهؤلاء دور مركزي في قيام الأمة بواجباتها الشرعية وفي استقامة أمورها، فقد تولى تكتل الصحابة مهمة اختيار الخليفة بعد وفاة النبي ﷺ مباشرة، وقد كانوا بوصفهم كتلة سياسية لا يقصرون في متابعة أعمال الحكم كنقاش عمر ومن معه لأبي بكر في قتال مانعي الزكاة، فقد كانوا يمارسون دورهم السياسي على أكمل وجه؛ فالرسول الكريم ﷺ لم يبلغ دعوته فقط، ولم يبن أمة ومجتمعا إسلاميا فقط، ولم يبن دولة فقط، بل بنى أيضا حزبا سياسيا جعله الإطار السياسي الذي تنتظم الأمة من خلاله في ممارستها للعمل السياسي.
وعند إنعام النظر في سيرته ﷺ في بداية دعوته نجده في هذه المرحلة قام بتثقيف أصحابه بثقافة معينة وكان القرآن يتنزل عليه ليرسخ هذه الثقافة في نفوس أتباعه ليصنع منهم جبالا راسيات، فما هذه الثقافة التي جعلت المستضعفين بقوة الجبال، والتي أعجزت جبابرة قريش وقد كان جميع العرب أقحاحاً يفهمون القرآن، ففهم الوليد بن المغيرة كفهم أبي بكر فما هو الزائد؟ لقد كان كلام الله تعالى في القرآن الكريم وكلام رسول الله ﷺ مفهوما من الجميع، فما هي الزيادة التي كان رسول الله ﷺ يثقفها لأصحابه والتي حولت عبدا مستضعفا وراعيا فقيرا إلى قامة شامخة؟
إنها ثقافة القوة والعزة، إنها ثقافة إيمانية عقائدية صاغت عقولا وقلوبا وغرست مفاهيم ومقاييس أثرت في سلوكهم، فشكلت شخصيات من طراز فريد تتحدى الدنيا بإيمانها، إنها الثقافة التي كونت عقلياتهم، كيف يعقلون الأمور وكيف يفهمون الأحداث وكيف يتخذون المواقف ويصبرون على الشدائد ويقدمون التضحيات بنفوس راضية مطمئنة تبتغي رضا الله وصحبة نبيه ﷺ، فهي غاية الغايات عندهم، وهي السعادة الحقة، فعندما كان يُطعن أحدهم طعنة قاتلة يقول: “فزت ورب الكعبة”! إنها ثقافة صاغت العقول صياغة القوة والعزة فأنتجت رجالا صنعوا نهضة وفتوحا ورُقيّاً، كما وصفهم الله تعالى بقوله في كتابه الكريم: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾، وقوله سبحانه: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾، وبقول رسول الله ﷺ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ» وقوله أيضا: «لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ»، فهذه الآيات والأحاديث وغيرها، كانت هي القواعد والمقاييس التي صاغت العقلية الإسلامية الصافية النقية، التي لا تقبل الدنية في دينها، أو التنازل عن حكم شرعي، أو غض الطرف عن منكر رآه، أو كتم علم تعلمه.
ونقول هنا إن غياب العمل السياسي المنظم أحد الأسباب التي أدت إلى ضعف الدولة وتراجعها ثم سقوطها، فإن إقامتها من جديد لا يمكن أن تتحقق من دون عمل حزب سياسي على أساس الإسلام، فالواجب اليوم أن يلتحق المسلمون بمن يسير في حمل الدعوة وفق طريقة النبي ﷺ لإقامة الخلافة الراشدة الموعودة، لأن إقامة الحكم الشرعي فرض على المسلمين، ولا يُقام حكم الشرع إلا بتكتل الجهود في إطار حزبي مبدئي يهدف بشكل مباشر إلى إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الإله محمد – ولاية العراق