الشام عقر دار الخلافة

 

 

كثيرا ما كنت أتساءل عن حديث المصطفى ﷺ «هَذَا الْأَمْرُ كَائِنٌ بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ بِالشَّامِ ثُمَّ بِالْجَزِيرَةِ ثُمَّ بِالْعِرَاقِ ثُمَّ بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَإِذَا كَانَتْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَثَمَّ عُقْرُ دَارِهَا، وَلَنْ يُخْرِجَهَا قَوْمٌ فَتَعُودُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا» أي المستقر النهائي للخلافة ولن تخرج الخلافة بعد ذلك من بين جنباتها! والسؤال هنا: وأين بيت المقدس من الحواضر الكبرى للمسلمين كمكة والمدينة ودمشق والقاهرة وإسطنبول، وبغداد التي قال عنها الإمام الشافعي يوما لأحد طلبة العلم “هل رأيت بغداد؟” فقال لا. قال: “إذاً ما رأيت الدنيا وما رأيت الناس”! تلكم المدن التي شهدت جل تاريخ الخلافة الإسلامية وكانت من أعظم مدن الدنيا بلا منازع فلماذا أهمل الرسول ﷺ واقعها وذكر القدس وأنهى بها حديثه الشريف؟

 

لو رجعنا إلى تاريخنا العظيم وأحكام شريعة ربنا العزيز العليم لوجدنا أن الله سبحانه وتعالى قد جعل من سنة الاستبدال قانونا ثابتا لا يتغير ولا يتبدل ولا يجامل أحدا على حساب أحد، فالذي يؤدي حق الله ويصبر على ابتلاءاته بصدر رحب ويحتسب مغرمه ومكسبه لله يكون هو الأحق بنيل رضا الله والحصول في النهاية على جائزته في الدنيا قبل الآخرة.

 

وهذا بالضبط ما حصل مع أهل بلاد الشام وأهل فلسطين على وجه الخصوص؛ فمنذ أن أسقط المجرم مصطفى كمال دولة الخلافة العثمانية في إسطنبول راعية المسلمين والمدافعة عنهم وطرد العائلة العثمانية إلى أوروبا ليذوقوا فيها الذل والقهر والحرمان والفقر والعوز، أصاب أهل فلسطين جميع أنواع الأهوال والصعاب وجميع مراحل الظلم والاستبداد والقهر والحرمان حتى من أقرب المقربين إليهم من إخوانهم المسلمين، فاضطروا ومنذ الأيام الأولى في معركتهم مع عدوهم الإنجليز ويهود من خلفهم إلى الاعتماد على أنفسهم لأكثر من سبعين عاما عجافا، وذلك بتجهيز أنفسهم بما استطاعوا من مال وسلاح ورجال يجاهدون في سبيل الله لاسترجاع مسرى نبيهم ﷺ.

 

وهنا نحن لا نبخس حق بعض المسلمين من خارج أرض فلسطين حين وقفوا مع إخوانهم من أبناء فلسطين في مناسبات عدة أذاقوا فيها الإنجليز ويهود سوء العذاب.

 

لكن نحن هنا نتحدث بالغالب الأعلم ممن قاتل وصبر من أهل فلسطين وحدهم بعد أن خذل الحكام العملاء إخواننا في فلسطين، فهؤلاء لم يكتفوا فقط بالخذلان وقطع الإمدادات عنهم بل لقد تآمروا حين عملوا على سحب السلاح من بين أيدي الثوار بحجة أن الجيوش قد حضرت وأن واجب قتال يهود واسترجاع الأرض وحماية العرض يقع على عاتق هذه الجيوش وحدها، فصدقهم الثوار وسلموا أسلحتهم! فأصبحوا فيما بعد عرضة للتهجير والنكبات والنكسات حتى حوصروا في أقل من ٢٠% من الأرض التي عاش عليها أجدادهم.

 

واليوم وبعد كل تلك السنين يتعرض أهل فلسطين وخاصة المسلمون المستضعفون في غزة إلى أبشع وأشنع وأحقر وأكثر الحروب همجية في التاريخ الحديث والقديم؛ فأكثر من مليونين من المسلمين المستضعفين غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال محاصرون منذ أكثر من ستة عشر عاما من جميع الجهات بما فيها مصر، ويتعرضون اليوم إلى همجية يهود وحقدهم وسفالتهم مدعومين بكل قوى الأرض المجرمة الظالمة وخاصة أمريكا وأوروبا فيمدونهم بكل ما يحتاجون إليه من سلاح ومال وغذاء، يشاركهم في ذلك دول محسوبة على المسلمين وعلى رأسهم تركيا التي لم تأل جهدا في إمداد يهود بالسلع والخدمات والنفط ومشتقاته، في واحد من أحط وأسفل المواقف التي يمكن أن تقفها جهة محسوبة على المسلمين!

 

ولا ننسى هنا تخاذل أمة المليارين عن نصرة إخوتهم في موقف عجيب غريب لا يمكن للعقل أن يستوعبه! ولقد صدق الصادق المصدوق حين قال ﷺ: «لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ»، والخذلان هنا هو قدرة المسلمين واستطاعتهم على فعل شيء ثم لا يفعلونه! وهذا والله هو البلاء العظيم.

 

وكل هذا يحصل ليس لمواجهة دولة من الممكن أن تكون خطرا على الكيان المسخ بل يحصل ضد النساء والأطفال وبعض المقاتلين من مجاهدي فصائل عز الدين القسام وبقية الإخوة الذين انضموا تحت راية جهادهم.

 

إن هذه الثلة المؤمنة بالله ورسوله وبقية المسلمين في فلسطين قد قدموا للعالم أجمع بما فيه للمسلمين المتخاذلين عن نصرتهم، أروع الأمثلة في الصبر والقتال وتقديم الروح والمال والأهل فدية لأرض الإسراء والمعراج، فلم يبخلوا ولم يجبنوا ولم يتخاذلوا فأدخل الله على أيديهم الرعب في كيان يهود الجبان وأثبتوا للقاصي والداني أن هذا الكيان نمر من ورق لا يقدر على مواجهة أي تحد حقيقي على الأرض، وأن بقاء هذا الكيان ما كان ليستمر لولا تواطؤ وخسة ونذالة وخيانة حكام المسلمين وقادة جندهم الذين أوهموا الأمة طوال عقود أن جيش يهود لا يغلب، ولا قدرة للمسلمين على مواجهته! فإذا بهذه الكذبة تنكشف أمام أنظار العالم أجمع، فاضطر الغرب الكافر لتقديم كل ما يحتاج إليه هذا الكيان حتى وصل المرتزقة من كل أنحاء العالم للوقوف والقتال مع إخوان القردة والخنازير.

 

إن المعاناة والصعاب والأهوال التي تقع على المسلمين هي التي تصقل عقولهم وقلوبهم وتقوي إيمانهم بالله عز وجل فيمدهم بالصبر فلا ينتظرون الخير والنصر إلا من الله عز وجل بعد أن قطع الناس حبالهم مع هؤلاء المستضعفين حتى من قبل إخوانهم من المسلمين! وهنا بيت القصيد، أي لا منجى ولا نصر ولا نجاح ولا عز ولا تمكين إلا بالله العلي العظيم وهو وحده العزيز الجبار، والقادر وحده على أن يقول للشيء كن فيكون.

 

وبوجود ثلة من المؤمنين من أهل فلسطين وبلاد الشام ومن أهل غزة من شباب حزب التحرير الذين يعلمون ويوصلون ليلهم بنهارهم من أجل قيام دولة للمسلمين يعز فيها أهل الإيمان ويطبق فيها شرع الله وتنكس بسببها رؤوس أهل الكفر والنفاق، وبإيمان هؤلاء بوعد ربهم سبحانه وبشرى رسوله الكريم ﷺ الذي أكد على قيام دوله الخلافة الثانية على منهاج النبوة فلن تجد الأرض مكانا أنبل ولا أحق من بيت المقدس ليكون عقرا لدار الخلافة الثانية بإذن الله.

 

مما سبق نستطيع أن نقول إن نزول الخلافة ببيت المقدس له أكثر من إشارة؛ أولاها أن بيت المقدس عقدة تاريخية وسياسية وجغرافية للعالم القديم فهي مركز الديانات ومحط أنظارهم جميعا، فمن سيطر عليها سيطر على العالم القديم، وهذا يعني أن الخلافة حين تستقر بها فإن المسلمين بعدها سيسيطرون على العالم كله رغم أنف يهود والنصارى معهم. وثانيتها مكافأة لأهل الشام على ما وقع عليهم وما تحملوه من الوجع والانكسار والصبر والمصابرة لعقود عديدة فيجعل الله منهم سادة على الدنيا بأجمعها، فوالله حق لهم ذلك وهم أهلها.

 

 يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

ريان عادل – ولاية العراق

 

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة